مؤتمر مبادرة "تعزيز التلاحم وتأمين المستقبل": أكبر تجمع سياسي في الجزائر

19 اغسطس 2023
تقود "البناء الوطني" بزعامة بن قرينة مبادرة تعزيز التلاحم الوطني (العربي الجديد)
+ الخط -

افتتحت، اليوم السبت، أعمال المؤتمر العام لمبادرة "تعزيز التلاحم وتأمين المستقبل"، الذي وصف بأنه أكبر تجمع سياسي للقوى الوطنية في الجزائر، حضره أكثر من ألف مشارك، يمثلون عدداً كبيراً من الأحزاب والقوى السياسية والمدنية والمنظمات والنقابات والشخصيات المستقلة ونخب وأكاديميين ومرجعيات دينية محلية، بهدف تحصين الجبهة الداخلية وحماية البلاد من التوترات الإقليمية، وإسناد مؤسسات الدولة، ودعم السياسات التي ينتهجها الرئيس عبد المجيد تبون، وسط تخوفات في أن تكون مجرد استنساخ لتجارب سابقة لم تحقق أهدافها.

ويبدو أن تبون حصل اليوم على دعم سياسي ومدني واسع من القوى المشاركة في مبادرة "تعزيز التلاحم وتأمين المستقبل"، التي ناشدته تبني مخرجات المبادرة واحتضانها، ما يؤشر إلى إمكانية تطور المبادرة إلى جبهة إسناد سياسي ومدني للرئيس الجزائري، في أفق الاستحقاقات المقبلة.

ووصف رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة المبادرة السياسية التي يقودها حزبه بأنها "أكبر مبادرة شهدتها الساحة الوطنية منذ الاستقلال، وهي ليست بالحدث الظرفي ولا رهاناً حزبياً، بل هي استحقاق وطني والتزام جماعي مسؤول".

ودعا بن قرينة الرئيس تبون إلى تبني مخرحاتها السياسية، وقال: "ندعو الرئيس إلى احتضان المساعي الوطنية الرامية إلى تمتين الجبهة الداخلية، ورص الصف الوطني. إننا نؤكد هنا أهمية مثل هذا الاحتضان الذي نتطلع إلى ترقيته إلى فضاء حوار وطني، يستوعب كل القوى الوطنية، حول رهانات الوطن وتحدياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

وأضاف: "إننا، كمكونات سياسية ومجتمعية، واعون بجديةِ المَخاطرِ والتحديات، ومؤمنون بأهمية تمتينِ الجبهةِ الداخليةِ لمواجهتها، ولدينا مقترحاتنا الجماعية لتحمل أعبائها وتكاليفها، وسيجد منا رئيس الجمهورية كل الدعم في أي جهد و مسعى لإسعاد المُواطنين، وفي كل قرار يحافظ على الأمن والاستقرار ويكرس الحقوق والحريات، وفي كل توجيه دبلوماسي لحماية لمصالحَ الحيويةَ للجزائر".
 
وتشارك في المبادرة غالبية الأحزاب الخمسة المشكلة للحزام الحكومي: حركة البناء الوطني، وجبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل، وصوت الشعب، إضافة إلى حزمة أحزاب موالية للسلطة: الفجر الجديد، والكرامة، وتجمع أمل الجزائر، والتحالف الجمهوري، وجبهة الجزائر الجديدة.

كما تضم المبادرة نقابات عمالية أبرزها: الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ونقابات مستقلة، ومنظمات وطنية كالمجاهدين (قدماء محاربي الثورة)، وأبناء شهداء الثورة، والكشافة الإسلامية، وقوى من المجتمع المدني.

وتتضمن وثيقة المبادرة 11 هدفاً، أبرزها: تحصين ثوابت الأمة ومقومات هويتها، والدفاع عن المصالح العليا، وتعميق الحوار في القضايا والقرارات الوطنية الهامة، وبناء رؤية متكاملة لكسب رهانات الأمن القومي، وتحقيق الانسجام الوطني في المواقف الدولية، وإسناد توجهات رئيس الجمهورية في السياسة الخارجية ومؤسسة الجيش، والحفاظ على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي الوطني، وتعزيز الجبهة الوطنية في الداخل، وتقديم الرؤى والمقترحات العملية للسلطات العليا في كل ما من شأنه دعم الجبهة الداخلية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعمل على تحقيق تطلعات المواطن وتحسين ظروفه المعيشية.

