لقيت مذكرات التعاون النفطي بين حكومة الوحدة الوطنية وتركيا، أمس الإثنين، معارضة وجدلاً ليبيين وإقليميين، فيما حاول مسؤولون ليبيون تقديم توضيح بشأنها، ونفي علاقتها بالاتفاق الليبي التركي الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الذي أثار آنذاك جدلاً واسعاً.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، على رأس الوفد الذي وصل إلى طرابلس الإثنين، وضم وزراء الدفاع والطاقة والتجارة، إضافة لرؤساء الأركان، ودائرة الاتصال بالرئاسة التركية، وكبير مستشاري الرئيس أردوغان. وكانت وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، في استقبالهم.
وأثناء توجه الوفد لديوان رئاسة الوزراء ومقابلة رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، عُقد اجتماع موسع حضره أيضا وزراء: الخارجية، والنفط المكلف، والاقتصاد، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس الأركان، ووزراء الدولة بحكومة الوحدة الوطنية.
وذكرت حكومة الوحدة أن الاجتماع تناول "تحضيرات عقد المجلس الاستراتيجي الليبي التركي الأعلى في طرابلس، ومنتدى الشراكة الليبي التركي الذي سيمثل انطلاقة لعدد من المشروعات الاستراتيجية المهمة".
وعقب الاجتماع، عقد وزيرا الخارجية مؤتمراً صحافياً، أعلنا خلاله عن توقيع مذكرات تفاهم في مجالات التدريب الأمني والطاقة النفطية والغاز، اعتبرتها المنقوش "تصب في مصلحة الطرفين، وتساهم في حل أزمة الطاقة العالمية"، فيما أكد نظيرها التركي أن المذكرتين الموقعتين "شأن يخص البلدين، وليس لأي دولة الحق في التدخل"، لافتاً إلى أن بلاده "لا تعاني أي نقص في الطاقة"، ومتوقعاً أن "يزيد التبادل التجاري بين ليبيا وتركيا إلى 4 مليارات دولار".
ولم يتوقف توقيع مذكرات التفاهم على الجانب النفطي فقط، بل في المجالات العسكرية والاتصال، فقد عُقد خلال الزيارة لقاء ثنائي جمع الدبيبة، بصفته وزيراً للدفاع بحكومته، بنظيره خلوصي آكار، ناقشا خلاله التعاون العسكري، وعدداً من البرامج التدريبية للجيش الليبي، فضلاً عن توفير مجموعة من التجهيزات المتطورة لعدد من الأركان العامة بالجيش.
وجمع الوفد التركي لقاء آخر بوزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية الليبي، وليد اللافي، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية، فخر الدين ألتون، وقع الطرفان خلاله مذكرة تفاهم حول الاتصال الحكومي، وتبادل المعارف والخبرات.
وعلى هامش الزيارة، وفي لقاءين منفصلين اجتمع الوفد التركي مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، وناقش معهما "دفع العملية السياسية في ليبيا من خلال انتخابات برلمانية ورئاسية، والتأكيد على وحدة التراب الليبي، لتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد"، بحسب مكتب الإعلام للمجلس الرئاسي.
بيانات استنكار
وبالتزامن، صدرت من شرق البلاد بيانات رسمية تستنكر قيام حكومة الدبيبة بتوقيع مذكرات التفاهم، قوامها الطعن في شرعية الحكومة، بداية من اعتراض رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي أكد أن أي اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يجري إبرامها من قبل الدبيبة "مرفوضة وغير قانونية وغير ملزمة لدولة ليبيا والشعب الليبي"، مرجعاً ذلك لـ"انتهاء ولاية الحكومة قانوناً منذ 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وانعدام أي إجراء تتخذه".
وأضاف صالح أن توقيع الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم الدولية "يجري من خلال رئيس الدولة أو البرلمان"، مشدداً على أن التعامل مع الحكومة في ليبيا "يكون عبر الحكومة الشرعية التي نالت ثقة البرلمان وهي حكومة فتحي باشاغا".
