متى سيعاقب العالم إسرائيل؟

28 ابريل 2024
متظاهر بريطاني يرتدي قناع بنيامين نتنياهو ويظهر بعضاً من جرائمه (مارك كيريسون/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الأول من أبريل 2024، اغتيال سبعة موظفين من "المطبخ المركزي العالمي" في غزة من قبل قوات الاحتلال، مما أثار توبيخات دولية لإسرائيل دون اتخاذ إجراءات عقابية جدية، معززًا سوابق إفلات إسرائيل من المحاسبة.
- تفسيرات الإخفاق في محاسبة إسرائيل تشمل نجاح دبلوماسيتها في كسر العزلة بدعم أمريكي وأوروبي، والإحجام الدولي والإقليمي عن تحدي هذا الدعم، والالتفاف على الدعم الشعبي الغربي لفلسطين.
- يُظهر النص أهمية تشكيل ائتلاف عالمي مدني/شعبي لدعم فلسطين وتكثيف الضغوط لتحقيق العدالة، مشيرًا إلى أن الحلول قد تأتي من خارج الأطر الدولية والإقليمية الرسمية.

على الرغم من إقدام قوات الاحتلال على اغتيال سبعة من موظفي منظّمة "المطبخ المركزي العالمي"، في غزّة (1/4/2024)، وصدور توبيخاتٍ دوليةٍ "لفظيةٍ خجولةٍ" تلوم إسرائيل على ارتكابها هذه الجريمة، فقد أحجمت الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الموظفون، عن اتخاذ أي خطواتٍ جديةٍ في اتجاه فرض عقوباتٍ على إسرائيل، وصولًا إلى حظر تصدير السلاح إليها نهائيًا، بغية منعها من تكرار استهداف مدنيين غربيين يعملون في مجال تقديم الإغاثة الإنسانية للشعب الفلسطيني، على نحو يُذكّر بإفلات حكومة أرييل شارون، من تبعات جريمة اغتيال الناشطة الأميركية في "حركة التضامن الدولية مع فلسطين"، راشيل كوري في مخيم رفح للاجئين (16/3/2003).

ومع تعزيز سوابق إفلات إسرائيل من المحاسبة على قتل عددٍ كبيرٍ من عمال الإغاثة في قطاع غزّة (196 عاملاً، وفق تقرير حفصة خليل في بي بي سي 2/4/2024)، يبرز التساؤل حول تفسير "الفشل الدولي/الإقليمي" في معاقبة إسرائيل، على الرغم من تصاعد وحشية سياساتها إزاء المدنيين الفلسطينيين العزل، سيّما منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية الراهنة على غزّة.

المواقف الأميركية (والبريطانية والألمانية) لم تصل بعد إلى "نقطة تحولٍ"، في سياساتها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي

في هذا السياق، ثمة ثلاثة تفسيراتٍ، أولها؛ نجاح دبلوماسية حكومة بنيامين نتنياهو، في توظيف الغطاء الأميركي، والانحياز البريطاني الألماني الفرنسي، بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل (13/4/2024)، إلى فك "العزلة الدبلوماسية الإسرائيلية" وتوسيع خياراتها بعد حدثين؛ أحدهما صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728 (25/3/2024)، بشأن وقف إطلاق النار الفوري في غزّة خلال شهر رمضان. والآخر اغتيال إسرائيل موظفي "المطبخ العالمي".

ربّما جاء استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق (1/4/2024) لكي "تلتف" إسرائيل على "التوبيخات الدولية اللفظية"، وتعيد تركيز الأنظار الدولية على "الخطر الإيراني"، بعيدًا عن الجرائم الإسرائيلية في غزّة، التي تعزّز حقيقة أنّ المحصلة النهاية لحرب غزّة ستكون "فشلًا استراتيجيًا" في القضاء على المقاومة الفلسطينية، ما يعني أن نتنياهو "يستصرخ" داعميه ليعطوا الأولويّة للتصدي "للإرهاب الإيراني" وأذرعه الإقليمية، (أي حركات حماس والجهاد الإسلامي، وحزب الله اللبناني، والفصائل المسلحة العراقية، وأنصار الله (الحوثي) في اليمن).

ثمة تفسيرٌ ثانٍ للإخفاق في محاسبة إسرائيل، يتعلق بالإحجام الدولي والإقليمي والعربي عن تحدي دعم إدارة جو بايدن إسرائيل، في حرب غزّة الراهنة، سواء في مجلس الأمن الدولي أم خارجه، على الرغم من وضوح محورية البعد الدولي/العالمي في هذه الحرب؛ إذ تقود واشنطن عمليًّا "تحالفًا غربيًا ضدّ حرية فلسطين"، يحاول جاهدًا التحكّم في تداعيات الحرب الإقليمية والدولية، في ظلّ إحجام الصين وروسيا وتركيا ومجمل الدول العربية عن الضغط على واشنطن وتل أبيب؛ فلا شكّ أن تردد أغلب السياسات العربية والإقليمية والإسلامية والدولية (مقارنةً بسياسات جنوب أفريقيا ونيكاراغو والجزائر وقطر)، يصب في مصلحة إطالة مدّة الحرب، واحتمال إفلات إسرائيل من العقاب.

يتعلق التفسير الثالث بنجاح الحكومات الغربية في الالتفاف على مواقف الجماهير الغربية من  حرب غزّة، على الرغم من فداحة الوضع، وعدد الضحايا الهائل، وسرعة تغير الوضع السياسي، سواء في الشرق الأوسط أم في الغرب، وبروز "تحولٍ ثقافيٍ عامٍ في وجهات النظر تجاه فلسطين والفلسطينيين في الغرب الناطق باللغة الإنكليزية، على مدى العقدين الماضيين؛ إذ يرصد تيري ريجير، ومحمد علي الخالدي، في ورقة ("فلسطين و"الشارع" الغربي"، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 27/3/2024)، أن "فلسطين باتت تحتل الآن، في جميع أنحاء الجنوب العالمي، وفي مدن الغرب، مكانًا رمزيًا؛ إذ تمثّل فلسطين تجسيدًا للتمرد ضدّ النفاق الغربي، وضدّ نظام ما بعد استعماري ظالم".

ربّما جاء استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق (1/4/2024) لكي "تلتف" إسرائيل على "التوبيخات الدولية اللفظية"

وعلى الرغم من اقتراب "النيران الإسرائيلية الصديقة" كثيرًا من الإضرار بمعسكر "داعمي إسرائيل"، وتحولها "عبئًا استراتيجيًا على واشنطن"، فالأرجح أن المواقف الأميركية (والبريطانية والألمانية) لم تصل بعد إلى "نقطة تحولٍ"، في سياساتها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، كما يتضح من استخدام واشنطن حقّ النقض "الفيتو" ضدّ مشروع الجزائر في مجلس الأمن الدولي (18/4/2024)، بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتّحدة، وامتناع بريطانيا عن التصويت.

في هذا السياق؛ من المتوقع استمرار واشنطن ولندن وبرلين في عرقلة "عولمة" قضية فلسطين، والسعي إلى إبقائها في إطار الترتيبات الأميركية لإقليم الشرق الأوسط، ومنع توظيف الأطراف الدولية والإقليمية لتداعيات حرب غزّة، سواء لدعم قضية فلسطين، أم لمعاقبة إسرائيل وعزلها دوليًا، مع حرص واشنطن على أمرين؛ أحدهما تأبيد إرث عملية أوسلو 1993، والمخاتلة بأوهام "الدولة الفلسطينية"، بغية حرمان الشعب الفلسطيني، من استعادة الأساس القانوني/الشرعي لقضيته، الذي يستند إلى عشرات القرارات الدولية، والآخر إبقاء "التفاوض اللانهائي"، استنادًا إلى "القوّة الإسرائيلية العارية"، المدعومة أميركيًا بلا حدودٍ.

على الرغم من مساعي إسبانيا لبلورة موقفٍ أوروبيٍ موحدٍ بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في الأسابيع القادمة، فإن المرجح هو زيادة الانقسامات في الموقف الأوروبي، خصوصًا إذا فازت التيارات اليمينية الأوروبية بانتخابات يونيو/حزيران القادم، ما يضعف فرص المساعي الإسبانية عمومًا.

وإزاء صلابة مواقف "معسكر داعمي إسرائيل"، يبرز أمام أنصار قضية فلسطين تحدٍّ يتمثّل بكيفية تشكيل "ائتلافٍ عالميٍ مدنيٍ/شعبيٍ لدعم فلسطين وغزّة"، بغية تكثيف الضغوط الشعبية والحزبية والنقابية على صناع القرار لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل، وفرض وقف إطلاق نارٍ في حرب غزّة، بالتوازي مع العمل على رفع كلّ القيود عن أنشطة التضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته الطويلة، مع إدراك أنّ إنهاء الحرب، وحلحلة قضية فلسطين عمومًا، قد لا يأتي من الأطر والمؤسسات الرسمية الدولية والإقليمية، إنّما من خارجها، ما يعني ضرورة تكثيف سياسات الاحتجاج والاعتراض والتمرد الشعبي/الجماهيري، مرورًا بإبداع أدواتٍ جديدةٍ (تشمل الفضاء الإلكتروني والسيبراني أيضًا)، وصولًا إلى تنظيم/ترسيخ أطرٍ من التشبيك (Networking) العالمي المدني الحقوقي القانوني، وانتهاءً بــ"ثورةٍ شعبيةٍ عالميةٍ" موجهةٍ ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والقوى الدولية الداعمة له، في ظلّ انكشاف "ازدواجية المعايير" في السياسات الأميركية/ الغربية، كما تظهره أيّة مقارنةٍ بين سياساتها في الأزمة الأوكرانية وفي قضية فلسطين، بعد 7 أكتوبر 2023.

من المتوقع استمرار واشنطن ولندن وبرلين في عرقلة "عولمة" قضية فلسطين، والسعي إلى إبقائها في إطار الترتيبات الأميركية

يبقى القول إنّ هامش المناورة أمام نتنياهو يضيق تدريجيًا، مع تصاعد احتمالات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقالٍ بحقّه، وحقّ مسؤولين إسرائيليين آخرين، وطلّب نتنياهو مساعدة بريطانيا وألمانيا لمنع صدور هذه المذكرات، فضلاً عن استمرار محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة في غزّة، ما يعني أهمّية استعداد الشعب الفلسطيني، وقواه الوطنية، ومؤسساته السياسية والقانونية لاستكمال توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية، وحسم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، لتحقيق العدالة والإنصاف لشهداء فلسطين وجرحاها، مع اقتراب الصراع مع إسرائيل من "مرحلة الحسم".

المساهمون