وعبر قادة أحزاب رئيسة في البلاد، تشارك في الحكومة والبرلمان، عن مخاوفهم من أن تكون مآلات هذه المبادرة السياسية على غرار المآلات التي انتهت إليها مبادرات سابقة شهدتها الساحة الجزائرية قبل مدة قصيرة، كمبادرة تكتل الوطن، ومبادرة قوى الاصلاح، ومبادرة لم الشمل، وغيرها.

وفي السياق، قال الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي مصطفى ياحي: "بكل صدق ومسؤلية، وجب علينا لا نخفي تخوفنا من أن نستنسخ التجارب السابقة، حين كانت التجمعات الشعبية أقل ما يقال عنها أنها بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش، وأخاف أن تكون مثل هذه الندوات بعيدة عن نبض الشارع ولقاءات من دون روح"، مضيفا: "لذلك نأمل أن تكون هذه الندوة انطلاقة فعلية لإطلاق مسار تعبوي تنخرط فيه كل القوى الوطنية، والعمل على إقناع كل القوى السياسية المعارضة والنخب التي تحفظت أو قاطعت، بما فيها أحزاب المعارضة، لتحقيق الاجتماع في القضايا الوطنية".

وكان لافتا حرص قادة أغلب الأحزاب البارزة، المشاركة في المبادرة، على الدعوة إلى العمل لأجل إقناع باقي القوى المعارضة للالتحاق بهذا المسعى السياسي، وقال الأمين العام لجبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي : "منذ سنوات، لم يحدث لقاء بين القوى الوطنية بهذا الحجم، لمناقشة القضايا التي تهم الوطن وبناء وحدة وطنية، لا يجب أن نبقى في الصالونات، سنعمل على إقناع باقي القوى التي لم تحضر لسبب أو لآخر، للانخراط في هذا المسعى، والعمل بشكل مشترك لحماية مؤسسات الدولة والدفاع عن المصالح العليا للبلاد". في إشارة منه إلى أبرز الأحزاب السياسية الفاعلة في جبهة المعارضة، والتي اعترضت على  المشاركة في المؤتمر والانخراط في المبادرة.

 واعتبرت حركة مجتمع السلم ، أكبر الأحزاب الاسلامية وأكبر كتلة معارضة في البرلمان، أنها غير معنية بالمبادرة، بسبب شكوك في أن تكون المبادرة ذات غايات مرتبطة باستحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة العام القادم 2024، ورفض "جيل جديد" المشاركة لنفس السبب، فيما أعلنت جبهة القوى الاشتراكية أنها بصدد تحضير مبادرة سياسية تستهدف إطلاق حوار وطني جدي، كما لم تشارك أحزاب أخرى، كحزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والاتحاد من أجل الرقي. 

يعتبر بعض المراقبون أن هذا المؤتمر السياسي، وبغض النظر عن عناوينه السياسية التي تمثل حالة توافق بين كل القوى الوطنية في الجزائر، في ما يتصل بالجبهة الداخلية وحماية سيادة البلد واستقلال قراره، وإسناد مؤسسات الدولة القائمة على المجهود السياسي والأمني، إلا أن الشكوك قائمة في أن تكون المبادرة ذات صلة بتمهيد مبكر للاستحقاق الرئاسي في غضون العام القادم، مردها تجارب سابقة شهدتها الجزائر قبل 2019، بشكل يعيد إلى الأذهان تجمعا استعراضياً مماثلاً، عقد في التاسع من فبراير/شباط 2019، عرف باسم تجمع "لاكوبول"(القاعة البيضاوية)، كان موجهاً لدعم ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، قبيل اندلاع الحراك الشعبي.

وقال المحلل السياسي جمال خديري إنه "يتعين على القوى السياسية القائمة على المبادرة الجديدة بذل جهد كبير لإبقاء المبادرة فضاءً للنقاش حول القضايا الوطنية، من دون أن تتحول نحو استنساخ تجربة لجان مساندة السلطة والرئيس التي شهدتها الجزائر قبل فترة الحراك الشعبي، وهذا يتوقف فعليا على مدى وكيفية إيجاد آليات عملية وخطوات لحماية المبادرة من ذلك، وضمان تحويلها إلى قوة اقتراح مساعدة في تعديل الخيارات والسياسات الوطنية، خاصة ذات الصلة بالشأن الاقتصادي وتحسين معيشة المواطنيين".

المساهمون