كرونولوجيا حرب الطاقة بين روسيا وأوكرانيا

29 اغسطس 2024
منشأة طاقة أوكرانية متضررة في كييف، 19 إبريل 2024 (غينيا سافيلوف/فرانس برس)
+ الخط -

فيما تخوض روسيا وأوكرانيا حرباً على الأرض، تستمر المعارك الطاحنة على خطوط الجبهة للتقدم في مناطق جغرافية محددة، تشتعل حرب أخرى بواسطة المسيّرات والصواريخ وراء الخطوط وتتسبّب في حرائق وانقطاعات في إمدادات المنتجات النفطية تارة، وإغراق مناطق واسعة في الظلام أو حرمان أخرى من التدفئة، تارة أخرى. وتصاعدت الهجمات على البنى التحتية للطاقة في روسيا وأوكرانيا في الأشهر الأخيرة. وعلى الرغم من تأكيد بيانات الجانبين الروسي والأوكراني أن الاستهداف اقتصر على المرافق الداعمة للمجهود الحربي للطرف الآخر، بهدف التأثير في سير العمليات العسكرية، فإن الضربات المركزة على مصافي النفط ومخازنه، ومحطات الطاقة تسبّبت في حرمان مئات آلاف المواطنين من الطاقة الكهربائية لفترات مختلفة، كما أدى إلى رفع أسعار المشتقات النفطية وخسائر كبيرة لمختلف القطاعات الاقتصادية. وأمس الأربعاء، أفادت عدة قنوات روسية على منصة تليغرام، بأن مسيرات أوكرانية تسببت في اندلاع النيران بعدد من خزانات النفط في مستودع غلوبوكينسكايا للنفط في منطقة روستوف الروسية. ولا يزال حريق آخر مستعراً منذ 18 أغسطس/ آب الحالي في منشأة لتخزين الوقود في مدينة بروليتارسك في روستوف بعد تعرضه لهجوم أوكراني.

وكانت روسيا قد شنّت الاثنين الماضي أضخم هجوم منذ بداية الحرب في 24 فبراير/ شباط 2022، على منشآت الطاقة الأوكرانية، شمل 15 مقاطعة على كامل الجغرافيا الأوكرانية. واستخدمت روسيا أكثر من 200 صاروخ وطائرة مسيّرة، وأسفر عن انقطاعات كبيرة في الكهرباء وإمدادات المياه. وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها هاجمت منشآت الكهرباء والغاز، بالإضافة إلى مواقع تخزين الأسلحة الغربية. وأضافت الوزارة، في بيان، أنه "تم ضرب جميع الأهداف المحددة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل نقل الأسلحة والذخائر بالسكك الحديدية إلى خط الجبهة". وشملت الضربات على مرافق الطاقة في مقاطعات فولين وريفني في الشمال الغربي، وخميلنيتسكي ولفيف وإيفانو فرانكيفسك في الغرب، وجيتومير في الشمال، ودنيبروبتروفسك وكيروفوغراد وفينيتسيا في وسط أوكرانيا، وزابوريجيا في الجنوب الشرقي وأوديسا في الجنوب. وقالت أوكرانيا إن محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في منطقة كييف استُهدفت، وأظهر مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي تضرر السد بعد ضربه بصاروخ.

