ليبيا: مخاوف من تعقّد المسار الدستوري مع مواصلة البرلمان مداولاته بشأن قانون الانتخابات
لا يزال مجلس النواب الليبي يواصل جلساته التي بدأت، الإثنين الماضي، لمناقشة مشروع قانون الانتخابات، دون أن يتوصل إلى توافق بشأنه، في وقت عبّر مراقبون عن مخاوفهم من زيادة تعقّد المسار الدستوري إذا استمر مجلس النواب في إرباك المشهد من خلال خلط قانون الانتخابات بالقاعدة الدستورية.
ويناقش مشروع القانون المطروح أمام النواب الانتخابات الرئاسية بالاستناد إلى قرار مجلس النواب رقم 4 لسنة 2014، والذي ينص على انتخاب رئيس للدولة بشكل مباشر من الشعب، بالإضافة لمقترح مقدم من المفوضية العليا للانتخابات بشأن إعادة توزيع الدوائر الانتخابية في البلاد وزيادة عددها من 13 إلى 32 دائرة، دون أن يناقش الانتخابات البرلمانية المفترض أن تُجرى بقوانين الانتخابات البرلمانية السابقة التي تمت وفقها الانتخابات البرلمانية عامي 2012 و2014.
وفيما لم يتوافق النواب، خلال جلسة الإثنين، على بند شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة، ذهبت رئاسة المجلس إلى طرح قضية التزكيات، التي يتوجب على المترشح للمنصب نيلها، للمناقشة، خلال جلسة أمس الثلاثاء، دون أن يتوافق حولها النواب أيضاً.
وينتظر أن ينتهي النواب من مناقشة كامل بنود مشروع قانون الانتخابات، الذي لم يعلن عن شكله حتى الآن، قبل صياغته وفق الملاحظات التي سيبديها النواب حوله وطرحه على التصويت، لكن الخبير القانوني الليبي أحمد العاقل، المتابع لجلسات المجلس، يشير إلى "عدم دستورية المسار بكامله"، ويحذر من زيادة عمق الأزمة حوله، في حال استمرار مجلس النواب في التعاطي مع العملية الانتخابية بهذه الطريقة.
ويؤكد العاقل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ رئاسة مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح "تمارس مخالفة دستورية كبيرة من خلال استباق التوافق على القاعدة الدستورية، ومحاولة إنشاء قانون للانتخابات"، موضحاً أنّ مجلس النواب "يحاول استباق أي توافق محتمل على القاعدة الدستورية بفرض قانون انتخابات يحدد طريقة انتخاب رئيس الدولة وتوزيع الدوائر الانتخابية".
المخالفة الدستورية تكمن في محاولة إصدار قانون الانتخابات قبل القاعدة، علاوة على تفرد مجلس النواب بتحديده وإقراره
ويتساءل العاقل، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن شكل الدولة في الانتخابات المقبلة؛ هل سيكون برلمانياً أم رئاسياً أم مختلطاً؟ مجيباً بأنّ من سيوضح ذلك هو الدستور، وقال: "كون الدستور لا يزال محلاً للخلاف ولم يطرح للاستفتاء، لجأت البعثة الأممية إلى دعوة ملتقى الحوار للتوافق على قاعدة دستورية مؤقتة توضح قواعد وأسس شكل الدولة والمبادئ الحاكمة وصلاحيات ومهام السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والرئاسية، لكن مجلس النواب قفز على هذه المرحلة وحاول خلط كل هذا في قانون الانتخابات".
وبمزيد من التوضيح قال: "قانون الانتخابات يعني كيف ستُجرى الانتخابات، وهو من مهام مجلس النواب بالتشارك مع مجلس الدولة ويجب أن يتوافقا عليه بناء على نصوص الاتفاق السياسي، لذا فالمخالفة كبيرة بمحاولة إصدار قانون الانتخابات قبل القاعدة، علاوة على تفرد مجلس النواب بتحديده وإقراره".
