يسود خلاف كبير في وجهات النظر بين الوزراء ومستشاري رئيس الجمهورية المصري عبد الفتاح السيسي وممثلي الجهات السيادية والأمنية، الأعضاء في لجنة مكافحة فيروس كورونا في مصر، بعد عودة أعداد المصابين الرسمية للزيادة بما يزيد عن 200 حالة يومياً للمرة الأولى منذ شهرين. وشكّل هذا التطور السلبي فشلاً للدولة في خفض النسب المرتفعة للوفيات من بين الحالات المسجلة، والتي تخطت 5.8 في المائة، مع استمرار الفجوة الكبيرة بين العدد الحقيقي للحالات المصابة والحالات المسجلة رسمياً. ويأتي ذلك في ظل إصرار الدولة بأجهزتها على المضي قدماً في إقامة الأنشطة المختلفة، ضاربة بعرض الحائط المخاوف والتحذيرات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة ورئاسة الوزراء والتراخي. وبلغ الأمر حد انعدام الاهتمام في تطبيق الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في الخطة الحكومية، التي وضعتها وزارة الصحة الصيف الماضي للتعامل مع الفيروس على المدى الطويل.
ووفقاً لمصادر حكومية واكبت النقاشات حول هذه القضية في مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، فإن وزيرة الصحة هالة زايد، تقدمت بعدد من التقارير الصادرة عن إدارات الوزارة عن وضع التفشي الوبائي، ومراقبة مدى التزام المنشآت الاقتصادية والتعليمية والحكومية المختلفة بالتدابير الموضوعة. وبدا واضحاً وجود خروقات لا تعد ولا تحصى، بما في ذلك ظواهر تدل على تواطؤ وزارة الداخلية ممثلة في الأمن العام مع أصحاب المحال التجارية والمطاعم والمقاهي وأماكن التجمعات، عدا المراكز التجارية الكبرى (المولات) للسماح لهم بخرق المواعيد المفروضة إدارياً منذ ثلاثة أشهر.
طلبت الداخلية والمخابرات التعامل "بروية" في الموجة الثانية من الفيروس خشية من انفجار اجتماعي
لكن النقاشات التي سبق أن دارت في لجنة المكافحة، عطّلت اهتمام الوزراء بما جاء في تقارير الصحة التي تحذر من كارثة وفقاً لمؤشرات الموجة الثانية من الوباء. وطلب ممثلو وزارة الداخلية والمخابرات ضرورة التعامل "بروية" مع المواطنين وأصحاب المصالح الاقتصادية، تحسباً لإمكانية حدوث انفجار اجتماعي نتيجة ضعف الدخول واحتياج المواطنين للوظائف والعمل في عدة أشغال يومياً. واستند هؤلاء على تضرر بعض القطاعات من فترة التوقف الأولى بسبب كورونا، التي لم تتعافَ حتى الآن من آثار ضعف الموارد، ولا من قرارات فصل واستبعاد مئات الآلاف من العمال المؤقتين، لا سيما مع تزامن فترة التوقف والوباء، مع قرار وقف البناء على مستوى الجمهورية، الذي سيستمر حتى الأسبوع الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
وللأسباب ذاتها، لم تحسم الداخلية والمخابرات خلافات أخرى حول استغلال الظرف الحالي لفرض مواعيد دائمة لغلق المصالح التجارية يومياً، في إطار رغبة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في "ضبط الشارع"، وتقليص ساعات الأنشطة الاقتصادية الحرة غير الحكومية. وما زالت دوائر عدة تنصح بتأجيل اتخاذ هذه الخطوة، خوفاً من تفاقم البطالة وما قد تهدد به من تنامي الغضب الشعبي ضد النظام، لا سيما أن زيادة أعداد العاطلين من العمالة المؤقتة وغير المنتظمة وغير المؤمّن عليها، كانت من أسباب اندلاع الحراك الشعبي الأخير في سبتمبر/أيلول الماضي، في عدد من المناطق الريفية والفقيرة بالجيزة والقاهرة ومحافظات الصعيد.
ودخل على الخط في المناقشات الحالية وزراء المجموعة الاقتصادية، خصوصاً وزير المالية محمد معيط، الذي حذر من انتكاسة كبرى في حجم تدفق النقد الأجنبي اليومي وقدرة الحكومة على التعامل مع آثار الأزمة، إذا فرضت تدابير من بينها وقف الرحلات الجوية أو تقييد الانتقال بين المدن الساحلية على البحر الأحمر والقاهرة والأقصر وأسوان. وأبدى قلقه من وقف الاحتفاليات الثقافية والفنية المقررة خلال الفترة المقبلة، ومن بينها مهرجانا القاهرة والإسكندرية السينمائيان الدوليان، اللذان تبحث لجنة المكافحة إلغاءهما حالياً، بعد ارتفاع أعداد الإصابات، والاشتباه بين المشاركين في مهرجان الجونة السينمائي ومهرجان الموسيقى العربية.
وبحسب المصادر، فإن تلك الاعتبارات أدت إلى تعديلات كبيرة في مسودة كان مجلس الوزراء قد وضعها، بالاشتراك مع وزارة الصحة والجهات الأمنية والسيادية للتعامل مع الموجة الثانية من الوباء، كما أدى إلى تعطيل عرضها الأربعاء الماضي في مجلس الوزراء. لكن بعيداً عن المبررات الأمنية والمالية للتأخر في فرض قيود على الحركة والأنشطة، فإن أجهزة النظام تتجه إلى عدم تعطيل الدراسة أو العمل بالمؤسسات الاقتصادية بأي شكل، لأسباب سياسية. مع أنه قد تتوقف الدراسة جزئياً في عدد من المدارس أو يتوقف العمل بعدد من المصانع والمصالح. ويهدف السبب الرئيسي لاعتماد هذا المسار، إلى طمأنة المستثمرين المحليين والأجانب على استمرار مساندة الدولة لهم، وتمكينهم من ممارسة الأعمال نظير استمرار ضخ الأموال وتوفير فرص العمل في السوق المصرية.