شنّت روسيا أضخم هجوم على منشآت الطاقة الأوكرانية الاثنين الماضي

استهداف البنى التحتية في روسيا وأوكرانيا

وبدا أن تصاعد استهداف البنى التحتية للطاقة في روسيا وأوكرانيا بات جزءاً من استراتيجية الحرب لدى الطرفين بهدف تعطيل قدرة الخصم العسكرية، وإلحاق خسائر اقتصادية، وزيادة النقمة الشعبية لدى مواطني الدولة الأخرى. قبل الهجمات الروسية الاثنين الماضي، استضافت مدرسة الاقتصاد في كييف، في 19 أغسطس الحالي، عرضاً عاماً لدراسة تقييم الأضرار والخسائر التي لحقت بقطاع الطاقة الأوكراني بسبب الحرب. ووفقاً للخبراء الذين أعدوا الدراسة، تجاوزت قيمة الأضرار التي لحقت بقطاع الطاقة في أوكرانيا 56 مليار دولار، بما في ذلك 16 مليار دولار من الدمار المادي المباشر وأكثر من 40 مليار دولار من الخسائر المالية غير المباشرة. وخلص الخبراء إلى أن الاستعادة الكاملة لقطاع الطاقة بموجب مبدأ "إعادة البناء بشكل أفضل" ستتطلب 50.5 مليار دولار.

وفي سياق حرب الطاقة بين روسيا وأوكرانيا باشرت موسكو استهداف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا منذ الأيام الأولى للحرب. وفي 4 مارس/ آذار 2022 شنت روسيا هجوماً على محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية، وهي الكبرى في أوروبا. واندلع حريق في أحد مباني التدريب بالمحطة، ما أثار مخاوف بشأن السلامة النووية. وبعد الانسحاب من محيط كييف في ربيع 2022، شنت روسيا عدة ضربات بالصواريخ والطائرات في يونيو/حزيران من العام نفسه على محطات توليد الكهرباء ومحطات التحويل في أوكرانيا. وتسبّبت هذه الهجمات في انقطاع الكهرباء عن العديد من المدن الأوكرانية. وكثفت روسيا هجماتها على شبكة الطاقة الأوكرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2022 انتقاماً لاستهداف أوكرانيا جسر كيرتش في شبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في عام 2014، وحينها غرقت العاصمة كييف ومدن أخرى في الظلام. وزادت حدة الهجمات على مرافق الطاقة في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، وأطلقت روسيا 158 صاروخاً وطائرة مسيّرة استهدفت البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، في هجوم هو الأكبر حتى ذلك الحين. وحرمت الهجمات عشرات آلاف المنازل من التدفئة في فصل الشتاء.

في الربيع الماضي، هاجمت روسيا بشكل منهجي قدرات توليد الطاقة الأوكرانية، واستهدفت التوربينات والمولدات ومعدات التحكم بهجمات مشتركة ضخمة كانت فعالة للغاية، واستهدفت الطاقة الحرارية والكهرومائية، ومن ضمنها تدمير وحدات توليد الطاقة في منطقة دنيبرو، والتي تعد أكبر محطة للطاقة المائية في أوكرانيا. وجاء الاستهداف رداً على ضرب مصافي النفط الروسية. وفي يونيو الماضي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن روسيا دمرت نصف قدرة توليد الكهرباء في بلاده، منذ أن بدأت في ضرب منشآت الطاقة في أواخر مارس الماضي. ومع تحول المعارك إلى حرب موضعية بين روسيا وأوكرانيا من دون تغيرات كبيرة على خطوط الجبهة، وبعد زيادة قدراتها الصاروخية وفي مجال الطائرات بدون طيار، زادت أوكرانيا هجماتها على البنى التحتية للطاقة في روسيا. ومنذ مطلع العام الحالي هاجمت أوكرانيا منشآت البنية التحتية الروسية للنفط أكثر من 60 مرة وثقتها المواقع الإخبارية الروسية. وبثت قنوات "تليغرام" الروسية مقاطع فيديو وثقت قرابة 50 حريقاً على مصافي النفط ومرافق التخزين.