وحذر عضو المجلس الأعلى للدولة عبد القادر حويلي، وهو عضو ملتقى الحوار السياسي أيضاً، من نتائج "تفرد" مجلس النواب بتحديد شكل قانون الانتخابات وإقراره وإهمال شركائه في المشهد السياسي في ليبيا، كما حذر من اضطرار مجلس الدولة للّجوء إلى القضاء للطعن في دستورية إقرار مجلس النواب منفرداً لقانون الانتخابات.
ويلفت حويلي، خلال حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الوضع السياسي الحالي شكّله الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015، مشيراً إلى أنّ الاتفاق السياسي هو الذي شرعن مجلس النواب في المشهد، وقال: "تجاوز مجلس النواب لنصوص الاتفاق السياسي وإصراره على أنه منتخب من الشعب، واستناده إلى الإعلان الدستوري الصادر في عام 2011، تعني أنّ قراراته الحالية والسابقة هي والعدم سواء، لأن مجلس النواب انتهت مدته بنص الإعلان الدستوري وعاد كجسم تشريعي بالاتفاق السياسي".
وأكد حويلي أن تجاوز مجلس النواب لمرحلة التوافق على القاعدة الدستورية إلى مرحلة إقرار قانون الانتخابات هو "محاولة للخلط بينهما"، لذا يرى أنّ "المسار الصحيح هو توافق المجلسين على قاعدة دستورية بعد فشل ملتقى الحوار السياسي في إنجازها، ومن ثم مناقشة قانون الانتخابات الذي تنحصر حدوده في كيفية إجراء الانتخابات"، لافتاً إلى أنّ المجلس الأعلى للدولة دعا مجلس النواب لاستئناف المسار الدستوري الذي بدأت جلساته في مدينة الغردقة المصرية وكان آخرها في فبراير/شباط الماضي.
إذا تشكلت القاعدة وجرى التوافق حولها بأي شكل ولو بضغط دولي، فعندها يصعب على أي طرف في البلاد تجاوز قانون الانتخابات بشكله الحالي الذي يخدم شخصيات معينة في المشهد
وأمس الثلاثاء، أعلنت البعثة الأممية أنّ لجنة التوافقات المنبثقة بملتقى الحوار السياسي اختتمت جلساتها الافتراضية الهادفة للتوصل إلى مقترح واحد للقاعدة الدستورية للانتخابات، مساء الإثنين، دون أن تتوصل إلى حل توافقي.
وفيما لم توضح البعثة الأممية ما إذا كانت ستدعو ملتقى الحوار إلى جلسة جديدة أم لا، يرى العاقل أنّ "البعثة قد تدعو الملتقى لذلك في محاولة لتثبيت استمرار وجودها وللتعمية على قيادتها الضعيفة للعملية السياسية أخيراً"، مشيراً إلى أنّ مجلس الأمن سينظر في تجديد ولايتها لفترة أخرى خلال جلسة له في سبتمبر/أيلول المقبل.
وعن إمكانية لجوء المجلس الأعلى للدولة إلى المحكمة العليا للبتّ في مخالفات مجلس النواب للاتفاق السياسي وتفرده بإقرار قانون للانتخابات، اعتبر العاقل أنّ هذا "سيعقد المشهد أكثر وربما ينسف العملية السياسية كلها، وفي أحسن الأحوال سيجعل الوضع السياسي في حالة مراوحة".
ويرى العاقل أنّ الخطوة الصحيحة في هذا الاتجاه "هي ضغط المجلس الأعلى للدولة لوقف محاولة مجلس النواب إقرار قانون الانتخابات الرئاسية"، وقال: "إذا ما تشكلت القاعدة وجرى التوافق حولها بأي شكل ولو بضغط دولي، فعندها يصعب على أي طرف في البلاد تجاوز قانون الانتخابات بشكله الحالي الذي يخدم شخصيات معينة في المشهد ويسمح لها بالمرور إلى المرحلة اللاحقة دون أي شروط أو قيود"، معتبراً أنّ إحدى نقاط قوة مجلس النواب "هي غياب الحراك الشعبي والمدني الذي يعتبر أهم ضاغط لتصحيح المسار".