لغز موعد استئناف مفاوضات فيينا وأسباب المماطلة الإيرانية

25 سبتمبر 2021
أطراف المفاوضات تنتظر أن تحدد طهران موعداً لعودتها إلى طاولة التفاوض (Getty)
+ الخط -

مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على وقف مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن بواسطة أطراف الاتفاق النووي بطلب من طهران بحجة فترة انتقال السلطة التنفيذية، ورغم انتقال السلطة من الرئيس السابق حسن روحاني إلى الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي منذ قرابة شهرين، إلا أن المفاوضات لم تستأنف إلى الآن. 

وتنتظر بقية أطراف المفاوضات أن تحدد طهران موعدا لعودتها إلى طاولة التفاوض وتطالبها بالعودة الفورية، وسط تحذيرات من أن المزيد من التأخير في ذلك يجعل إحياء الاتفاق النووي "المترنح" وإجراء التفاوض بشأنه بلا جدوى.   

وفيما كانت الأنظار تتجه نحو أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة عسى أن تحتضن لقاءا مشتركا لأطراف الاتفاق النووي على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتفاق، وهي إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين، ليتفقوا على موعد لاستئناف المفاوضات المتعثرة منذ العشرين من يونيو/حزيران الماضي بعد انتهاء الجولة السادسة منها في هذا اليوم، فإن طهران رفضت هذا اللقاء المشترك في خطوة لافتة، معلنة أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان سيعقد لقاءات ثنائية ومنفصلة مع جميع أعضاء مجموعة 1+4 الشريكة في الاتفاق النووي. 

"العودة القريبة جدا" للمفاوضات يكتنفها غموض، ولا تعني أن الموعد اقترب جدا

 

وفي اللقاءات التي عقدها عبد اللهيان، سواء مع نظرائه في الدول الأعضاء بالاتفاق النووي أو غيرها، تملص من تقديم إجابة واضحة بشأن موعد عودة بلاده إلى المفاوضات، رغم حصول بعض التقدم في الموقف خلال هذه اللقاءات، بعد تأكيد الوزير الإيراني أن طهران ستعود إلى المفاوضات "قريبا جدا"، فيما كانت سابقا تكتفي بالقول إنها "تريد مفاوضات تحقق نتائج ملموسة". 

غير أن "العودة القريبة جدا" للمفاوضات أيضاً يكتنفها غموض، ولا تعني أن الموعد اقترب جدا، وإنما على ما يبدو أن المقصود من هذا الموقف ليس إلا المزيد من المشاكسة واللعب على وتر أعصاب الأطراف الغربية للمفاوضات لتحصيل تنازلات. وقال، أمس الجمعة، مسؤول إيراني رفيع من نيويورك للتلفزيون الإيراني إن العودة إلى المفاوضات "قريبا" تعني "بضعة أيام" أو "بضعة أسابيع". 

أما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان فقال اليوم السبت، في تصريح للتلفزيون الإيراني من نيويورك، إن البعض يسأل في اللقاءات ماذا تعني"قريبا" (لاستئناف المفاوضات)، موضحاً أن "قريبا تعني أنه بمجرد الانتهاء من تقييماتنا سنعود إلى المفاوضات"، في إشارة إلى موقف إيراني يؤكد أن الحكومة الجديدة تراجع حاليا المفاوضات السابقة وتقيمها قبل العودة إليها. 

وتابع الوزير الإيراني أنه ذكّر الأطراف الأوروبية بوعودها التي كانت ترددها وتقول إنها "ستنفذها قريبا"، مشيراً في السياق إلى موضوع آلية "إينستكس" المالية التي دشنتها أوروبا خلال يونيو/حزيران 2019، لكنها لم تنفذ معاملات تجارية مع إيران.  

