مباحثات معارضي الخارج والداخل السوري لإنقاذ هيئة التفاوض

10 نوفمبر 2021
فشلت اجتماعات اللجنة الدستورية الشهر الماضي في جنيف (محمد يوسف/الأناضول)
+ الخط -

تحاول المعارضة السورية لملمة شتات نفسها، تحديداً الكتل الوازنة في الداخل والخارج، الباحثة عن صيغ تضمن عدم انفجار هيئة التفاوض التي تضم أغلب التيارات السياسية، وتتولّى الإشراف على المباحثات مع النظام السوري برعاية الأمم المتحدة. وباشرت قيادة الائتلاف الوطني السوري المعارض في إسطنبول، أمس الثلاثاء، اجتماعات مع وفد من هيئة التنسيق الوطنية، التي يُنظر إليها باعتبارها تمثل معارضة الداخل في مناطق سيطرة النظام السوري لـ"بحث العملية السياسية وتقييمها والخيارات المتاحة". وذكرت مصادر إعلامية في الائتلاف أن الهدف من الاجتماعات هو "زيادة مستوى التعاون بين القوى السياسية والثورية السورية"، مشيرة إلى أن اجتماعات إسطنبول تأتي "ضمن برنامج الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في تكثيف اللقاءات مع القوى السياسية والاجتماعية والثورية السورية وتعزيزها، ومن مبدأ التشاركية والتشاور في مستجدات الأوضاع السياسية". ويرأس وفد "هيئة التنسيق الوطنية" رئيسه حسن عبد العظيم، وهو من أبرز وجوه المعارضة التقليدية في العاصمة السورية دمشق، بينما يرأس وفد الائتلاف رئيسه سالم المسلط، إلى جانب رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة، ورئيس اللجنة الدستورية المشترك هادي البحرة، وتضم المعارضة والنظام. وقالت نائبة رئيس الائتلاف الوطني ربى حبوش في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن الاجتماعات بين الجانبين "مستمرة".


المعارضة مضطرة للقيام بهذه الاجتماعات بفعل محدودية خياراتها

وتجمع هيئة المفاوضات الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية، إضافة إلى العديد من المنصات المعارضة ومستقلين. وكانت الهيئة تعرضت لـ"أزمة تمثيل" مطلع العام الحالي كادت أن تعصف بها، إذ اتهمت هيئة التنسيق الوطنية ومنصة موسكو ومنصة القاهرة، كلاً من الائتلاف، وكتلة العسكر، وكتلة المستقلين، بأداء دور "المعطل" في الهيئة. ووصل الخلاف بين مكونات هيئة التفاوض إلى الأمم المتحدة واللاعبين الإقليميين في الملف السوري. وأوضح القيادي في "هيئة التنسيق الوطنية" أحمد العسراوي في حديث مع "العربي الجديد" أن الهدف من مباحثات إسطنبول بين الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق هو "إعادة تفعيل دور هيئة التفاوض التابعة للمعارضة ضمن القاعدة المتفق عليها والمتسقة بين رؤية هيئة التنسيق والمعلن من موقف الائتلاف". وأشار إلى أن هناك "بعض النواحي التنظيمية التي لم يأخذها الائتلاف بعين الاعتبار، ما أدى إلى بروز قرارات معطلة في هيئة التفاوض"، مضيفاً: علينا تجاوز هذه الأمور بقلب مفتوح، علّنا نستطيع تفعيل دور هيئة التفاوض بشكل موضوعي.

من جانبه، ذكر المسلط في تغريدة له على "تويتر"، أمس، أن الائتلاف وهيئة التنسيق "في جانب واحد وتجمعنا الكثير من القواسم"، مضيفاً: نطمح إلى وحدة الرؤية والكلمة والجهود، ولدينا مسار سياسي ملتزمون به. ونحن حريصون على إنجاح هذه الاجتماعات والخروج برسالة موحدة للشعب السوري.

