عاد الملف العسكري إلى دائرة التجاذبات والمواقف المختلفة، كأحد تأثيرات الصراع المستمر بين مختلف الأطراف، لا سيما عقب مطالبة اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 للسلطات بتجميد الاتفاقات العسكرية ومذكرات التفاهم مع الدول الأخرى، ما حدا بالمجلس الأعلى للدولة إلى مطالبتها بالتقيّد باختصاصاتها وعدم حديثها في الشأن السياسي.
وبعد إعلان اللجنة العسكرية عن مخاطبتها للمجلس الرئاسي والحكومة، بـ"تجميد" الاتفاقيات العسكرية ومذكرات التفاهم "لأي دولة كانت"، طالبها المجلس الأعلى للدولة بالتقيد باختصاصها، وعدم الحديث في الشأن السياسي، مؤكداً أن الاتفاقيات الدولية محفوظة بنصوص خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي.
وأكد المجلس الأعلى، في بيان له ليل أمس، أن "الاتفاقيات الأمنية والحدودية التي أبرمتها حكومة الوفاق الوطني كانت تعبيراً عن إرادة الدولة الليبية؛ ومن السلطة الشرعية صاحبة الاختصاص الأصيل، كما أنها محصنة من المساس بها، وفق مخرجات الحوار السياسي"، مشيراً إلى بقائها سارية إلى حين انتخاب سلطة تنفيذية وتشريعية جديدة.
وشدد بيان المجلس على التزام أعضاء اللجنة العسكرية بما "تم تكليفهم به من اختصاصات، حتى لا تعتبر أداة لطرف سياسي تاركة مسؤوليتها".
وفي سياق القرارات والإجراءات العسكرية، أعلن المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، أمس الأحد، عن إنشاء منطقة عسكرية جديدة تحت اسم "المنطقة العسكرية الساحل الغربي"، وتعيين وزير الدفاع السابق لحكومة الوفاق، صلاح النمروش، آمراً لها بعد ترقيته إلى رتبة لواء. وقبل يومين، أُعلن عن ترقية الضابط محمد إبراهيم سالم موسى إلى رتبة لواء وتعيينه آمراً للمنطقة العسكرية الوسطى.
كما أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بصفته وزيراً للدفاع، أمس الأحد، عن ثلاث ترقيات استثنائية إلى رتبة لواء لثلاثة عمداء في الجيش، من دون تعيينهم في مناصب عسكرية مهمة.
وبالتزامن مع قراراته وترقياته، زار عضوا المجلس الرئاسي، موسى الكوني وعبد الله اللافي، مقر "قوة مكافحة الإرهاب"، التي تشكلت عام 2016 من عناصر عملية البنيان المرصوص، إثر طردهم لمقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي من مدينة سرت عام 2016، وحضرا عرضا عسكريا.
وأكد الكوني، خلاله كلمته في الاستعراض العسكري لقوة مكافحة الإرهاب، على تبعية القوة لـ"المؤسسة العسكرية"، وأن الليبيين بـ"حاجة إلى هيبة الجندي النظامي لاستعادة المواطن الثقة في جيشه"، معبراً عن رغبة المجلس الرئاسي في أن تتواجد هذه القوة "قريباً في كل المناطق الحدودية لحماية السيادة الليبية من العبث والاختراقات".
من جهته، أكد اللافي، في كلمته في ذات المناسبة، على استعداد المجلس الرئاسي لدعم القوة "بكل الإمكانيات، حتى تتمكن من تنفيذ المهام الموكلة إليها بكل احترافية في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه"، مؤكداً على عزم المجلس، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، افتتاح فروع لها في كل المناطق "حتى تكون الحصن المنيع لكل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن".
ووفق قراءة الخبير الأمني الليبي الصيد عبد الحفيظ، فإن كل هذه القرارات والتحركات تعكس عودة حالة الخلاف في الملف العسكري، بعد أن قفز بها خطاب اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى الواجهة، بعد أن رفض خضوع قواته لأي سلطة.
وكان حفتر قد أعلن، في خطاب له الاثنين الماضي، عن رفضه خضوع قواته "لأي سلطة"، معلناً عن جملة من الترقيات العسكرية والتعيينات لقيادات جديدة داخل قواته، في تجاوز واضح لاختصاصات المجلس الرئاسي وصفته، كونه القائد الأعلى للجيش الليبي، بحسب نصوص خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي.
ويرى عبد الحفيظ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الترقيات وإنشاء المناطق العسكرية من جانب المجلس الرئاسي والحكومة جاءت في سياق الرد على إجراءات وقرارات حفتر العسكرية المشابهة التي أعلن عنها مؤخرا.
ويلفت عبد الحفيظ إلى ملاحظتين، يرى أنهما تشيران إلى خطورة كبيرة على الملف العسكري، أولاهما غياب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي عن تحركات المجلس الرئاسي وقراراته الأخيرة، مشيراً إلى أنه فضل الذهاب في زيارة إلى مدينة طبرق، مسقط رأسه، للقاء مسؤوليها وشيوخ القبائل فيها.
وحسب عبد الحفيظ، فإن الملاحظة الثانية تتمثل في خروج لجنة 5+5 عن مهمتها الأصلية، وهي تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وقال إن "مطلبها بتجميد الاتفاقات العسكرية ومذكرات التفاهم"، مرجحاً أن تكون هذه المطالب لم تصدر بالتوافق بين أعضاء اللجنة.
ويرى عبد الحفيظ أن قرارات اللجنة بشأن الاتفاقات العسكرية وبدء عملها على خطة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية "قضايا مرتهنة لتفاهمات خارجية"، مضيفاً "كان من الأولى باللجنة العسكرية بعد أن نجحت في فتح الطريق الساحلي البدء في الخطوة التالية، وهي نقل قوات الطرفين إلى مواقع بعيدة، كما ينص اتفاق وقف إطلاق النار، لا القفز عليها إلى قضايا أخرى كالاتفاقات العسكرية وإخراج القوات الأجنبية".
ويعبر الباحث الليبي في الشأن السياسي، خميس الرابطي، من جانبه، عن خشيته من الاتجاه العكسي الذي يسير فيه الملف العسكري، وقال "بدلاً من الاتجاه إلى توحيد المؤسسة العسكرية، نرى أن هناك اتجاها للتصعيد فيه وظهور الخلافات بشكل واضح".
ويؤكد الرابطي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلك الخلافات لن ترقى إلى مستوى الصدام العسكري مجدداً، وقال إن "تعمق الخلافات يعني عرقلة المفاوضات الجارية بين تركيا وروسيا لإخراج قواتهما، ومن الممكن فشلها في حال تزايدت الخلافات"، والأكثر خطورة، بحسب الرابطي، هو التأثير المباشر على المسار الانتخابي الذي يسير نحو انسدادات أكبر.
ويستعد مجلس النواب، اليوم الاثنين، لاستئناف جلساته المخصصة لمناقشة مشروع ميزانية الحكومة وقانون الانتخابات، التي تأجلت إلى اليوم بسبب وفاة عضو المجلس فرج بوهاشم، المتحدث الرسمي السابق للمجلس، أمس الأحد.