محررون من سجون حلب وحماة يروون شعورهم.. من الجحيم إلى ولادة جديدة

06 ديسمبر 2024
سجن حلب المركزي التابع للنظام السوري، 6 فبراير 2014 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحرير الشاب أحمد البكور من سجن حلب بعد ست سنوات من الاعتقال بسبب مشاركته في مظاهرة سلمية، حيث عانى من التعذيب ووجد الدعم من زملائه المعتقلين.
- مريم الراشد، معلمة اعتُقلت بسبب كتاب عن الحرية، تم تحريرها من سجون حلب، حيث عانت من ظروف قاسية، ووجدت الأمل في الحرية بفضل فصائل المعارضة.
- سامر الديري، معتقل سياسي لمدة عشرين عامًا، استعاد حريته من سجن حماة، معبرًا عن فرحته بالحرية واعتبارها ولادة جديدة، ضمن عمليات "ردع العدوان".

استطاع الشاب أحمد البكور أن يرى النور أخيراً بعد ست سنوات قضاها في سجون النظام السوري، حين ألقي القبض عليه بسبب مشاركته في مظاهرة سلمية تطالب بالحرية والكرامة بمدينته جسر الشغور، ليتم تحريره مؤخراً مع عدد كبير من السجناء في حلب على يد فصائل المعارضة إثر عملية "ردع العدوان" التي تقودها إدارة العمليات المشتركة.

عندما وصل أحمد إلى سجن مدينة حلب صدمته الظروف القاسية، الزنازين التي تكاد تخنق الأنفاس، طعام قليل ورديء، وضرب وتعذيب لا ينقطع، أحمد كان يسمع صرخات المعتقلين في الليل، ليأتي دوره في نهار اليوم التالي. يقول أحمد لـ"العربي الجديد"، إنهم استخدموا معه أنواعاً مختلفة من التعذيب لانتزاع الاعترافات القسرية، فمن الضرب بالعصي والأسلاك، مروراً بالتعليق من اليدين لساعات طويلة، وحتى الصعق بالكهرباء، لكنه صمد رغم الألم والجوع والخوف.

وأضاف أنه تعرف داخل السجن على معتقلين آخرين، أصبحوا عائلته الثانية، كانوا يتشاركون ما يقدم لهم من طعام شحيح ويتبادلون الأحاديث بهمس عن أحلامهم بالخروج. وبعد سنوات من اعتقاله وجد أحمد نفسه خارج السجن بين ليلة وضحاها على يد فصائل المعارضة، لم يصدق الخبر في البداية وشعر أنه في حلم، إذ كان قد فقد الأمل بالخروج، عندما وطئت قدماه خارج السجن، بدأ يتنفس الصعداء وشعر أنه ما يزال على قيد الحياة، وتمنى أن ينال هذا الشعور جميع المعتقلين في أنحاء سورية.

المعتقلات النساء لم يكُنَّ في منأى عن التحرير أيضاً، ففي إحدى زنازين حلب المعتمة، كانت مريم الراشد، وهي معلمة في الثلاثين من عمرها، مع عشرات النساء الأخريات حين دخلت فصائل المعارضة السجن وحرروها مع جميع السجينات. تقول مريم لـ"العربي الجديد" إن جدران الزنزانة الباردة كانت شاهدة على كل الدموع والأوجاع التي مرّت بها منذ اعتقالها، ولم تتخيل أن تنتهي معاناة سنوات من الظلم على يد فصائل المعارضة الذين استطاعوا تخليصها من كل ذاك الجحيم الذي كانت تعيشه مع أخريات.

عُرفت مريم بين طلابها بحبها للعلم وشغفها بزرع الأمل، كانت تُعلم الأطفال القيم والمبادئ، وتحثهم على مستقبل أفضل، لكنها ذات صباح، وهي في طريقها إلى المدرسة، أوقفتها نقطة عسكرية في حلب، ولم تكن تعلم أن كتابًا صغيرًا في حقيبتها يحتوي على قصائد عن الحرية سيُعتبر دليلًا يدينها ويغيبها في السجون، حيث اقتيدت إلى أحد مراكز الاحتجاز في حلب، لتجد نفسها وسط عالم مظلم لم تعرفه من قبل، كانت الزنزانة مكتظة بعشرات النساء، معظمهن معتقلات فقط نتيجة كلمة نطقن بها، منشور كتبنه، أو حتى حلم عبرنَ عنه.

وفي سجن حماة، كان سامر الديري المعتقل منذ عشرين عاماً بوجهه الشاحب وجسده الضعيف يتكئ على باب الزنزانة، يحاول التقاط أي صوت يأتي من الخارج، كانت الجدران تحمل معها أصواتًا متداخلة، أحيانًا صوت السجان، وأحيانًا أخرى همسات السجناء من الزنازين المجاورة التي لم يفهمها.

يروي سامر المعتقل السياسي الذي قضى نصف عمره في سجون النظام السوري، كيف تنفس الحرية ليلة أمس بعد أن أفرج عنه من قبل فصائل المعارضة وهروب السجانين، وقال لـ"العربي الجديد": "سمعت حركة غريبة داخل السجن، إنها صوت التكبيرات بدأت تعلو ليفتح مقاتلون أبواب الزنازين ويخبرونا أن الوقت قد حان للخروج بعد سنوات من الظلام الدامس، إنها لحظات تاريخية لا يمكن وصفها، هل فعلاً تحررت من هذا الكابوس، هل فعلاً سأرى عائلتي بعد كل تلك السنوات، كيف ذلك، لم أكن أعلم إن كنت أعيش واقعاً أم أنه محض خيال".

ظن سامر للحظة أنها حيلة جديدة، ربما جولة أخرى من التحقيقات أو التعذيب، لكنهم أخبروهم "أنتم أحرار، هيا غادروا أنتم الأبطال الحقيقيون، صمودكم كان نصرًا لنا جميعًا، اليوم أنتم بين أهلكم، ولن يكون هناك مكان للظلم بعد الآن". خرج سامر من البوابة الكبيرة للسجن، وكانت السماء أول ما وقع عليه بصره، إذ كان يحلم برؤية السماء مرة أخرى، رفع رأسه عاليًا وقال: "نسيت كم كان لونها جميلًا". لم يستطع أحمد الكلام، ركبتاه خارتا من التأثر، ودموعه انهمرت بلا توقف، كان يتنفس بعمق وكأنه يريد أن يمتلئ صدره من الهواء الذي لطالما حُرم منه.

وتابع سامر: "في ساحة مدينة حماة تجمع الأهالي لاستقبال أبنائهم الذين أطلق سراحهم بعد سنوات طويلة من الاعتقال، النساء يزغردن، والمعتقلون يركضون بين الجموع، بينما لا يقاوم الرجال هتافات الثورة والنصر، كانت رحلة الحرية ليست مجرد الخروج من السجن، بل ولادة جديدة مليئة بالفرح والأمل".

وسيطرت قوات المعارضة السورية على كل من حلب وحماة، خلال عمليات "ردع العدوان"، وحررت المئات من المساجين معظمهم من المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي الذين أخفاهم النظام قسراً لمشاركتهم في الحراك المناهض له في العام 2011، كما تمكنت فصائل محافظة السويداء، اليوم الجمعة، من السيطرة على سجن مدينة السويداء، وحررت الكثير من السجناء، من بينهم سجناء سياسيون كذلك.