أعلن الرئيس بايدن الخميس أن على جميع الموظفين في وزارات الحكومة الفيدرالية ووكالاتها (أكثر من مليونين) والمتعاقدين معها وأفراد القوات المسلحة؛ أخذ اللقاح بشكل إلزامي ضد كورونا.
كما شدّد على أهمية الامتثال لتوجيهات "مركز الأمراض المعدية" بوجوب ارتداء الكمامات ومراعاة المسافة في أماكن معينة، حتى بالنسبة للذين أخذوا اللقاح بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، حثّ الرئيس باقي المواطنين غير الملقحين (أكثر من 150 مليونا) على الالتحاق بقافلة الذين اكتسبوا المناعة.
وقد جاءت خطوة بايدن وتوصياته هذه بعد تزايد انتشار متحور دلتا في الولايات الخمسين، بوتيرة متسارعة وأكثر فتكاً في صفوف غير الملقحين.
وقد ارتفعت الإصابات إلى فوق 60 ألفاً يومياً، بزيادة 59% خلال الأسبوع الأخير. وارتفعت الوفيات أيضاً بنسبة 25%، بمعدل أكثر من 300 يومياً، وازدادت حالات الاستشفاء بنسبة 97%. وقد بدأ هذا الصعود بعد تراجع واعد خلال أواسط الربيع الماضي، لعدة أسباب، يتقدمها الهبوط في الإقبال على التلقيح، مع انفلات زائد من الضوابط مع بداية الصيف. فحتى الآن ما زال نصف البلاد بدون تلقيح؛ منهم من امتنع من باب التشكيك أو الخوف من الآثار الجانبية للقاح، والأكثرية رفضت بعد أن جرى غسل دماغها بدوافع سياسية.
العديد من قيادات المحافظين والترامبيين السياسيين والإعلاميين؛ حرّضوا ضد اللقاح بزعم أن هناك تواطؤا طبيا-ديمقراطيا للاعتداء على حرياتهم! والغاية المخفية في هذا التحريض هي التخريب على التلقيح لحرمان بايدن من قطف ثمار نجاح حملة التصدي للوباء. لكن بعض قيادات الحزب الجمهوري استدركت الأمر في الأسبوع الأخير، وارتدت على خطابها لوقف زحف الجائحة وخطر استفحالها وخروجها عن السيطرة في صفوف قواعدها. لكن ذلك لا يمنع من أن بعض الولايات مثل تكساس ما زالت متمردة حتى على الكمامة.
لقد استحضرت أرقام الإصابات المرتفعة شبح الصيف الماضي والشتاء الطويل باهظ الكلفة الذي تلاه. وتكرار السيناريو يهدد بانتكاس اقتصادي من شأنه أن يشل رئاسة بايدن والمكاسب التي حققتها، مثل وصول النمو إلى 6,5% في النصف الأول من العام، وانفتاح الباب في الكونغرس لبعض مشاريعه الكبيرة التي سترتبط باسمه، مثل مشروع تجديد البنية التحتية في أميركا، الذي بدأ يشق طريقه حتى في أوساط الجمهوريين بمجلس الشيوخ. ولهذا خصّ الموضوع بخطاب مفصّل عن مخاطر دلتا وفعالية اللقاح، جمع فيه بين التوسّل والتحفيز، من خلال تخصيص 100 دولار لكل من يأخذ اللقاح، والإجبار حيث تسمح صلاحياته، لتوسيع دائرة المناعة، وبالتالي تلافي أزمة من العيار الثقيل. خاصة وأن افتتاح المدارس والجامعات على الأبواب.
لكن سعي الرئيس يواجه عقبات هائلة؛ محلية وعالمية.
إن نجاح خصوم بايدن في تسييس الموضوع يهدد بإفشال جهود إدارته لتعميم اللقاح بالحد الأدنى المطلوب، (فوق 70%) لتأمين ما يسمى بـ"مناعة القطيع"، القادرة على محاصرة الفيروس وعزله في جيوب قليلة. يضاف إلى ذلك أنه حتى الآن ليس هناك ما يكفل عدم تناسل الفيروس لتوليد متحولات جديدة أخطر من دلتا، وأكثر قابلية للعدوى والفتك. والأخطر أن مفعول اللقاح "يبدأ في التضاؤل مع الاقتراب من نهاية فترة ستة أشهر بعد أخذه".
إن محدودية اللقاح بهذه المدة كانت متوقعة، وأمس أكدتها شركة فايزر المنتجة له. والحديث الذي راج في الآونة الأخيرة عن الحاجة إلى جرعة ثالثة مع اقتراب الخريف؛ كان بمثابة مقدمة لما كشفته الشركة. وكلام الرئيس الخميس بأن الثالثة "غير لازمة الآن"، يصب في هذا التمهيد. وكذلك تلميحات المراجع الطبية، مثل الدكتور أنطوني فاوتشي والدكتور مايكل أوسترهولم وغيرهما مؤخراً حول هذا الاحتمال، كل ذلك كان بمثابة اعتراف بمحدودية اللقاح الذي سبق أن قالوا إنه لا يسعهم الحكم بشأنه قبل مرور ستة أشهر لتجميع المعلومات عن مدى فعاليته الزمنية.
وكأن في ذلك تسليم مضمر بأن إنتاج اللقاح جرى بصورة مستعجلة تحت ضغوط طبية وسياسية مارستها إدارة ترامب لوضعه في الاستعمال بأسرع ما يمكن، وبما أدى ربما إلى تصنيع منتج غير مكتمل العناصر. فاللقاح يكون عادة سنوياً مثل اللقاح المضاد للإنفلونزا، أو لعدة سنوات، أو أبدياً مثل اللقاح المضاد للالتهاب الرئوي أو شلل الأطفال (البوليو).
إن قصر مدة فعالية اللقاح يثير التساؤل. وثمة مشكلة أخرى يضعها المعنيون في خانة التحدي الهائل؛ وهي أن هزيمة الوباء تبقى في نهاية المطاف مرهونة بالقدرة على "تلقيح العالم" بأجمعه؛ وطالما بقيت حركة السفر والتجارة الدولية مفتوحة على حالها، فإن هذه المهمة تبدو شبه مستحيلة، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً لخيار واحد: التعايش مع هذا الفيروس بأقل الخسائر وحتى إشعار آخر.