استقبل رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، اليوم الاثنين، رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في عين التينة – بيروت، للبحث والتداول في المبادرة الحكومية التي باتت بمثابة فرصة أخيرة يؤدي فشلها إلى فتح الباب أمام سيناريوهات عدّة، أبرزها استقالة نواب من المجلس النيابي.
وقال مصدر مسؤول مقرّب من رئيس البرلمان، لـ"العربي الجديد"، إن "اللقاء تخلّله عرض لمبادرة بري التي ترتكز على تشكيل حكومة هذا الأسبوع أو خلال أسبوعين كحدّ أقصى، تكون مؤلَّفة من 24 وزيراً، تضم اختصاصيين لا حزبيين، لا ثلث معطلاً فيها لأي فريق سياسي، كما جرى النقاش في العقد الحكومية، خصوصاً المتمثلة بالوزيرين المسيحيين، للعدل والداخلية، وطرح الخيارات الممكنة التي تلقى قبول عون والحريري معاً".
وأكد المصدر أن رئيس مجلس النواب متمسّك بمبادرته وبالحريري على رأس حكومة مهمة تعمل وفق المبادرة الفرنسية، وقد يتجه إلى قصر بعبدا الجمهوري للقاء الرئيس ميشال عون، أو يتصل به ليطلعه على آخر المستجدات ونتائج اجتماعه مع الحريري التي يشدد المصدر على وصفها بـ"الإيجابية الحذرة"، خصوصاً أن قراءتها مرتبطة بالتشكيلة الوزارية المعدَّلة التي سيقدمها الرئيس المكلف، وموقف الرئيس عون منها وعدم مطالبته بأكثر من 8 وزراء.
وحرص بري والحريري على التأكيد، من خلال بيانين منفصلين، أن اللقاء الذي استمرّ ساعتين، وتخللته مأدبة غداء، جرى خلاله النقاش في مسار تشكيل الحكومة والمراحل التي قطعتها، وكانت الأجواء إيجابية.
الرئيس سعد الحريري زار عين التينة وعرض مسار تأليف الحكومة مع الرئيس نبيه بري pic.twitter.com/mZYd1bMPqw
— Saad Hariri (@saadhariri) May 31, 2021
في السياق، يسود التكتم أوساط "تيار المستقبل" (يرأسه الحريري) حول مسألة اعتذار الحريري أو استقالة نواب كتلته من البرلمان، باعتبار أن القرار عنده وله الإعلان عنه، لكن في المقابل أكدت الأوساط لـ"العربي الجديد" أن الرئيس المكلف سيجري اجتماعات مكثفة مع أعضاء كتلته النيابية ورؤساء الحكومة السابقين، ومع قوى سياسية مقرّبة إليه، لبحث الخطوات التي يمكن اتخاذها في حال لم تنجح مبادرة بري، وذلك بالتزامن مع انتشار أنباء أيضاً تفيد باتجاه إلى تأليف حكومة انتخابات لن يكون الحريري رئيسها، واحتمال تقديم نواب عدد من الأحزاب استقالتهم الأسبوع الجاري.
وأعلن عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب سيزار المعلوف (يتزعمه سمير جعجع)، اليوم الاثنين، أن استقالته من مجلس النواب باتت جاهزة، وسيكون أول من يضعها بين يديّ جعجع عندما يأخذ التكتل هذا القرار، مشدداً على ضرورة إعادة تكوين السلطة في صناديق الاقتراع، وملوحاً باحتمال حصول استقالات جماعية في الأيام القليلة المقبلة، إن لم تنجح مبادرة بري.
ولطالما لوّح "حزب القوات" (يضم 15 نائباً) بالاستقالة، إلا أنه ربطها باستقالة نواب أحزاب أخرى، لا سيما "المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط) اللذين عارضا الخطوة سابقاً ويقفان اليوم في موقع المتردّد بشأنها، نظراً لاهتزاز حجمهما التمثيلي بفعل "انتفاضة 17 أكتوبر"، التي حمّلت الطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب التقليدية مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من انهيار وفساد ونهب، ودعت إلى محاسبتها، وأسقطت حكومة الحريري في الشارع.
واكتفى جنبلاط اليوم بنشر تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، شدد فيها على أنه "لا بدّ من التفتيش عن القوى الخفية التي تحول دون تشكيل الحكومة".
وتقدّم أيضاً حزب "القوات" باقتراح قانون لتقصير ولاية مجلس النواب، وهو من أكبر الداعين إلى انتخابات نيابية مبكرة، يرتكز عليها لزيادة عدد نوابه وقلب الأكثرية النيابية، ولا سيما المسيحية، إليه، مستغلاً خسارة "التيار الوطني الحر" (يرأسه النائب جبران باسيل صهر الرئيس عون) شعبيته بشكل كبير، وذلك تمهيداً لمعركته على رئاسة الجمهورية مع انتهاء عهد عون العام المقبل.
ولوّح باسيل سابقاً بخيار الاستقالة ضمن مجالسه الضيقة، كأحد الأساليب التي سيلجأ إليها لسحب التكليف من الحريري، باعتبار أن مجلس النواب بهذه الحالة سيفقد ميثاقيته "المسيحية" فيما لو انضم إليه "القوات"، وقبله استقال نواب "حزب الكتائب اللبنانية" برئاسة سامي الجميل على خلفية انفجار مرفأ بيروت.
ويقول الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وسام اللحام لـ"العربي الجديد"، في هذا السياق، إن مجلس النواب يستمرّ تبعاً للدستور بممارسة عمله ودوره، بغض النظر عن عدد الاستقالات التي يتقدم بها البرلمانيون أو الوفيات، وعند خلو المقعد يجب الشروع خلال شهرين في انتخاب الخلف.
مع الإشارة إلى أنّ البرلمان اللبناني أصبح يضم 120 نائباً من أصل 128، بعد استقالة 6 نواب إبان انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس/آب الماضي، ووفاة اثنين، ولم تجر حتى اليوم انتخابات فرعية لانتخاب بديل عنهم.
في المقابل، من شأن استقالة النواب أن تؤدي إلى مشكلة مرتبطة بفقدان المجلس نصابه فيما لو تخطّى العدد حاجز الخمس وستين نائباً، وبالتالي عدم قدرته على الاجتماع، لكن في هذه الحالة، يقول اللحام إن "رئيس البرلمان له أن يعود عندها إلى إحياء التفسير الذي كان سائداً خلال الحرب الاهلية التي اندلعت عام 1975، لناحية أن يحتسب النصاب وفقاً لعدد النواب الفعليين ولا يتعدل بتبدّل عدد النواب المتوفين أو المستقيلين".
وبكلّ الأحوال، يلفت اللحام إلى أن "فقدان النصاب لا يؤدي إلى اعتبار المجلس منحلاً، فهذه الفرضية تحتاج إلى إقرار بنص دستوري، والدستور لم يأتِ على ذكرها، حيث إنه من المفترض أن خلو المقعد النيابي يفرض إجراء انتخابات فرعية، وأي امتناع من جانب السلطة السياسية بلا سبب مقنع يجب أن يعرّضها للمحاسبة، وهذا ما لا يحصل في لبنان".