ارتفعت حصيلة قتلى التفجير الدموي الذي استهدف، أمس الأول الأحد، مؤتمراً لأعضاء وقيادات جمعية علماء الإسلام في منطقة غار بمقاطعة باجور القبلية إلى 54 قتيلاً بحسب الرواية الرسمية، بينما تؤكد القبائل أنه أدى إلى مقتل 60 شخصاً، بينهم المسؤولان المحليان في الجمعية المولوي ضياء الله خان والمولوي حامد الله، فيما تجاوز عدد الجرحى الـ200.
ويبدو التفجير امتداداً لموجة أعمال العنف في باكستان، والتي تشمل الأعمال الانتحارية والهجمات المسلحة والاغتيالات، ما يزيد الضغوط على المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن التي تصارع على جبهات مختلفة، لكن أشدها ضراوة هو مواجهة التنظيمات المسلحة.
وما يضعف مهمة إسلام أباد هو أن أفغانستان، ومن يسيطر عليها، لا يتعاونون مع باكستان في ما يتعلق بقضية "طالبان" باكستان، فيما يؤكد حكام أفغانستان الجدد أنه لا دخل لهم بما يحدث في باكستان.
واستهدف الهجوم الدموي جمعية علماء الإسلام، التي تُعتبر مظلة لكل من ينتمي إلى المدرسة الدينية، التي لها تاريخ طويل ونفوذ في شبه القارة الهندية قبل استقلال باكستان، وبعد استقلالها عن الهند في العام 1947، ولكن برز نجمها إبان الغزو السوفييتي ثم الأميركي لأفغانستان.
أعلنت الشرطة أن تحقيقاتها الأولية تشير إلى أن "داعش في ولاية خراسان" ربما يكون وراء الهجوم
والجمعية مقربة من المؤسسة العسكرية الباكستانية على مر التاريخ، كما أنها كانت تعتبر نفسها، قبل وصول حركة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان مقربة من "طالبان" الأفغانية. بل واعتبر بعض قياداتها أنفسهم أساتذة وشيوخا، و"طالبان" الأفغانية هم التلامذة (كما يعرف من اسمها، "طالبان" يعني طلاب المدارس الدينية).
لكن التوتر بدأ يسود العلاقة بين الشيوخ والتلاميذ بسبب "طالبان" الباكستانية، التي تعتبرها الجمعية حركة إرهابية، فيما تعتبرها "طالبان" الأفغانية كيانا داخلياً باكستانياً، وذلك على الرغم من محاولتها الوساطة بين إسلام أباد و"طالبان" باكستان، أثناء الحوار بينهما في مايو/أيار من العام الماضي، والتي باءت بالفشل.
رفض "طالبان" أفغانستان مواجهة "طالبان" باكستان
وعندما طلبت إسلام أباد من "طالبان" الأفغانية العمل ضد "طالبان" الباكستانية، كانت الجمعية تحاول، بصورة أو بأخرى، إقناع كابول بالقيام بذلك، وهو ما رفضته، معتبرة أن هذا الأمر شأن باكستاني داخلي، ما أدى إلى توتر العلاقة بين الجمعية وكابول.
ولم تعلق المؤسسة العسكرية الباكستانية على تفجير أمس الأول، غير أنها أسهمت في عمليات الإنقاذ وتوفير الرعاية الصحية للجرحى، إذ استقبل المستشفى العسكري في مدينة تيمره كره 45 جريحاً، معظمهم بحالة خطيرة، فيما أعلن المستشفى العسكري في مدينة باجور، في بيان، استقباله 40 جثة و150 جريحاً.
وفي حين لم تتبن أي جهة المسؤولية عن التفجير، أعلنت الشرطة، في بيان، أن تحقيقاتها الأولية تشير إلى أن تنظيم "داعش في ولاية خراسان" ربما يكون وراء الهجوم. وأعلن تنظيم "داعش"، أمس الاثنين، مسؤوليته عن التفجير الانتحاري. وقال، في بيان بثه على تطبيق "تليغرام"، إن مقاتلاً "فجّر سترته الناسفة وسط حشد كبير من أعضاء وقيادات" حزب جمعية علماء الإسلام في خار، شمال غربي باكستان، "ما تسبب بمقتل العشرات منهم، بينهم زعيم محلي وقادة آخرون".
