جولة ثانية من المقرّر أن يبدأها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، غداً الثلاثاء، يطوف معها على الكتل السياسية في لبنان في إطار جهود فرنسية لمساعدة اللبنانيين على الخروج من أزمتهم وإنهاء الشغور الرئاسي المستمرّ، منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد زيارة أولى له (21 إلى 24 يونيو/حزيران الفائت) وصفت بالاستطلاعية.
وأعلنت السفارة الفرنسية في لبنان، في بيان اليوم الاثنين، أن زيارة لودريان ستستمرّ يومين (من 25 يوليو/تموز الجاري إلى 27 منه)، وهذه "الرحلة الثانية هي جزءٌ من مهمته في التيسير والمساعي الحميدة، بهدف أن يقوم جميع أصحاب المصلحة المعنيين بتهيئة الظروف المواتية لبروز حلّ توافقي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي خطوة أساسية في إعادة تنشيط المؤسسات الدستورية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل للشروع في طريق الانتعاش".
#Liban | @JY_LeDrian, représentant personnel du Président de la République pour le Liban, effectuera un deuxième déplacement au Liban du 25 au 27 juillet prochains.
— France Diplomatie🇫🇷🇪🇺 (@francediplo) July 24, 2023
➡️ https://t.co/JO0GCC1MxL pic.twitter.com/gnBgwiuGCV
وتستبعد أكثرية القوى السياسية في لبنان أن تحدث زيارة لودريان تغييراً في المشهد، في ظلِّ تمسّك الكتل النيابية بمواقفها عالية السقف سياسياً، ولا سيما على ضفّة "حزب الله" وفريقه السياسي، الرافض حتى اللحظة البحث في أي مرشح للرئاسة سوى مرشحه، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، بينما تعدّ القوى المعارضة له أكثر ليونة من ناحية "التخلّي" عن دعم ترشيح وزير المال السابق جهاد أزعور، وفتح الباب أمام التوافق على شخصية تتمتع بمواصفات سيادية وطنية إصلاحية.
وقبل أن يصل لودريان إلى بيروت، طويت صفحة الحوار الذي كان ينوي الدعوة إليه، في ظل انقسام الآراء الحاد بين الكتل السياسية حوله، ولا سيما على ضفة المعارضين لـ"حزب الله"، لتبقى الأنظار متجهة إلى الهدف من زيارته، وما إذا كانت تحمل مبادرة جدية أم ستكون استطلاعية كتلك التي سبقتها.
مصدرٌ دبلوماسي فرنسي في السفارة الفرنسية في بيروت، قال لـ"العربي الجديد"، إن "لودريان سيضع المسؤولين اللبنانيين في أجواء الاجتماع الخماسي الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة، الاثنين الماضي، وخُصّص لمناقشة الضرورة الملحّة المتمثلة في انتخاب قادة لبنان رئيساً جديداً للجمهورية بسرعة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الموجبة".
وأشار المصدر إلى أنّ "مهمة لودريان معروفة وواضحة في مساعدة اللبنانيين على الخروج من الأزمة، ولكن لا يمكنه أن يفعل ذلك وحده أو أن تفعله الدول الخمس (قطر، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا) من دون إرادة لبنانية جدية تلتقي بهذه الجهود الدولية، ومن دون تقارب وحوار لإنهاء الشغور، كما أن هذه المهمة لن تكون بلا سقف زمني أو مفتوحة، وكل تأخير لاحق سيحمل المعرقلون مسؤوليته".
وحول ما يحكى عن طرح اسم ثالث لرئاسة الجمهورية، قد يكون قائد الجيش العماد جوزيف عون، كرّر المصدر موقف فرنسا والدول المعنية بالملف اللبناني بأنها لا تتدخل بلعبة الأسماء فهذا شأنٌ داخليٌّ، أما المواصفات فقد باتت معروفة ولا سيما لناحية أن يقوم الرئيس الجديد بالإصلاحات المطلوبة، والتي تعد من شروط إعادة الدعم المالي للبنان.
ووجهت الدول الخمس رسالة تحذير عامة لجميع الأطراف اللبنانية بعدم عرقلة هذه الجهود لتأثيرها المباشر على مستقبل لبنان وازدهاره واستقراره.