وتتباين الرؤى السياسية بين مكونات هيئة التفاوض التي أخذت هذا الشكل نتيجة ضغوط إقليمية ودولية كانت وراء دخول "منصة موسكو" إلى الهيئة، على الرغم من أن هذه المنصة تتماهى تماماً مع الرؤية الروسية للحل في سورية، القائم على بقاء بشار الأسد في السلطة، وهو ما ترفضه بقية مكونات الهيئة.

وحول دور هذه الاجتماعات، قلّل الباحث السياسي رضوان زيادة في حديث مع "العربي الجديد" من أهميتها، متسائلاً عن "الفائدة" من وراء ذلك: ما الذي يمكن أن تقدمه هيئة التنسيق، لا سيما وأنها عانت من التفكك والانشقاقات الكثيرة؟ وأبدى اعتقاده بأن على الائتلاف الوطني السوري التركيز أكثر "على الهيئات الثورية الجديدة في مناطق المعارضة في شمال البلاد، وعلى السوريين في دول اللجوء".


النظام غير معني بالحراك الأممي من أجل تجسير الهوة مع المعارضة

إلى ذلك، يبدو أن المعارضة السورية وجدت نفسها مضطرة للقيام بهذه الاجتماعات، خصوصاً أن الخيارات السياسية أمامها باتت ضيقة، إن لم تكن معدومة، في ظل رفض واضح ومعلن من النظام الانخراط في مفاوضات جادة من أجل تطبيق قرارات دولية، وضعت خريطة طريق للحل في سورية، تحديداً القرار 2254. وأظهرت الجولة الأخيرة من مباحثات اللجنة الدستورية الشهر الماضي، أن النظام غير معني على الإطلاق بالحراك الأممي من أجل تجسير الهوة بينه وبين المعارضة، ما يمهّد الطريق أمام حلول ناجعة للقضية السورية. مع العلم أن المعارضة تخلّت عن تراتبية القرار الدولي ودخلت في مفاوضات على كتابة دستور جديد للبلاد قبل إنجاز الانتقال السياسي، إلا أن النظام لا يعترف بالقرارات الدولية ويتخذ من جولات التفاوض في جنيف السويسرية وسيلة لشراء الوقت لتغيير المعادلات الميدانية لصالحه.

ويضمّ وفد المعارضة السورية إلى مباحثات اللجنة الدستورية في جنيف ممثلين عن مكونات هيئة التفاوض، التي تبدو في حال غير مرض للشارع السوري المعارض، الذي لا يرى جدوى من الاستمرار في الذهاب إلى جولات تفاوض من دون نتائج. وكانت هيئة التنسيق الوطنية قد ظهرت في المشهد السوري المعارض في الداخل السوري في منتصف عام 2011، في خضم الحراك الثوري السلمي، وضمّت عدداً من أحزاب اليسار السوري وحزب العمل الشيوعي وحزب الاتحاد الاشتراكي، وأربعة أحزاب كردية.

وفقدت الهيئة خلال سنوات الثورة الكثير من زخمها السياسي، بسبب انسحاب شخصيات وتيّارات مؤسسة لها لاختلاف في الرؤى حيال الأوضاع في البلاد. ويُنظر إلى "التنسيق الوطنية" على أنها تنتمي إلى "المعارضة الناعمة"، وتتخذ من روسيا غطاءً سياسياً وأمنياً في مناطق سيطرة النظام، وهو ما يقلل من مصداقيتها في الشارع السوري المعارض، لأن النظام لا يقبل بأي معارضة لها حضور في الشارع السوري. في المقابل، يعتبر الائتلاف الوطني السوري الذي تأسس في العاصمة القطرية الدوحة أواخر عام 2012 نفسه العنوان السياسي لقوى الثورة والمعارضة السورية، إلا أنه فقد بدوره الكثير من بريقه السياسي، بسبب أداء سياسي "باهت" في السنوات الأخيرة، رغم تمسكه بالمبادئ الأساسية للثورة السورية.

المساهمون