ترأس يئير لبيد، اليوم الأحد، أول جلسة أسبوعية للحكومة الإسرائيلية، بصفته رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، ليوضح ما قد يكون خفيا أو التبس بشأن مواقفه الأصلية من "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" والاحتلال، بفعل الدعاية التي بثها زعيم المعارضة ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، الذي دأب على توصيف لبيد بأنه "يساري النزعات".
وقال لبيد في الجلسة: "إن الإيرانيين وحماس وحزب الله لن يقفوا في الانتظار بانتهاء الانتخابات وتشكيل حكومة قادمة، وعلينا أن نعمل لمواجهتهم على كافة هذه الجبهات، وهذا بالضبط ما سنقوم به".
وكان لبيد وجه مساء أمس، في خطاب مسجل، تهديدات لكل من إيران و"حزب الله" و"حماس".
وقال لبيد: "نحن نؤمن بأن دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وأنه يجب أن تكون إسرائيل ديمقراطية ليبرالية، يوجد فيها لكل مواطن الحق بتغيير الحكم وتحديد مسار حياته. نحن نعتقد أن إسرائيل هي دولة يهودية، طابعها يهودي، هويتها يهودية، وتعاملها مع مواطنيها غير اليهود هو تعامل يهودي".
وتنسف تصريحات لبيد هذه كل محاولات تسويقه، سواء من قبل أحزاب عربية في الداخل، أو أوساط في الجانب الفلسطيني، باعتباره رجل يسار يقبل بتسوية سياسية تقوم على أساس حل الدولتين، خصوصاً وأن لبيد في إشارته أمس، في الخطاب المذكور، إلى علاقات إسرائيل بمحيطها العربي، قال إن "إسرائيل تمد يدها لكل شعوب المنطقة، بمن فيهم الفلسطينيون، من أجل السلام"، دون أن يحدد أي تصور حقيقي للسلام أو التسوية مع الفلسطينيين، خصوصاً وأنه كان يكرر على مدار ولاية حكومته المشتركة مع نفتالي بينت أنه لا توجد الآن فرصة أو ظروف مواتية لإطلاق تحرك سياسي تجاه الفلسطينيين، على الرغم من لقائه بمسؤولين في السلطة الفلسطينية في أكثر من مناسبة.
وتتماشى تصريحات لبيد بشأن تأكيد هوية إسرائيل وطابعها وجوهرها اليهودي، مع أن معيار التعامل مع غير اليهود هو اليهودية، وهو تعبير صهيوني مقصود في الخطاب الإسرائيلي يراد منه عدم الاعتراف بالفلسطينيين في الداخل كجماعة قومية من الشعب الفلسطيني، و"تذريرهم" إلى أفراد لهم هويات طائفية دينية وحقوق فردية لا غير، دون أي حقوق جماعية؛ (تتماشى) مع أطروحات الصهيونية التاريخية، بما في ذلك ما كان يعرف باليسار الصهيوني التقليدي، والحركة العمالية الصهيونية، التي مثّلها بن غوريون و"حزب العمل" على تغيرات مسمياته المختلفة، وطروحات التيار اليميني المتطرف في الصهيونية، منذ فترة ما قبل النكبة، والمعروف بالتيار التنقيحي، بقيادة زعيمه التاريخي زئيف جابوتنسكي، والذي ترجم بعد النكبة في حزب حيروت، ولاحقاً في أواسط السبعينيات "الليكود".
وبهذا يكشف لبيد عن زيف ليبراليته المدعاة عندما ينكر على المواطنين الفلسطينيين في الداخل انتماءهم الوطني للشعب الفلسطيني، والقومي للأمة العربية، عندما يتعامل معهم في خطابه الأول كرئيس حكومة، باعتبارهم مواطنين غير يهود، وأفرادا دون أي إشارة لهويتهم الوطنية والقومية.
وتعيد هذه التوصيفات لإسرائيل، كما عددها لبيد، إلى الوراء النقاش والجدل الذي دار ويدور حول هوية إسرائيل، وإنكار التناقض بين يهودية الدولة وبقائها ديمقراطية في نفس الوقت، وهو ما كان أشار إليه قبل أكثر من عقدين المفكر العربي عزمي بشارة مع تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي بعد أوسلو، والدعوة للربط بين البعدين القومي والمدني فيما يخص فلسطينيي الداخل واستحالة الفصل بينهما، ووردت هذه الأطروحات لبشارة في كتابين على الأقل، الأول هو "الخطاب السياسي المبتور"، وكان صدر عام 1998، والثاني "من يهودية الدولة حتى شارون"، وصدر عام 2005، وصدر الكتابان عن "مواطن"، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية.
وكان بشارة طرح في الكتابين المذكورين ودراسات أخرى بشأن تحويل دولة إسرائيل إلى "دولة مدنية لكل مواطنيها"، وترجم ذلك بالممارسة السياسية الفعلية بما ينزع ويفكك المنظومة الصهيونية فيها، بما فيها آليات التمييز العنصري ضد فلسطينيي الداخل، وكان سببا في تعرضه لهجوم من كافة أطياف ومؤسسات دولة الاحتلال، بدءا من رئيس الشاباك السابق عامي أيالون، الذي صرح في مقابلة مع صحيفة "كل العرب"، عام 1998، أن "التجمع وبرنامجه يشكلان خطرا على المشروع الصهيوني ودولة إسرائيل"، مرورا بالمستشار القضائي السابق لحكومة الاحتلال آنذاك اليكيم روبنشتاين، وحتى أساتذة في القانون وقضاة المحكمة الإسرائيلية العليا، وأبرزهم أهرون براك، الذي قال إن قانون حرية وكرامة الإنسان لا يلغي حقيقة أن إسرائيل هي البيت اليهودي، ومن فيها من غير اليهود، وإن كان يجب منحهم حقوقا فردية متساوية.
وتعرض بشارة لسنوات لملاحقات انتهت بمحاولة تلفيق ملف أمني بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، واضطراره للخروج القسري للمنفى عام 2007.