وقال وزير الصحة في ولاية خيبر بختونخوا رياض أنور، لوكالة "فرانس برس": "كان هجوماً انتحارياً. فجر المهاجم نفسه على مسافة قريبة من المنصة". وكان رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف تعهد، في تغريدة أمس الأول الأحد، بمعاقبة المسؤولين عن التفجير.
يشار إلى أن جمعية علماء الإسلام، التي يتزعمها المولوي فضل الرحمن، وهو زعيم التحالف الحاكم في باكستان، كانت من الجهات المعارضة للجماعات المسلحة، وتحديداً "طالبان" الباكستانية.
وكانت الحركة استهدفت سابقاً قيادات في الجمعية، وهو ما أشار إليه القيادي في الجمعية المولوي حمد الله قائلاً، في مؤتمر صحافي الأحد الماضي، إن "العمل إرهابي بامتياز، ولا يمت إلى الإسلام والشريعة الإسلامية، وهذه ليست أول مرة تُستهدف الجمعية في باجور والمناطق القبلية، ولكن آن الأوان أن نوضح الأمور ونضع النقاط على الحروف".
ودعا المولوي فضل الرحمن، زعيم جمعية علماء الإسلام ورئيس "التحالف من أجل الديمقراطية"، وهو جزء مهم من الحكومة الحالية، إلى إجراء تحقيقات شاملة في تفجير باجور، متسائلاً عن كيفية وقوع التفجير داخل المؤتمر، على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة.
هجوم على باكستان
وقال زعيم مؤتمر علماء باكستان طاهر أشرفي، لـ"العربي الجديد"، إن الهجوم على مؤتمر جمعية علماء الإسلام هجوم على باكستان كلها. وبعد أن وصفه بأنه مؤشر خطير للغاية، شدد على ضرورة الوقوف صفاً واحداً في وجه الإرهاب. وقال: علماء الدين يقدمون تضحيات من أجل الحفاظ على أمن واستقرار باكستان، وسنواصل السير على هذا الدرب.
وأكد أشرفي أن على الشعب الباكستاني أن يقف إلى جانب الجيش والمؤسسة العسكرية من أجل الحفاظ على باكستان، التي تمر بمرحلة خطيرة وحساسة للغاية، مشدداً على أن الحرب ضد باكستان دخلت مرحلة مفصلية، مشيراً إلى أننا نعرف من يقوم بهذه الأعمال ومن يؤيدها، ومن يقف وراءها، وآن الأوان أن نكون واضحين ونرسم خطوطاً جديدة للحفاظ على أمن بلادنا.
طاهر أشرفي: الحرب ضد باكستان دخلت مرحلة مفصلية
وتتهم إسلام أباد "طالبان" الأفغانية بالوقوف وراء "طالبان" الباكستانية من خلال توفير ملاذات آمنة لها، وهو ما أشار إليه قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير ووزير الدفاع خواجه أصف، أخيراً، بينما رفضت كابول تلك الاتهامات. وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، إن إسلام أباد تحاول إخفاء فشل القوات الباكستانية في مواجهة المسلحين، مشدداً على أن كابول لا دخل لها بما يحدث في باكستان.
"الحقانية" تدعو إلى الحوار
وفي خضم حالة الغضب التي تسود الساحة الباكستانية، جاء رئيس الجامعة الحقانية، كبرى المدارس الدينية في البلاد، المولوي حامد الحق حقاني ليقول إن الحل الأول والأخير لما تواجهه باكستان من حالة أمنية سيئة هو الحوار مع "طالبان" الباكستانية من خلال وساطة كابول و"طالبان" الأفغانية، التي وصفها بالإمارة الإسلامية الأفغانية. واعتبر أن الحوار هو الحل، لأنه لا طائل من استمرار العنف والعنف المضاد.
ورفضت الحكومة الباكستانية، خلال الأسابيع الماضية، على لسان أكثر من مسؤول فيها، بمن فيهم خواجه أصف ووزير الداخلية رانا ثناء الله والمندوب الباكستاني الخاص لأفغانستان محمد أصف دراني، الحوار مع "طالبان" الباكستانية.
