مآسي غزة لا تنسيها النكبة: لا خيار سوى المقاومة

15 مايو 2021
تتوارث الأجيال الفلسطينية ذكرى النكبة (الأناضول)
+ الخط -

يحكي الحاج أبو عناد الداعور لأحفاده عن بلدتهم هربيا التي هُجّر منها والده خلال نكبة الشعب الفلسطيني في عام 1948، ويبث فيهم الكثير من الأمل بالعودة إليها، على الرغم من كل ما يجري حولهم من اعتداءات إسرائيلية مستمرة على الفلسطينيين. وهربيا في قضاء غزة هُجّر سكانها بفعل جرائم العصابات الصهيونية في عام 1948، وتحدّ بيت لاهيا شمالي القطاع من جهة الجنوب. يقطن أبو عناد وأبناؤه وأحفاده اليوم في بيت لاهيا التي لا تبعد كثيراً عن بلدتهم الأصلية، وهو اليوم يتحدث عن أجيال جديدة من الفلسطينيين أشد بأساً وحباً لأرضهم في ظل ما يعايشونه من ممارسات إسرائيلية بحقهم. يقول أبو عناد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ أحفاده بعد أبنائه يستمعون منه لقصص عن بلدتهم والبلاد المجاورة لها، وهم متمسكون إلى أبعد حد بأرضهم ولديهم يقين على الرغم من كل ظروف القهر والعدوان، أنهم سيعودون لها في يوم قريب.

الشعب الفلسطيني يعيش النكبة بشكل يومي ويشاهدها

ولد أبو عناد عام 1956، وكان والداه يجمعان أبناءهما كما يفعل هو الآن، ويحكيان لهم عن هربيا وخيراتها التي ضاعت، ويبثان فيهم العزم على ألّا ينسوها ولا يفرطوا فيها، وهو كما يقول ينقل الأمانة للأجيال الجديدة. ويلفت أبو عناد إلى أنّ الاحتلال بعد 73 عاماً من النكبة "لم يستطع تدجين الشعب الفلسطيني، حتى أنّ الأجيال الجديدة في الداخل المحتل والقدس وغزة والضفة باتوا أكثر تمسكاً بأرضهم، ونحن نشاهدهم اليوم وقد حملوا راية الدفاع عن حقوقهم المسلوبة في انتفاضاتهم المتكررة ضد الاحتلال ومستوطنيه". وفي اعتقاده أنّ الاصطدام الإسرائيلي الحالي مع الشعب الفلسطيني كله بداية نهاية للاحتلال، فـ"الأجيال التي راهن الإسرائيليون على أن تنسى لم تنسَ، بل على العكس تماماً تتمسك بالأرض والدفاع عنها مهما كلفها من ثمن، ونحن نشاهد هذا الدفاع في كل مكان من فلسطين التاريخية اليوم"، كما يقول.

وفي غزة تغيب هذا العام الفعاليات الوطنية والشعبية والجماهيرية بذكرى النكبة في ظل العدوان المتواصل على القطاع وأهله، لكن مشاهد العدوان والدمار الذي تخلّفه الطائرات الحربية في بيوت المدنيين تذكّر الفلسطينيين جميعاً بما جرى مع أجدادهم. ويُذكّر العدوان الحالي في غزة الفلسطينيين بأنّ الاحتلال لا يجيد لغة السلام، وهو ليس مستعداً لدفع أي ثمن للهدوء، وأنّ المقاومة هي الحل الوحيد معه، وهذا الخطاب الفلسطيني يتجدد في ذكرى النكبة وتتجدد معه مآسي العائلات التي هُدمت بيوتها على رؤوس ساكنيها. لكن الهجرة والرحيل لم يعد خياراً للفلسطينيين المتمسكين بأرضهم، ولم يعد للاحتلال اليد الطولى في أنّ يمارس عدوانه وحروبه العسكرية والتهويدية من دون رد فلسطيني، ويحاول الفلسطينيون اليوم أكثر من أي وقت مضى تذكير العالم بمأساة تهجيرهم الأولى، على الرغم من الصمت الدولي وحتى التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويقول رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، رامي عبده، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنّ إسرائيل لا تتوقف عن تذكير الشعب الفلسطيني بالنكبة التي حلت به، وتواصل إجراءات مشابهة لما مارسته خلال تهجير الفلسطينيين في عام 1948 عبر استراتيجيات طويلة المدى. وهذه الاستراتيجيات تتضمن قضم الأراضي وتهويد القدس وتهجير الفلسطينيين، واتّباع سياسات فصل عنصري وعزل الفلسطينيين في كانتونات". ويضيف عبده أن إسرائيل تمارس التهجير بحق السكان العرب في الأراضي المحتلة عام 1948، عبر طيف من الممارسات العنصرية الواسعة والتي تغلفها بقوانين وإجراءات تستهدف بشكل أساسي التمييز على أساس عرقي ضد السكان العرب بما يدفعهم لترك البلاد.

الاحتلال لا يجيد لغة السلام، وهو ليس مستعداً لدفع أي ثمن للهدوء

ويشير إلى أنّ النكبة اليوم تتجسد في عنف بنيوي مُركب تمارسه الجهات الرسمية الإسرائيلية بالتعاون مع المستعمرين والمستوطنين الذين يتواجدون في الضفة الغربية والداخل المحتل، وبالتالي الشعب الفلسطيني يعيش النكبة بشكل يومي ويشاهدها ويتذكرها. وتشعل الممارسات الإسرائيلية، وفق عبده، ذاكرة الفلسطينيين والعالم كيف قام الاحتلال بتهجير الشعب الفلسطيني، ولعل المشاهد التي خرجت من حي الشيخ جراح خلال الأسابيع الماضية جزء من هذا المنهج. ويضيف أنه في غزة التي تتعرض للعدوان الواسع، فإن صمت المجتمع الدولي وغياب الموقف الحاسم من الاتحاد الأوروبي تجاه تحقيق العدالة الدولية يساهم في تصعيد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين بلا رادع.

المساهمون