من جهته، أعلن باشاغا، الموجود وقتها في بنغازي، على رأس اجتماع لحكومته، رفض توقيع حكومة الدبيبة للاتفاقيات، وقال في بيان: "الاتفاقيات هي حق أصيل لسلطة منتخبة من الشعب الليبي بشكل مباشر وتعبر عن إرادته وسيادة قراره فوق أرضه"، مذكراً الدبيبة بخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي التي تنص ضمن موادها على "عدم نظر السلطة التنفيذية خلال المرحلة التمهيدية في أي اتفاقيات أو قرارات جديدة أو سابقة بما يضر باستقرار العلاقات الخارجية للدولة الليبية، أو يلقي عليها التزامات طويلة الأمد".
وأكد باشاغا أن حكومته "ستبدأ في التشاور المباشر مع الشركاء الوطنيين، والإقليميين والدوليين، للرد بالشكل المناسب".
ومع رفضهما توقيع حكومة الدبيبة على المذكرة، لم يرد ضمن بياني صالح وباشاغا أي اعتراض على وجود الجانب التركي في طرابلس لتوقيع الاتفاقيات مع حكومة الدبيبة.
ولم يصدر مجلس الدولة أي تعليق رسمي، لكن 73 عضواً من أعضائه أعلنوا عن رفضهم توقيع حكومة الدبيبة مذكرة التفاهم النفطية مع الجانب التركي، معتبرين أن "توقيع مثل هذه المذكرات الغامضة البنود والأهداف في مثل هذا التوقيت والظرف السياسي المنقسم يمثل محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع".
وعبّر الأعضاء، في بيان مشترك صدر في وقت متأخر أمس، عن رفضهم ما وصفوه بـ"الانتهازية السياسية من الأشقاء الأتراك"، وأن مثل هذه السياسة قد تضع تركيا "في مواجهة المصالح الوطنية الكبرى لليبيا، وكل المحاولات الوطنية الجادة للتوافق بين الليبيين نحو استعادة الدولة وقرارها الوطني".
وإزاء هذين الجدل والاعتراض، نشر الناطق باسم حكومة الدبيبة، محمد حمودة، توضيحاً، عبر صفحته على فيسبوك، أفاد فيه بأن مذكرة التفاهم الموقعة تخص الطاقة الهيدروكربونية، وتنص على تعزيز التعاون بين البلدين في الجوانب العملية والفنية والتقنية والقانونية والتجارية في مجال الهيدروكربونات.
وأوضح حمودة أن المذكرة تنص على "تعاون الطرفين بناء على قوانينهما المحلية لتحقيق أهداف المذكرة، عن طريق تبادل المعلومات والخبرات، وعقد المؤتمرات والندوات المشتركة والمعارض، وزيادة التعاون بين القطاعين العام والخاص، وكذلك تطوير المشاريع المتعلقة بالاستكشاف والإنتاج والنقل والتنقيب، وتجارة النفط والغاز والهيدروكربون، وفق الإجراءات والقوانين المتبعة في ليبيا".
وأضاف أن المذكرة تنص أيضاً على "تبادل الخبرات والتدريب، وضرورة ضمان المصالح المشتركة، والجدوى من عمليات الاستكشاف والتطوير، وزيادة الإنتاج للبلدين، وتأسيس شركات مشتركة بين المؤسسة الليبية للنفط والمؤسسة التركية، ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص".
بدوره، أوضح وزير الاقتصاد، محمد الحويج، الذي وقع المذكرة مع الجانب التركي بالنيابة عن وزير النفط والغاز، محمد عون، في وقت متأخر من ليل البارحة، أن ما وقعه "مذكرة تفاهم بين البلدين، وليس اتفاقية"، مؤكداً أن الاتفاقيات تحتاج لإجراءات تشريعية تمر عبر مجلس النواب.
وفي كلمة متلفزة، ليل أمس، قال الحويج: "المذكرة في مصلحة ليبيا، ولم نتنازل فيها عن أرض ولا بحر كما يشاع"، مستغرباً من فهم الأمر بشكل خاطئ، ومطالباً بإبعاد الصراعات السياسية عن هذه الشؤون.