وقال دراني، في تصريح في 13 يوليو/تموز الماضي، إن زمن الحوار مع "طالبان" الباكستانية ولى ولا طائل منه، معتبراً ذلك مضيعة للوقت، وأن الخيار الوحيد في وجه الحركة وجميع التنظيمات المسلحة الآن هو الاستسلام وإلقاء السلاح، وإلا فإن القوات المسلحة الباكستانية على أهبة كاملة للتصدي لها والقضاء عليها.
تزامن التفجير وزيارة مسؤول صيني لإسلام أباد
ووقع التفجير بالتزامن مع وصول نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفنج إلى إسلام أباد، حيث سيبحث خلال الزيارة، التي تستمر ثلاثة أيام، سبل تعزيز العلاقات بين بكين وإسلام أباد في مختلف المجالات. والهدف الرئيسي لزيارة ليفنج، كما قالت الخارجية الباكستانية، في بيان، هو المشاركة في الأنشطة التي تقام في باكستان بمناسبة مرور 10 أعوام على اتفاق الممر التجاري الصيني الباكستاني، حيث سيعقد في إسلام أباد مؤتمر يشارك فيه مسؤولون من الشركات الصينية التي تعمل في مشاريع في باكستان.
عبد الشكور خان: المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن الباكستانية قد تتدخل عسكرياً ولو بشكل محدود في أفغانستان
ورأى المحلل الأمني الباكستاني عبد الشكور خان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الزيارة مهمة للغاية في ظل ما تقوم به الصين لمساعدة باكستان للخروج من الأزمة الاقتصادية. وأشار إلى أنه من المعروف أن المشاريع الصينية الباكستانية مهددة، وتواجه تحديات أمنية جمة، وهذا ما تدركه بكين، بل هو الهاجس الوحيد والخطير لديها، وما تطلبه على مر السنوات الماضية هو حماية المشاريع الصينية، وبالتالي وقوع التفجير الضخم في هذا التوقيت له دلالات خطيرة.
وأشار إلى أن أهمية هذه الزيارة تُبينها الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الباكستانية، حيث أعطت إجازة لمدة يومين في إسلام أباد، معتبراً أنه سيكون للتفجير الدموي، آثار على الزيارة.
كابول تدين التفجير الدموي
وحول موقف كابول، قال خان إن إسلام أباد أدركت أن كابول لن تغير موقفها، وهي ليست مستعدة بأية حال أن تتقدم خطوة واحدة لتنفيذ ما تريده إسلام أباد، مشيراً إلى أنها اكتفت بالإدانة والشجب.
وفي حين رأى أن المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن الباكستانية قد تتدخل عسكرياً، ولو بشكل محدود في أفغانستان، من أجل القضاء على مسلحي "طالبان" الباكستانية المتواجدين هناك، فإنه اعتبر أن هذه الخطوة قد تزيد الأمور سوءا.
وهذا ما أيده المحلل الأمني الأفغاني إسماعيل وزيري. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "طالبان" أفغانستان تتذكر جيداً قياداتها الذين قضوا في السجون الباكستانية إبان الحرب الأميركية عليها، مثل محمد ياسر، والمولوي عبيد الله نائب الملا عمر، وغيرهم، والذين يصل عددهم إلى 1300 (بين قتلى ومفقودين)، بينهم قادة بارزون وآخرون من الدرجتين الثانية والثالثة، مشيراً إلى أن حكومة "طالبان" أفغانستان قدمت، مراراً، هذه القائمة للمسؤولين الباكستانيين، طالبة منهم إطلاق سراح من بقي على قيد الحياة في السجون الباكستانية.
وأشار وزيري إلى أن مقابلة القيادي السابق في "طالبان" الملا عبد السلام ضعيف، مع قناة "طلوع" الأفغانية، الأسبوع الماضي، توضح الكثير من معالم العلاقة المستقبلية بين كابول وإسلام أباد، حيث اعتبر أن على "طالبان" ألا تحسن الظن بأحد، خاصة باكستان. يشار إلى أن ضعيف، كان سفير طالبان لدى باكستان الذي سلمته إسلام أباد إلى القوات الأميركية بعد سقوط حكومة الحركة في العام 2001.