فوجئ التونسيون صباح الخميس الماضي ببيان ليلي كالعادة، صدر من وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيا الاتصال، بعد اجتماع جرى بإشراف الرئيس قيس سعيّد، وضمّ وزراء ومسؤولين أمنيين. بيان مشترك غريب، جاء يتوعد الأقلام المنفلتة والألسنة الخبيثة التي لم تدخل بيت الطاعة بعد.
ويؤكد البيان أنه تمت "إثارة التبعات الجزائية للكشف عن هويّة أصحاب ومستغلي الصفحات والحسابات والمجموعات الإلكترونية، التي تعمد إلى استغلال هذه المنصّات لإنتاج وترويج أو نشر وإرسال، أو إعداد أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة، أو نسبة أمور غير حقيقيّة بهدف التشهير وتشويه السمعة، أو الادعاء على حقوق الغير، أو الإضرار بالأمن العام والسلم الاجتماعي، والمساس بمصالح الدولة التونسيّة والسعي الى تشويه رموزها".
ولم يكد يستفيق التونسيون من الصدمة الأولى حتى جاءت الثانية، السبت الماضي، من وزارة الخارجية هذه المرة، ببيان مماثل يؤكد أنها "ستتخذ كل الإجراءات القانونية للكشف على هويات أصحاب عناوين إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي قصد تتبعهم أمام القضاء، وذلك إثر الهجمات المشبوهة والحملات المغرضة التي تتعرّض لها الوزارة وعدداً من بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية على مواقع التواصل الاجتماعي".
ما الذي يدفع الدولة إلى كل هذا الخوف من مواطنيها الذين تريد أن تحوّلهم إلى رعايا، يأكلون ويشربون، إن توفر الماء والأكل طبعاً، وينامون، لا يخوضون في حديث السياسة الآثم، ولا يتعرضون لرموز الدولة، كما تقول البيانات؟
طبعاً لا يعني هذا إباحة الافتراءات على منصات التواصل الاجتماعي، وهناك أصلاً قانون يعاقب هؤلاء، بل إن حكومة سعيّد أدخلت السجن كثيرين بسبب تدوينات ناقدة. فما الذي طرأ حتى تتهاطل هذه البيانات وبهذه الشدة؟
الإجابة الوحيدة هي أن هذه السلطة تريد نشر الخوف بين الناس وإسكات الجميع، في الداخل والخارج، لأنها أصلاً خائفة من تنامي الغضب العام وتريد محاصرته قبل فوات الأوان. وبعد ضرب الأحزاب وحل المؤسسات واعتقال المعارضين، جاء الدور على الإعلام، وعلى كل المنصات التي يمكن أن تعارض هذه السلطة، فإما أن تدخل بيت الطاعة وتهلل للإنجازات وإما أن يجري عليها ما جرى على غيرها.
ولكن الذي لا تدركه سلطات سعيّد أن الصمت لا يصنع خبزاً، ولا ينتج ثروة، ولا يخفي فشلاً، وأن الأمل الوحيد للبقاء في السلطة، هو تجميع التونسيين والتحاور معهم للخروج من الأزمة ووضع خريطة طريق مشتركة، لأن تونس 2023 لا يمكن أن تعود لما قبل الثورة، مطلقاً، وإن حدث ذلك بالقوة، فستكون خطوة نحو النهاية المريعة.