في المقابل، تؤكد وزارة الصحة أنها قادرة حتى الآن على استيعاب أعداد الإصابات المتوقعة مع دخول فصل الشتاء والمضي قدماً في الدراسة، في المستشفيات الحكومية، لكنها وضعت عدة شروط لاستمرار قدرتها، على رأسها التفعيل السريع عند الحاجة لمجمع العزل الذي أقامته القوات المسلحة في مجمع معارضها بالقاهرة الجديدة ولم يستخدم، ودخول المستشفيات الجامعية والعسكرية بمختلف المحافظات للخدمة عند الحاجة. ومن ناحية أخرى التأكيد على سرعة إغلاق المدارس والكليات والمعاهد التي تظهر فيها حالات، مع عودة تخفيض عدد ساعات عمل المجمعات التجارية وأماكن الترفيه، تحديداً المقاهي وصالات الرياضة والملاعب الأهلية.
كما شددت الوزارة على ضرورة إنهاء حالة الإهمال المستمر من قبل الشرطة والجهات الرقابية الأخرى في تنفيذ الإجراءات الاحترازية وتطبيق العقوبات المقررة على المواطنين، الذين يتجاهلون ارتداء الكمامات في وسائل المواصلات العامة وكذلك الأماكن العامة المغلقة التي تسمح بمثل هذه المخالفات. ورصدت فرق وزارة الصحة في حملاتها التفتيشية غير المنتظمة للمطاعم والمقاهي والمناطق السياحية والصناعية، تجاهلاً متزايداً لتعليمات السلامة والتباعد الاجتماعي والإجراءات، التي تضمنها البرنامج الذي أعدته الوزارة للتعايش مع كورونا. وهو البرنامج الذي لم يتم اعتماده رسمياً وأخذت منه الحكومة بنوداً محدودة، استجابة لضغوط مارستها بعض الجهات على ما ستتكلفه من أموال طائلة تفوق ميزانيتها في تطبيق بعض البنود مثل الإلزام بارتداء الكمامات، وشراء المواد المطهرة، وزيادة المركبات الخاصة بنقل العمال، وتخصيص أماكن داخل المنشآت كعيادات وأماكن للعزل.
وبحسب المصادر، فإن الأعداد المصابة فعلياً بالفيروس ما زالت أكبر من المسجلة رسمياً بنسب غير معروفة، بسبب توسع وزارة الصحة في الاعتماد على العزل المنزلي للمصابين بمجرد التشخيص، والتخلص من الحالات المصابة بعد وقت قصير من إيداعها المستشفيات، بالسماح بخروجها وقضاء باقي وقت العلاج بالمنزل، كجزء من خطة الاعتماد على العزل المنزلي. وجاء ذلك بعد 5 أشهر من صدور تعليمات تنص على خروج الحالات المستقرة خلال أسبوع من تاريخ دخولها، من دون إجراء مزيد من الفحوصات أو انتظار تحول نتيجة تحاليلها من إيجابية إلى سلبية. وتسبّب هذا الأمر في إشاعة حالة من الاستهانة بالمرض في أوساط المصابين والمخالطين لهم، فضلاً عن عدم ملاءمة نسبة كبيرة من المساكن في المناطق الفقيرة والريفية في مصر لتطبيق العزل المنزلي بصورة صارمة، مما حوّل هذه الحالات المستقرة ظاهرياً إلى ما يشبه القنابل العنقودية، التي يمكن نقل المرض بواسطتها للعشرات من المخالطين المباشرين وغير المباشرين.
تحذيرات من وقف تدفق النقد الأجنبي في حال وقف الرحلات الجوية
وتكاملت هذه التعليمات مع توسع الدولة منذ نهاية يونيو/حزيران الماضي في الاعتماد على العزل المنزلي وانتشار طرق العلاج بين المواطنين بصورة تقليدية، عبر وسائل الإعلام ومجموعات المصابين وحالات الاشتباه المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب تخوف المواطنين من التوجه للمستشفيات، بسبب شكاوى المصابين وذويهم من ضعف الإمكانيات وعدم توافر الأسرة خصوصاً في وحدات الرعاية المركزة. الأمر الذي تسبب في وجود عدد كبير من المصابين خارج منظومة الصحة الرسمية لم يتم تسجيلهم، واعتمدوا على أنفسهم أو على أطباء في التشخيص بواسطة الأعراض.
ومنذ ذلك الوقت أوقفت وزارة الصحة ربط صرف العلاج من المستشفيات بوجوب إجراء تحليل موجب للحالة، فمن الممكن الصرف بناء على الأشعة أو التشخيص الطبي الصادر من طبيب للحالة، طالما كانت معزولة منزلياً ولا يتطلب الوضع دخولها المستشفيات، مما ساهم في توفير العلاجات الرسمية أيضاً للمصابين وبالتالي استمرار عزلهم خارج منظومة التسجيل.
مع العلم أنه في تصريحات سابقة، ذكرت مصادر في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد" أن هناك مؤشرات عدة لزيادة الأعداد خارج منظومة التسجيل، مثل ارتفاع الإقبال على الأدوية الخاصة بعلاج كورونا حسب البروتوكول المعتمد من وزارة الصحة، بعد الاتفاق مع الشركات المصنعة للأدوية على زيادة ضخ الكميات في الأسواق.