منذ أن تشكلت لجان الحوار السياسي، بقيادة البعثة الأممية نهاية 2014، وحتى حوار لجنة "6+6"، التي أنتجت قبل أيام قوانين الانتخابات، لم تخرج الحوارات السياسية عن ممثلي معسكري غرب وشرق البلاد، بل تكاد الشخصيات الرئيسية هي نفسها، وتحديداً، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وممثلي المؤتمر الوطني السابق الذي تحول إلى المجلس الأعلى للدولة، وخليفة حفتر، بكل تبدلاته وتشكلاته العسكرية ثم المدنية.
ومنذ 2016 وحتى 2020 أضيف للمشهد بعض "الرتوش"، كحكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج، والحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، بقيادة عبد الله الثني. ورغم أن الأول حاول لسنوات أن يكون بعيداً عن الاصطفافات، إلا أنه اضطر إلى أن يكون خصماً، ليس على الصعيد السياسي، بل العسكري، عندما قاد عملية "بركان الغضب" ضد عدوان خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.
لقد أفشل الطامحون في الحكم، والبقاء في المشهد، العديد من المحاولات التي وصل بعضها إلى مرحلة دقيقة، وكادت تُعقد فعلياً، وأبرزها الملتقى الجامع الذي كان من المقرر أن تعقده البعثة الأممية في غدامس في إبريل/ نيسان 2019، قبل أن يتجاوزه حفتر، وبكل استعلاء، معلناً عن حربه على طرابلس جهاراً نهاراً. وإثر استشعاره خسارته العسكرية وافق على المفاوضات التي كانت تجرى وقتها في برلين، وانتهت بخلق مسارات الحل الليبي الثلاثة، العسكري والاقتصادي والسياسي.
ومن دون أي معاقبة، أو تحذير، من جانب الفاعلين الدوليين، قُبل حفتر مجدداً في مفاوضات حوار سياسي جديد، انتهى بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، اللذين لم يمر على تشكيلها عدة أشهر حتى أعلن حفتر وحلفائه، كعقيلة صالح، منعهما من دخول بنغازي، بل ورفضهما فيما بعد بسحب الثقة من الحكومة.
وتبدلت مواقف القادة مجدداً بتقارب كبير بين قطبي الخلاف السياسي؛ عقيلة صالح وخالد المشري، وخليفة حفتر، وأبرز قادة المشهد في غرب البلاد فتحي باشاغا، قبل أن ينتهي مشروع التقارب الأخير إلى خلافات جديدة، انتهت بمفاوضات سياسية جديدة عنوانها الذهاب إلى الانتخابات والتوافق على قوانين انتخابية تسع الجميع.
لا يبدو أن قرارات المراقبين بشأن فشل مفاوضات ابوزنيقة الخاصة بلجنة "6+6" بعيدة عن الواقع، فالمبعوث الأممي عبد الله باتيلي أكد أن قوانين لجنة "6+6" غير كافية، ولذا من الضروري الاستمرار في المفاوضات، وربما توسيع دائرة المشاركة المفاوضات، ما يعني حواراً سياسياً جديداً.
وإن اختلفت عناوين الحوار السياسي، سواء إنهاء الانقسام السياسي، أو التوافق على قوانين انتخابية أو ما شابه من عناوين، إلا أن أطراف الحوار، بل والشخصيات الرئيسية، هي عينها.
وظهر جلياً أن خلافاتها تدور حول كيفية ضمان مصالحها، إما بمرور هذه الشخصيات إلى المرحلة السياسية المقبلة من بوابة الانتخابات، أو تمرير من يمثلهم... فلماذا الانتخابات، إذا لم تتوفر القوانين الانتخابية على ضمانات تمنع كل هذه الشخصيات من الترشح؟