وتابع: "هي مذكرة تفاهم عادية تبين كيفية استثمار الشركات التركية في ليبيا، أسوة بالشركات المصرية والأوروبية والأميركية، ويمكن إلغاء المذكرة من الطرفين خلال 3 أشهر"، مضيفاً: "موقع ليبيا مهم، ويجب عليها الاستثمار في الطاقة، خاصة في ظل الحرب الأوكرانية".
اعتراض مصري يوناني
وفي أول رد إقليمي على مذكرة التفاهم، أعلنت مصر واليونان عن اعتراضهما.
وخلال مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية البلدين أمس، أكدا أن حكومة الدبيبة "منتهية الولاية، ولا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم"، وفق ما أوردته الخارجية المصرية.
أوروبياً، طالب الاتحاد الأوروبي بالمزيد من التوضيحات من الجانبين الليبي والتركي حول الاتفاق الموقع بينهما في المجال النفطي، ورغم تأكيد المنقوش، خلال مؤتمرها الصحافي المشترك مع نظيرها التركي، أمس، أن الاتفاق الموقع بين البلدين في مجال النفط والغاز، ولا علاقة له بـ"الاتفاقية البحرية الموقعة سابقاً مع تركيا، فهي تحتاج تفعيلاً من الأمم المتحدة".
وأكدت أن الاتفاقية البحرية "لم نناقشها اليوم مع الجانب التركي"، إلا أن بيتر ستانو، المتحدث باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أشار إلى أن الاتفاقية الليبية التركية "تتعارض مع قانون البحار وتنتهك حقوق الدول الأخرى" في إشارة ربما لعلاقة ما تربط الاتفاق التركي الليبي الجديد والاتفاق البحري الموقع بينهما في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ولقي جدلاً ومعارضة أوروبيين وإقليميين واسعين آنذاك.
وأكد ستانو أن الاتحاد الأوروبي "أحيط علماً بالتقارير التي تشير إلى أن تركيا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية وقعتا اتفاقية بشأن الهيدروكربونات، على أساس مذكرة التفاهم التركية الليبية لعام 2019 بشأن تحديد مناطق الاختصاص البحري في البحر الأبيض المتوسط".
ولفت ستانو إلى أن موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الاتفاق الليبي التركي السابق لم يتغير، مذكراً بأن الموقف بشأنها يستند إلى أنها "تنتهك الحقوق السيادية للدول الأخرى، ولا تمتثل لقانون البحار". وطالب ستانو الجانبين الليبي والتركي بعدم الإعلان عن أي اتفاقيات جديدة، إلا بعد تقديم مزيد من التوضيحات بشأنها للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
تركيا: لا تهمنا تصريحات اليونان وأوروبا
أكد الناطق باسم وزارة الخارجية التركية طانجو بيلغيتش، عدم أهمية التصريحات الصادرة من اليونان والاتحاد الأوروبي بحق مذكرة التفاهم في مجال الموارد الهيدروكربونية بين تركيا وليبيا، بالنسبة لأنقرة.
وأوضح بيلغيتش، في بيان، الثلاثاء، أن الاعتراض على هذا الاتفاق المبرم بين دولتين تتمتعان بالسيادة، يتعارض مع القانون الدولي والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة. وأضاف أن "جهود اليونان التي تحاول اغتصاب الحقوق المشروعة لتركيا وليبيا أيضاً، من خلال المطالبة بمناطق بحرية مرخصة، لن تسفر عن أي نتائج".
ولفت إلى أن "دعم الاتحاد الأوروبي للمطالب المتطرفة لليونان وموقفه الذي يتجنب الحوار الصادق ويعيق سبل اللجوء إلى القضاء الدولي، يتعارض مع قوانينه الخاصة والقانون الدولي".
ودعا بيلغيتش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى عدم تجاوز حدودها وصلاحياتها، واحترام السيادة والمساواة بين الدول، وفقاً للقانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة.
وأمس أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، عن توقيع مذكرة تفاهم بين بلاده وليبيا في مجال الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي).