على الرغم من عقد اجتماعات متتالية بين الحزبين الكرديين في العراق (الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني) خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لبحث ملف منصب رئاسة الجمهورية، إلا أن أغلب الجهود لم تصل إلى نتيجة، ولا سيما أن كل طرفٍ منهما متمسك بمرشحه، الذي يُعتبر "كردياً" وفق معادلة المحاصصة الحزبية والقومية، المعمول بها في البلاد منذ الاحتلال الأميركي عام 2003.
ولم تشفع الوساطات التي دخلت على خط هذه الأزمة، والتي باتت تمثل خرقاً للمُهل والمواعيد الدستورية، من قبل قوى "الإطار التنسيقي"، التي تصدرت المشهد السياسي لتشكيل الحكومة الجديدة، بعد انسحاب زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر وتقديم نواب كتلته استقالاتهم الجماعية من مجلس النواب.
ومع تقدّم الوقت، يزداد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حاكم مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، تمسكاً بمرشحه، رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، في مقابل تمسك الحزب الديمقراطي (بزعامة مسعود البارزاني) الحاكم في أربيل، بمرشحه ريبر أحمد.
ويؤكد مسؤولون سياسيون في أربيل والسليمانية أن السبب الرئيس في عدم التوصل إلى اتفاق، انعدام الثقة بين الحزبين إلى جانب شخصنة الجزء المتعلق برفض البارزاني تجديد ولاية برهم صالح.
لا اتفاق كردياً
وأكد سياسي كردي بارز في أربيل، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، تعثّر المفاوضات مرة أخرى حول ملف الاتفاق على رئيس الجمهورية. لكنه اعتبر أنّ مهاجمة الصدر للرئيس برهم صالح واتهامه برفض توقيع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، صبّا في جانب أربيل المصرة على استبدال صالح.
وكشف عن مساعٍ لزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل الطالباني، "لتضمين ملفات داخل الإقليم في مفاوضاته مع الحزب الديمقراطي حيال منصب رئاسة الجمهورية".
في السياق، قال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني صالح فقي، إن حزبه "متمسك بمرشحه الشرعي والقانوني وفق المبادئ السياسية المعمول بها في البلاد، وهو برهم صالح الذي يحظى بالمقبولية لدى جميع الأحزاب والأوساط السياسية والاجتماعية".
وأوضح فقي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هناك بعض الأحزاب في إقليم كردستان وأخرى في بغداد، تسعى للاحتيال على الاتحاد الوطني، ومنع حصوله على الاستحقاق الانتخابي الخاص به، كذلك فإنها تسعى للنيل من الجهود الكبيرة التي يبذلها برهم صالح في سبيل تثبيت الاستقرار الذي تحقق خلال فترة وجوده في رئاسة الدولة".
مهاجمة الصدر لصالح صبّت لمصلحة الحزب الديمقراطي الكردستاني
وأضاف أن "الاتحاد دخل في مباحثات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، لبحث التحديات التي يمرّ بها الإقليم، وأيضاً ملف رئيس الجمهورية، لكن في الواقع لم يجرِ التوصل إلى أي نتيجة، لأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يريد السيطرة على المنصب، بحجة أنه حصل على أعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة".
وأكد أن "باب الحوار لم يغلق بعد، وهناك مبادرات سياسية من قبل تحالف الإطار التنسيقي بهدف تهدئة التوتر بين الطرفين من جهة، وتقديم مرشحين اثنين من جهة ثانية، لكن بكل الأحوال سيتوصل الحزبان في النهاية إلى اتفاق قبل زيارة بغداد في جلسة التصويت على رئيس الجمهورية".
في المقابل، أكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، مهدي عبد الكريم، عدم توصل الحزبين إلى أي اتفاق واضح المعالم، بخصوص المرشح الخاص بمنصب رئيس الجمهورية.
وأوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "كلا الحزبين متمسك بمرشحه، وأن استمرار حالة الانسداد هذه، يعني أن الحزبين سيذهبان إلى بغداد منفردين بمرشحيهما، وأن التصويت على مجلس النواب سيكون علنياً، لكن هناك خشية حقيقية من المؤامرات التي قد تعيد سيناريو الإقصاء لمرشح الحزب الكردستاني كما حدث مع مرشحنا عام 2018 فؤاد حسين".
وكان التحالف السياسي الثلاثي "إنقاذ وطن"، الذي تألف من "التيار الصدري"، و"السيادة"، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، قد حاول تحقيق أغلبية الثلثين لانعقاد جلسة اختيار رئيس الجمهورية، بهدف تمرير مرشحه ريبر أحمد للمنصب، إلا أنّ "الإطار التنسيقي" وحلفاءه عرقلوا انعقادها من خلال مقاطعة أكثر من ثلث أعضاء البرلمان.
وصوّت البرلمان العراقي، في مارس/ آذار الماضي، على إعادة فتح الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، في محاولة لإنهاء الجدل السياسي الواسع الذي تشهده البلاد منذ إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقرر البرلمان في جلسته الأولى التي عقدت في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي فتح باب الترشح لمدة 30 يوماً، إلا أن الجلسة المخصصة للتصويت على انتخاب رئيس الجمهورية التي كانت مقررة في 7 فبراير/ شباط الماضي لم تنعقد بسبب عدم اكتمال النصاب، لتقرر رئاسة البرلمان بعد ذلك فتح باب الترشّح مجدداً لمدة ثلاثة أيام بدأت في 8 فبراير، قبل أن تلغي المحكمة الاتحادية القرار.
الموقف معقّد لدى الأكراد
من جهته، لفت محمد الصيهود، وهو نائب عن ائتلاف "دولة القانون"، الذي ينضوي ضمن "الإطار التنسيقي"، إلى أن "الموقف معقد داخل البيت الكردي، فالحزب الديمقراطي الكردستاني لم يتنازل عن موقفه في الحصول على منصب رئيس الجمهورية، في حين أن الاتحاد الوطني يجد المنصب استحقاقاً انتخابياً ودستورياً".
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الإطار التنسيقي يسعى حالياً لتقريب وجهات النظر، من أجل إنهاء الأزمة الخاصة بتشكيل الحكومة، وقد اقترح الإطار التنسيقي على الحزبين الكرديين أن يقدم كل منهما على طرح مرشحه، ليُطرح مصيره في مجلس النواب".
عبدالله الركابي: الديمقراطي الكردستاني قد يتنازل وفق تسوية مع الاتحاد الوطني بشأن منصب الرئاسة
بدوره، رأى الباحث عبد الله الركابي، أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني قد يتنازل وفق تسوية مع الاتحاد الوطني بشأن منصب رئيس الجمهورية، إذا قدّم الأخير مرشحاً آخر، غير برهم صالح، لكن الاتحاد لا يملك غير صالح الذي لا يحظى بأي قبول لدى البارزاني".
واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذه الأزمة قد تنتهي بعد عيد الأضحى (بين 9 و12 يوليو/تموز الحالي)، والسيناريو الأقرب هو عرض مرشحين اثنين على مجلس النواب، وتبدو الغلبة لمرشح الديمقراطي، خصوصاً بعد أن ظهر توجّه مقتدى الصدر تجاه برهم صالح، على الرغم من أن الصدريين خارج العمل السياسي لكنهم باتوا لا يؤيدون بقاء صالح".
ولا يتمتع منصب رئاسة الجمهورية في العراق بأي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الذي أقر سنة 2005 باستفتاء شعبي عقب نحو عامين من الغزو الأميركي، إذ حصر الصلاحيات التنفيذية بشكل كامل في يد رئيس الحكومة، بينما منح رئيس الجمهورية مهامّ تشريفية، مثل توقيع المراسيم الجمهورية، وتقليد الأوسمة والأنواط، وتقديم مقترحات للقوانين والتشريعات، وتمثيل العراق في المحافل الدولية، فضلاً عن تكليف مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان، تشكيل الحكومة.