عبداللهيان: "الفرق بين "قريبا" الإيرانية و"قريبا" الغربية كبير للغاية

 

واستطرد عبد اللهيان قائلا إن "الفرق بين (قريبا) الإيرانية و(قريبا) الغربية كبير للغاية، والموعد القريب من وجهة نظرنا أنه في أول فرصة تكتمل فيه تقييماتنا"، مؤكدا أن "المهم أن لدينا الإرادة للعودة إلى المفاوضات، لكن مفاوضات جادة تحقق حقوق ومصالح الشعب الإيراني". 

وفي الإطار، قال وزير الخارجية الإيراني، في لقائه مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في نيويورك مساء الجمعة، إن بلاده "مستعدة للعودة إلى المفاوضات، وهي حاليا تقوم بسرعة بمراجعة جولاتها السابقة"، معرباً عن أسفه من "عدم اتخاذ أميركا والدول الأوروبية الثلاث خطوة جادة وعملية في سبيل تنفيذ التزاماتها"، في إشارة إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا الشريكة في الاتفاق النووي.  

وأوضح عبد اللهيان أن "تحقيق نتائج عملية وملموسة للشعب الإيراني يحظى بأهمية خاصة بعد العودة إلى المفاوضات"، مضيفا أن "إيران تشكك في جدية الإدارة الأميركية في العودة إلى الاتفاق النووي"، لافتاً إلى أنها "لم تتخذ أي إجراء جاد للعودة إلى التزاماتها، وفي الوقت نفسه فرضت عقوبات جديدة على إيران". 

وتعليقا على تصريحات عبد اللهيان، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، أمس الجمعة، إنهم لم يتلقوا أي مؤشر على ما تعنيه مقولة المسؤولين الإيرانيين "قريبا أو قريبا جداً". 

 الاتفاق النووي "ليس أولوية" 

تأخير إيران العودة إلى مفاوضات فيينا يعود بالأساس إلى استراتيجية جديدة تتبعها البلاد في السياسة الخارجية، وخاصة في التعاطي مع الاتفاق النووي، إذ يقول عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني فدا حسين مالكي إن الاتفاق "لا يشكل الأولوية الأولى للحكومة الإيرانية الجديدة"، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الاتفاق النووي ليس إلا مجرد ملف، وبعد تقييماتنا، سيستمر التفاوض بشأنه شريطة ألا تعاود أميركا نكث العهود". 

مالكي: الحكومة الإيرانية الجديدة برغماتية تبني على الأفعال فقط ولا تريد التفاوض لأجل التفاوض وإنما لتحقيق النتائج

طهران "تنوع خياراتها لحشر أميركا في زاوية والحد من خياراتها مقابل إيران"، حسب مالكي، الذي لفت إلى اعتزام الحكومة الجديدة تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والعلاقات مع الدول الجارة وانضمام إيران إلى منظمة "شنغهاي" للتعاون، وقال إن الحكومة "لديها استراتيجيتها الجديدة ولا تريد بتاتا توظيف كافة طاقاتها وقدراتها لأجل الاتفاق النووي كالسنوات الماضية" في إشارة غير مباشرة إلى الحكومة الإيرانية السابقة.  

لكن هذه السياسة بطبيعة الحال تؤدي إلى تراجع الاهتمام بالاتفاق النووي وأهميته، كما يقول النائب مالكي لـ"العربي الجديد"، مضیفاً أن إخراج الاتفاق النووي من على رأس أولويات إيران بعد تشكيل حكومتها الجديدة، يعود بالأساس إلى تشاؤم يخيم على مجمل السياسة الإيرانية تجاه الموقف الأميركي من الاتفاق والمفاوضات. 

وتابع: "إننا لسنا متفائلون بالأداء الأميركي، وهذا التشاؤم كان موجودا واليوم تعزز. أليس الأميركيون وعدوا بإلغاء جميع العقوبات، لكنهم لم يفوا بها. نعم بكل تأكيد الحكومة الجيدة ليست متفائلة بالمفاوضات".