وشددت البلدان الخمسة على ضرورة "تطبيق الحكومة اللبنانية قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المرتبطة بالوضع في البلاد والقرارات الأخرى ومقررات دولية في هذا الشأن، ولا سيما تلك التي اعتمدتها جامعة الدول العربية والالتزام بالامتثال لاتفاقية المصالحة الوطنية التي تتيح المحافظة على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان".
يأتي ذلك، في وقتٍ رفع فيه "حزب الله" حدّة مواقفه بوجه الخارج، ولا سيما بعد التلويح بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين الذين يعرقلون الحلول، والمساعي للخروج من الأزمة، وبعدما فسّر المعارضون له المواصفات الدولية الموضوعة بشخص الرئيس اللبناني بأنها تصبّ في صالحهم، وتستبعد تأييد دعم فرنجية للرئاسة، كما رفضوا دعوته إلى الحوار باعتبار أنه يريد فرض شروطه الرئاسية.
وفي أحدث تصريح له، أعلن رئيس كتلة حزب الله النيابية (الوفاء للمقاومة) النائب محمد رعد، التوقف عن الدعوة إلى الحوار، قائلاً لمن أسماهم "شركاءنا في الوطن"، بأنهم عندما يريدون أن "يحلوا مشكلة الاستحقاق الرئاسي فنحن حاضرون ولن نقفل الباب ومن الآن لن ندعوهم إلى الحوار ولا إلى التفاهم".
ونصح رعد أن "لا يستقوي أحد بالأجنبي ضد مصلحة بلده، لأنه سيكون هو الخاسر الأول، الأجنبي لا يخدم مصالح أحد على الإطلاق، ليس لديه صديق على الإطلاق، إما أن تكون مستخدماً لدى الأجنبي يديرك كيف يشاء ولمصلحته، وإما لا ينتصر لك ولا لحقك".
ويقول مصدرٌ نيابي من "حركة أمل"، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "سننتظر لودريان لنرى ما يحمله، ولكن لا تعويل كبيرا على الزيارة أقلّه في الفترة الحالية، فالحل كما كرر الرئيس بري، يكون عبر التوافق الداخلي، الذي وحده قادر على حلّ الأزمة الرئاسية".
في السياق، يقول النائب إبراهيم منيمنة (يمثل القوى التغييرية في البرلمان)، لـ"العربي الجديد"، إننا "نقف إلى جانب الحوار لكن ضمن المؤسسات الدستورية لتفادي خلق أطر موازية مثل طاولات الحوار المعهودة، وبالتالي، الأجندة الواضحة تكون من خلال مجلس النواب من دون استثناء أي من الآراء، الذي لا يجب اختصاره بإطار لا يعبّر عن الشعب اللبناني الذي انتخب ممثليه"، لافتاً إلى أننا لم نتبلغ بشأن حوار معيّن من جانب لودريان.
ويلفت منيمنة إلى أن هناك "نيات خارجية وحركة قد تحتمل أن تكون بوتيرة أسرع وأكبر، ولكن هناك تعقيدات إقليمية، والملف الداخلي اللبناني ليس بسيطاً، وللأسف الموضوع أصبح خارج أيدينا كلبنانيين، وأصبحنا عاجزين بانتظار الخارج للأسف".
من جانبه، يقول النائب عن حزب "القوات اللبنانية" رازي الحاج، لـ"العربي الجديد"، إننا "لم نتبلغ شيئا رسميا بعد بخصوص حوار يدعو إليه لودريان، ولكننا لا نحبذ القفز فوق المؤسسات الدستورية، والفريق الآخر يدعو للحوار لفرض مرشحه وإقناعنا به".
ولا يعتقد الحاج أن هناك أي جديد بالملف الرئاسي، "المسألة الوحيدة القادرة على الخرق تكمن في البحث عن مرشح يستطيع أن يؤمن الالتقاء بين كل الفرقاء بالحد الأدنى لانتخاب رئيس، والقيام بالإصلاحات الأساسية"، مشدداً على أن الحل يجب أن يكون "لبنانياً داخلياً، وأي طرح خارجي لن يلقى طريقه إذا لم يترافق مع زخم داخلي".
وكان النائب عن "التيار الوطني الحر" (يرأسه النائب جبران باسيل) سيمون أبي رميا، قد صرّح في حديث تلفزيوني، أن زيارة لودريان تأتي "للتأكيد على الاهتمام الفرنسي بالواقع اللبناني، وقصة طاولة الحوار قد طويت".