تواصل السلطات المصرية قضم أراضي محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، وضمّها لمصلحة القوات المسلحة المصرية. وبرز ذلك مع إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارات متتالية في السنوات الماضية، بتخصيص أراضٍ مملوكة للدولة المصرية، أو حتى المصنّفة أملاكاً خاصة، لمصلحة وزارة الدفاع واستخدامات الجيش، وتسريع الحكومة المصرية تنفيذ القرارات. ودفع هذا إلى طرح تساؤلات حول أسباب تخصيص كل هذه المساحات الشاسعة لصالح الجيش، في حين أن الأخير يعتبر كل أرض شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة، حتى وصل الأمر إلى تهجير عشرات آلاف المصريين من بيوتهم.
ووافق مجلس الوزراء المصري، قبل أسبوع، على قرار السيسي إعادة تخصيص قطعتي أرض من المساحات المملوكة للدولة، كملكية خاصة، في منطقتي رابعة وبئر العبد في وسط سيناء وشمالها، وذلك بإجمالي مساحة يبلغ 89 ألفاً و960.55 فداناً، لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش. واعتبر القرار أن الغرض من ذلك هو استخدام المنطقتين في أنشطة الاستصلاح والاستزراع، وذلك نقلاً من الأراضي المخصصة للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية. مع العلم أن المنطقة المذكورة تقع ضمن مناطق السيطرة المطلقة للجيش المصري، وشهدت صراعاً مسلحاً استمر لأسابيع طويلة بين قوات الجيش وتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، المنتشر في الظهير الصحراوي لمدن شمال سيناء، ومنها بئر العبد.
70% من المساحة الزراعية في شمال سيناء بيد الجيش
وحول عملية التخصيص وسبل الاستفادة منها، كشف مصدر حكومي مطلع في شمال سيناء في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن المساحة التي تصلح للزراعة في شمال سيناء تبلغ نحو 500 ألف فدان، تقع أكثر من 70 في المائة منها تحت سيطرة قوات الجيش المصري. وأضاف: "نصف مدينة رفح مصنّف مناطق زراعية. وجرت إزالة الأشجار منها بشكل تام، وكذلك أطراف مدينة الشيخ زويد، وجنوب مدينة العريش، وجنوب مدينة بئر العبد". وكشف المصدر الذي فضّل عدم نشر اسمه عن انتشار آلاف الفدادين الزراعية في مناطق متفرقة من المحافظة، سيطر الجيش على أجزاء واسعة منها، بعد اكتشاف زراعات مخدرة فيها. ولفت إلى أنه بالإضافة إلى المساحة الجديدة التي أضيفت بقرار من السيسي في المنطقة الزراعية في بئر العبد، يبقى ما مساحته 130 ألف فدان يزرعها المواطنون ومؤسسات أهلية وتعاونية، يقع جزء منها ضمن ملكية محافظة شمال سيناء. وأشار إلى أن هذه المساحة تمثّل تراجعاً في كمية الأرض المزروعة في شمال سيناء، مقارنة بالفترة بين عامي 2010 و2013.
وأكد المصدر الحكومي نفسه أن قرار تخصيص الأراضي في كل مرة بشمال سيناء، يتم من دون التنسيق مع الإدارات المختصة في المحافظة. في المقابل، تقوم الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة بتحديد الأرض وإحداثياتها ومساحتها، والتأكد من عدم وجود أملاك خاصة في النطاق المحدد، ومن ثم إرسالها لقيادة وزارة الدفاع بالقاهرة. بعد ذلك، يتم الدخول في إجراءات الحصول على قرار بتخصيص الأرض لاستخدامات الوزارة والقوات المسلحة بشكل مباشر، فيما يتم إبلاغ محافظة شمال سيناء بالخصوص بعد صدور القرارات وتأكيد مجلس الوزراء عليها، وذلك بهدف الاطلاع فقط، من دون القدرة على الاستئناف والمراجعة، على اعتبار أن قرار التخصيص قرار جمهوري مدموغ من رئيس الوزراء، ولصالح وزارة الدفاع.
وكان السيسي قد اتخذ قراراً جمهورياً يحمل رقم 233 لسنة 2016، بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق كيلومترين على جانبي 21 طريقاً في شمال سيناء لوزارة الدفاع، ما أشاع القلق لدى سكان المحافظة. وينصّ القرار الجمهوري على أنّ الطرق الـ21 تعتبر مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملّكها، وتشمل الطريق الدولي الرابط بين مدينتي رفح والعريش، مروراً بمدينة الشيخ زويد. وقرر المجلس التنفيذي لمحافظة شمال سيناء بعد سنوات من اتخاذ القرار البدء في تنفيذه بإزالة الأسوار كمرحلة أولى من جانبي الطريق، والمنازل والإنشاءات الأخرى كمرحلة ثانية، بالإضافة إلى صدور قرار جمهوري بنقل ملكية ميناء العريش لوزارة الدفاع، بالإضافة إلى مساحة كيلومترين في محيط مطار العريش لصالح الوزارة ذاتها.
تعمل القوات المصرية على طرد المواطنين من أراضيهم تحت حجج واهية
وحول عملية التخصيص، يقول باحث في شؤون سيناء في حديثٍ مع "العربي الجديد" إنه بات للسيسي تاريخ طويل في تخصيص الأراضي الجيدة في سيناء لصالح وزارة الدفاع، بحجة تنفيذ مشاريع لتنمية المنطقة، فيما تخصص الأرض للجيش. بالتالي لا يرى المواطن أي تنمية أو أي مشروع مفيد على أرض الواقع. كما تعمل القوات المصرية على طرد المواطنين من أراضيهم، تحت حجج واهية، وهذا ما تكرر في مدن المحافظة منذ عام 2013. وتسعى الدولة المصرية من خلال استخدام القانون للبحث وراء المباني والممتلكات التابعة للمواطنين في مدن المحافظة، وإجبارهم على توفير الأوراق التاريخية اللازمة لإثبات ملكيتهم لها. وأدى هذا القرار إلى موجة من الغضب والسخط في سيناء، لا سيما مدينة العريش التي تعد عاصمة للمحافظة، ويسكنها المواطنون منذ عشرات السنين، الذين واجهوا كل الظروف الأمنية الصعبة رغبةً في حماية البوابة الشرقية لمصر، إلا أن الدولة حالياً تكافئهم بمحاولة سحب الأراضي والمنازل منهم، بحجة عدم توافر الأوراق اللازمة لإثبات الملكية.
ويرى الباحث الذي فضل عدم نشر هويته، أن حجم الأراضي المخصصة لوزارة الدفاع المصرية، ونوعية تربتها، وموقعها الجغرافي، تدعونا للمزيد من الشكوك حول أسباب التخصيص، بعد دحض كذبة التنمية في سيناء، لأنها ما عادت تقنع أي مواطن في المنطقة. ويعتبر أن خلف مسلسل التخصيص أمراً مريباً قد تفهم تفاصيله لاحقاً، في ظل ما يحاك لهذه الأرض من مخططات دولية وإقليمية، لمسنا بعض الوقائع منها خلال السنوات الماضية. ويشرح الأمر بقوله: "تمّ صرف عشرات ملايين الجنيهات، بدعم محلي وخارجي، على إنشاء محطات تحلية المياه في شمال سيناء، ولا يزال أكثر من نصف السكان بلا خطوط مياه تصل إلى منازلهم. وتصل المياه إلى آلاف المواطنين وفق جدول معد مسبقاً، وليس على مدار الساعة كما الحال في بقية المحافظات المصرية، وهذا مثال مصغر على حديث التنمية المزعومة في سيناء".
يُشار إلى أنّ الجيش المصري نفّذ مشاريع عدة أدّت لتهجير آلاف السكان من سيناء على مدار السنوات الست الماضية، ومن ضمن هذه المشاريع، المنطقة العازلة في مدينة رفح على طول الحدود مع قطاع غزة، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2014. وتمدّدت المنطقة العازلة حتى أجهزت على كافة مناطق رفح، وباتت المدينة جزءاً من الماضي. من ثمّ اتجه الجيش إلى تهجير سكان قرى جنوب مدينة الشيخ زويد وشرقها، فيما أُعلن عن إنشاء حرم مطار العريش لإزالة عشرات المنازل والمصانع وجرف الأراضي الزراعية. وفي مرحلة لاحقة، أعلن الجيش عن إنشاء حرم ميناء العريش، الذي هجّر مئات السكان بعد تجريف منازلهم وشاليهاتهم على الطريق الساحلي، ليصبح جزء كبير من مدن محافظة شمال سيناء خالياً من السكان، ومناطق عسكرية تابعة للجيش المصري بشكل مباشر.