رفع لبنان مستوى تمثيله في المؤتمر الدولي الذي تنظِّمه روسيا يومَيْ غد الأربعاء وبعد غد الخميس في دمشق، والمُخَصَّص للبحث في إعادة اللاجئين السوريين (تصرّ السلطات اللبنانية على توصيفهم بالنازحين) إلى بلادهم.
وأرسل لبنان وفدا يرأسه وزير السياحة والشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفية، في وقتٍ كان القرار مائلاً إلى السفير اللبناني في سورية سعد زخيا، وهو تحوّلٌ لافت رُبِط بالعقوبات الأميركية التي فُرِضَت أخيراً على رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، ووُضِع في خانة المواجهة مع الولايات المتحدة التي بلغت ذروتها أمس، الاثنين، في معركة ثنائية علنية مفتوحة "بعض" الأوراق، بين باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، والسفيرة الأميركية دوروثي شيا.
هذا السيناريو يؤكد مصدرٌ متابع للمؤتمر، لـ"العربي الجديد"، أنّه غير دقيق، موضحاً أن القرار اتخذ في وقتٍ سابقٍ للعقوبات الأميركية، لكن الإعلان عنه تأخّر لأسباب مرتبطة بالمؤتمر والتحضيرات.
وأشار المصدر ذاته، الذي رفض الكشف عن هويته، إلى أنّ اسم السفير زخيا طُرِحَ قبل أسبوعين لكن الموضوع لم يُحسم وجرى نقاش طويل قبل اختيار الوفد اللبناني، لافتاً إلى أن مستوى التمثيل يأتي نظراً لأهمية الملف وانعكاساته السلبية على الداخل اللبناني. كما أوضح أنّ الوزير مشرفية سبق أن زار دمشق في شهر مارس/ آذار الماضي، وبحث ملف عودة اللاجئين، ومن هنا أهمية حضوره المؤتمر واستكمال القضية التي يتابعها ويشرف عليها منذ فترة.
ويعيد رفع مستوى التمثيل اللبناني مباشرة من خلال مشرفية، مع مشاركة "عن بُعد" لوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة، "قانون قيصر" إلى الواجهة، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت خطوة لبنان مخاطرة كبيرة تضعه تحت مجهر العقوبات الأميركية.
أستاذ القانون الدولي، المحامي أنطوان صفير، استبعد ذلك في حديث لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أنّ العقوبات التي تدخل في إطار "قانون قيصر" تشمل من يدعم النظام السوري برئاسة بشار الأسد، أو يموّله، أو يسهّل عملية دعمه مالياً.
وتابع قائلا "أما مشاركة لبنان من خلال وزير الشؤون الاجتماعية، فتخرج عن هذا السياق، فهي دبلوماسية ولا علاقة لها بالدعم بل بلبنان وبقضية اللاجئين، وهي مسألة استراتيجية بالنسبة إليه، لأنها تثقل أثقاله الكثيرة في الاقتصاد والديمغرافيا والبنى التحتية، خصوصاً في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمعيشية في البلاد".
وشدد صفير على دقّة الموضوع وضرورة أن يكون الموقف اللبناني شفافاً بأعلى درجة، ومحصوراً في حقوق لبنان، ويدرس كلّ خطوة تبقيه بعيداً من قانون قيصر وما يشمله من بنود، داعياً المسؤولين اللبنانيين إلى أن "يتنبّهوا إلى المسألة برمّتها، بحيث أن الخيط رفيع جداً بين موقف لا يعاقب عليه القانون المذكور، وآخر يضعه تحت مقصلة العقوبات".
بدوره، أكد المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة لأزمة النازحين عاصم أبي علي، لـ"العربي الجديد"، أن "الهاجس الأساسي لدى لبنان هو تحقيق العودة الآمنة والطوعية للنازحين بما يحفظ كرامتهم ويصون سلامتهم، وهذا مبدأ غير قابل للنقاش، وعلى الجانبين الروسي والسوري أن يقدّما الضمانات المطلوبة قبل تنفيذ أي عودة".
وأشار إلى أنّ "الموقف اللبناني متمسّك ببنود الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء في يوليو/ تموز الماضي، ولا سيما لناحية رفض الإعادة القسرية، واستعداد الدولة السورية لبذل كل ما يلزم لتسهيل إجراءات العودة، من تأهيل بنى تحتية، وإحداث مراكز إيواء مؤقتة، وتقديم مستلزمات العيش الكريم وغيرها من النقاط الواردة في ورقة الحكومة اللبنانية".