ويؤكد مالكي أن "الحكومة الإيرانية الجديدة برغماتية، تبني على الأفعال فقط ولا تريد التفاوض لأجل التفاوض، وإنما لتحقيق النتائج"، قائلاً إن العودة إلى الاتفاق النووي "في الأساس لا تحتاج إلى التفاوض، وكنا منذ البدء نعارض التفاوض لأجل ذلك. ويشير إلى أن الهدف الأميركي من المفاوضات "ليس واضحاً لإيران، موضحاً أنهم سيعيدون النظر في المفاوضات السابقة. 

مشاكسة دبلوماسية 

أما من زاوية أخرى، فما يجري في الوقت الراهن بين إيران والولايات المتحدة هو "مشاكسة دبلوماسية" قبل استئناف المفاوضات، كما يقول الخبير الإيراني البارز في العلاقات الإيرانية الأميركية هادي خسرو شاهين، الذي أضاف أن "النقطة الأساسية في هذه المشاكسة الدبلوماسية هي الإجابة عن سؤال عن أن الوقت يلعب لمصلحة أي من الطرفين؟". 

خسروشاهين: الصين تلعب أهم دور للإخلال بمسار تنفيذ العقوبات الأميركية وبطأت من حدتها إلى حد ما

ويضيف خسرو شاهين، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن الإجابة عن هذا السؤال تستدعي معرفة الأوراق التي يمتلكها كل من الطرفين، قائلا إن "إيران لديها ورقة الضغط النووية وأميركا ورقة العقوبات"، ليؤكد أن "الورقة النووية الإيرانية طور التقدم والتوسع، لكن الورقة الأميركية تواجه اختلالات".

وعن هذه الاختلالات، يقول خسرو شاهين إن "الصين تلعب أهم دور للإخلال بمسار تنفيذ العقوبات الأميركية، وبطأت من حدتها إلى حد ما"، مشيراً إلى أن "إيران في الوقت ذاته باتت تسرع من وتيرة احتياطياتها من الوقود النووي بتخصيب اليورانيوم بنسب 20 و60 بالمائة، وكذلك في إنتاج اليورانيوم المعدني بدرجة نقاء 20 بالمائة".  

أما الهدف الإيراني من كل ذلك فـ"هو الاقتراب من نقطة الاختراق النووي"، حسب الخبير الإيراني الذي أضاف أنه "من الطبيعي إذاً أن نعتبر أن الطرف الذي يرى الوقت يلعب لمصلحته هو إيران"، مؤكدا أنها "تسعى للدخول في المفاوضات بزيادة أوراقها النووية إلى الحد الأقصى لتحصيل تنازلات مطلوبة"، علما أن نقطة "الاختراق النووي" هي فترة تحتاجها الدول للوصول إلى صناعة سلاح نووي، وتصل ببرنامجها إلى مرحلة غير قابلة للعودة عنها.  

ويشير خسرو شاهين إلى أن الإطار التفاوضي السابق في فيينا "لم يكن مرضيا لإيران، أولا لأن هذه المفاوضات لم تؤد إلى رفع العقوبات كما تبتغي إيران، وثانيا لأن الولايات المتحدة سعت إلى تحويل المفاوضات جسراً للوصول إلى اتفاق طويل الأمد تحت عنوان بند التعاون المستقبلي"، الذي كانت تطالب واشنطن بضمه إلى أي اتفاق لإحياء الاتفاق النووي في فيينا.  

 خطط بديلة 

وعليه، فإن "إيران تجري مشاورات داخلية حول خطط بديلة ووضع جدول أعمال جديد للمفاوضات"، كما يقول الخبير خسرو شاهين، لافتاَ، في حديثه عن هذه الخطط، إلى أن "اتفاقا محدودا قد يكون من بينها، أي اتفاق يعتمد على الأقل مقابل الأقل". 

ويشرح خسرو شاهين لـ"العربي الجديد" أنه بموجب هذه الخطة "قد تقبل إيران بوقف إنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 بالمائة، وكذلك وقف إنتاج اليورانيوم المعدني، مقابل الحصول على إعفاءات من العقوبات على بيع النفط والتحويلات المالية، فضلا عن تحرير أرصدة مجمدة". 