كثّفت أوكرانيا استهداف منشآت الطاقة الروسية

وركزت القوات الأوكرانية على ضرب أهداف في المقاطعات الروسية القريبة من الحدود. وشن الأوكرانيون 17 هجوماً على مرافق البنية التحتية في مقاطعة كراسنودار، جنوبي روسيا، و5 هجمات على مقاطعة روستوف، حيث تلقت روسيا من أقوى الضربات في منشأة لتخزين النفط في مدينة بروليتارسك. وفي 22 أغسطس الحالي، أعلنت البحرية الأوكرانية مسؤوليتها عن هجوم على ميناء قوقاز قرب جسر القرم في مقاطعة كراسنودار الروسية. وذكرت في بيان، أنها استهدفت عبّارة للسكك الحديد تحمل 30 خزاناً، وذكرت مواقع اخبارية أن العبّارة غرقت بعد فشل السيطرة على النيران فيها. وشكل استهداف منشأة لتخزين النفط في مقاطعة لينينغراد، شمال غربي روسيا، في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي نقلة نوعية في عمليات أوكرانيا. وحينها تبنّت كييف استهداف المنشأة الواقعة على بعد 900 كيلومتر عن الحدود بعدد من المسيّرات. وبعدها بيوم، أعلن مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية، أن قوات بلاده تقف وراء هجوم أدى إلى حريق هائل في مستودع للنفط في بلدة كلينتسي الواقعة على بعد حوالي 70 كيلومتراً عن الحدود الأوكرانية.

ارتفاع أسعار البنزين في موسكو

ومنذ مطلع العام الحالي حتى منتصف مارس الماضي، هاجمت أوكرانيا 13 منشأة نفطية لتكرير أو تخزين النفط في روسيا، ما تسبّب في ارتفاع أسعار البنزين. وفرضت روسيا حظراً على صادرات البنزين بين شهري مارس ومايو الماضيين. وفي نهاية يوليو/تموز قررت موسكو فرض الحظر حتى نهاية العام الحالي لمنع النقص في السوق المحلية وكبح ارتفاع الأسعار التي ارتفعت نتيجة شح المعروض. ومرافق النفط الروسية هدف منطقي للقوات الأوكرانية، فالنفط هو أحد أهم مصادر دخل الموازنة الروسية، والضامن لاستمرار تمويل الحرب على أوكرانيا. ومن الواضح أن تركيز معظم الضربات في المناطق الحدودية كان بهدف قطع الإمدادات عن القوات الروسية على الجبهات في لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون إضافة إلى منطقة خاركيف.

وإضافة إلى تأثير حرب روسيا وأوكرانيا الطاقوية على الاقتصاد الروسي، وإضعاف الروح المعنوية للروس ورفع معنويات الأوكرانيين، فإن رهان العسكريين الأوكرانيين، منصبّ على سحب روسيا قسماً من أنظمة الدفاع الجوي من الجبهات لحماية مصافي النفط ومخازنه ومنصات تصديره، وهو ما لم يحصل حتى الآن. وعلى الرغم من الأثر المعنوي الكبير للهجمات الأوكرانية على منشآت النفط الروسية، فإنها لم تؤثر كثيراً بوتيرتها الحالية على قدرة روسيا على تمويل حربها مع ارتفاع الأسعار العالمية، في ظل عدم استهداف أوكرانيا حقول النفط البعيدة في غرب روسيا، أو خطوط نقل الغاز. والواضح أن الخسائر الحقيقية التي تكبّدتها روسيا من موجة الهجمات على مصافي التكرير لا تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات لكل مصنع، ورغم أنه مبلغ كبير مقارنة بكلفة الهجمات، إلا أنه لم يؤثر كثيراً. ووفقاً لوكالة بلومبيرغ في يونيو الماضي، قامت روسيا بتكرير 5.2 ملايين برميل من النفط يومياً في المتوسط في إبريل/نيسان الماضي، مقارنة بـ 5.5 ملايين في يناير الماضي. وحسب الخبراء فإنه في حال تراجع قدرة التكرير الروسية بنحو 300 ألف برميل بسبب الهجمات فإن الخسارة لم تتجاوز 135 مليون دولار في إبريل الماضي، الذي حققت فيه روسيا 16 مليار دولار من صادراتها النفطية.