ويرى أبي علي أن "هناك تساؤلات كثيرة بشأن مدى نجاح هذه المبادرة، وهذا ما تمّ بحثه خلال زيارة الوفد الروسي إلى بيروت في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتأكيد الرئيسين ميشال عون وحسان دياب (رئيس الحكومة)، على ضرورة ألا تتناقض المبادرة الروسية مع خطة العودة التي أقرّتها الحكومة، لا بل مطلوب أن تتكامل معها وتتبناها بأماكنٍ عدّة، ومجرّد التلميح لتبني خطة الحكومة هو مؤشر إيجابي".
كما أوضح أن "المساعدات التي ترسل للاجئين تصل بمعظمها إلى المنظمات الدولية، وليس هناك إلّا 16% فقط من الجمعيات المحلية اللبنانية المعنية".
من جهته، قال أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت ناصر ياسين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تعامل لبنان مع أزمة بحجم اللجوء السوري لم يكن كافيا، في ظل غياب المقاربة الشاملة للتعاطي معها، وغلب طابع استجداء المساعدات من الخارج، الذي قابله في الوقت نفسه، استخدام خطاب التخويف، والتهويل بالانفجار، والقنبلة الموقوتة المُسمّاة اللاجئين".
وتابع قائلا "بتقديري زادت المساعدات للاستجابة للأزمة في لبنان في آخر سنتين، ثلاث مرّات، في أكبر حجم كتلة مالية من الخارج، أي بما يعادل مليارا و600 مليون دولار سنوياً، ووصلت هذه المساعدات بمعظمها إلى المنظمات الدولية".
ولفت ياسين إلى أن "لبنان لم يلتزم بوعودٍ كثيرة قطعها كحكومة، خصوصاً لناحية تأمين الحماية القانونية للاجئين، حيث إن أكثر من 75% من اللاجئين لا يملكون إقامات صالحة ويتنقلون من دون أوراق قانونية، ما يصعّب عليهم أيضاً إيجاد عمل وتأمين لقمة العيش، في حين التزم لبنان بقطاع التعليم، وفتح المدارس في ساعات بعد الظهر للطلاب من اللاجئين، مع تسجيل بعض الشوائب".
ويرى ياسين أن "تعاطي الحكومة اللبنانية مع اللاجئين السوريين كان مجتزأ وعلى القطعة، في ظل غياب توافق سياسي ونظرة شاملة وسياسة عامة ومتكاملة لكيفية التعاطي مع هؤلاء، وزاد تغيّر الحكومات اللبنانية على مدى السنوات الماضية منذ بدء الحرب السورية، من التعقيدات التي حالت دون صياغة سياسة واضحة".
وأضاف "تمحورت سياسة الحكومة على شقّ العودة لا التعاطي مع حاجات اللاجئين خلال وجودهم في لبنان، وبرزت خطة روسيا في صيف 2018 لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، فبنيَ الاقتراح الروسي على نظرة شبه لوجستية للعودة ولم تكن واقعية لكيفية تطور الأمور في الداخل السوري، فالأهم بالعودة هو وضع سورية لا الدول المضيفة، ولم يقتنع لبنان بأن العوامل لا تزال غير جاذبة أو مناسبة للعودة، من الأمن والاستقرار، والحوكمة السليمة، وإعادة الإعمار وتحريك الاقتصاد، وغير ذلك من الشروط التي تعدّ أساسية لقبول أي لاجئ بالعودة إلى بلاده".
واعتبر ياسين أن "أي مؤتمر دولي عليه أن يناقش العودة من خلال هذه العوامل لا البحث بالأمور التقنية، كما يحدث اليوم، ويفعل الروس، وهذه الشروط لن تتحقق في حال لم تحدث عملية سياسية حقيقية، سواء مصالحات أو انتقال سياسي معيّن".
وشدد على أن "إعادة الإعمار تتطلّب تمويلاً، وغالباً ما يكون مصدره الأوروبيون والبنك الدولي والمؤسسات الدولية وبعض الصناديق العربية، وبالتالي أجواء هؤلاء لا تزال رافضة لأي تعاون مع نظام بشار الأسد، وغير راضية عن وجوده"، لافتاً في المقابل إلى أنّ "وجود لبنان في مؤتمر دمشق غير مفيد، وقد يلعب دور المراقب، ولا سيما أن الحكومة لم تنجز بعد أي شيء جدّي".