ومن وجهة نظر الخبير الإيراني، فإن هذه الخطة من شأنها أن تشكل مخرجا لإيران، في ضوء رفضها الدخول في مفاوضات طويلة الأمد مع الغرب بشأن بقية الملفات في غياب الثقة بين الجانبين. 

أما في حال لم تلق تلك الخطة قبولا لدى الطرف الأميركي، وهو أصر على مواصلة التفاوض من النقطة التي توقفت في العشرين من يونيو/حزيران الماضي، فيقول الخبير خسرو شاهين إن إيران أيضا حينئذ "ستوافق على هذا المطلب الغربي، بشرط أن تكون هذه الأطراف مستعدة لتقديم تنازلات أكثر، مثلا في ما يتعلق بإلغاء الحظر التسليحي الذي فرض خلافا لنص الاتفاق النووي والقرار الـ2231، وكذلك التخلي عن بند التعاون المستقبلي (في بقية الملفات) أو ألا يكون بندا ملزما" في أي اتفاق في فيينا.  

 حاجة متبادلة للاتفاق 

لكن مع كل ما سبق، فإيران والولايات المتحدة "لأسباب عدة ترغبان باستئناف المفاوضات، وهما بحاجة إلى الاتفاق رغم مشاكساتهما السياسية والدبلوماسية"، حسب خسرو شاهين، الذي قال إن إيران لأجل إحياء اقتصادها بحاجة إلى التفاوض، كما أن أميركا بحاجة لحل الملف النووي الإيراني، مشيراً إلى أنها ترى في ذلك "نافذة لاستتباب نظام الموازنة الأفقية في المنطقة، وإيجاد الاستقرار فيها لتحرير طاقاتها ومصادرها للتركيز على التنافس مع الصين". 

وفي السياق، يضيف الخبير الإيراني في العلاقات الإيرانية الأميركية أن "البلدين سيخسران في حال فشل الدبلوماسية، فإيران ستواجه مشاكل اقتصادية أكثر، ویلحق الضرر بمشاریعها في خلق الميزة الاقتصادية في المنطقة وتعاونها مع المنظمات الدولية، مثل منظمة شنغهاي، كما أن أميركا أيضا ستدخل في دوامة أخرى من إهدار المصادر والتكاليف الباهظة في الشرق الأوسط".

وعليه، يعزو خسرو شاهين اتفاق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الثاني عشر من الشهر الجاري، وكذلك امتناع الولايات المتحدة عن استصدار قرار ضد إيران في اجتماع مجلس محافظي الوكالة يوم الـ13 من الشهر الجاري إلى رغبة الطرفين في احتواء التوتر و"الحاجة المتبادلة" للاتفاق. 

وفي الإطار، يتوقع الخبير الإيراني استئناف مفاوضات فيينا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول أو أواسط نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قائلاً إن "إيران خلال هذه الفترة حتى إطلاق المفاوضات، ستكون قد قامت بتحسين أوراقها النووية من جهة، وتوصلت إلى أجندة جديدة لفريقها التفاوضي الجديد، أو أعدت خطة بديلة بإجماع داخلي من جهة ثانية". 

وهنا، يشير خسرو شاهين إلى أن هناك رغبة أميركية للعودة السريعة إلى المفاوضات، وممارستها "ضغوطا دبلوماسية" لأجل ذلك، لافتاً إلى سعيها "لمنع إيران من امتلاك أوراقها المطلوبة والعودة إلى المفاوضات من موضع أقوى وهي اقتربت من نقطة الاختراق النووي". 

وأضاف أن إيران أيضا من جهتها "ترى أن الوقت لمصلتحها، فتريد تحويل مبدأ التفاوض والعودة إليه إلى ورقة ضغط، لكن علينا أن ننتظر لنرى هذه التجاذبات والمشاكسة الدبلوماسية أين ومتى ستصل إلى نقطة تعادل".

المساهمون