استمع إلى الملخص
- هاريس، ابنة مهاجرين من جامايكا والهند، حققت إنجازات سياسية بارزة، منها كونها أول امرأة تتولى منصب المدعي العام في كاليفورنيا وأول سيناتور أميركي من أصل هندي، وتتمتع بشعبية كبيرة بين الشباب والنساء.
- تزوجت من دوغ إيمهوف، محامٍ يهودي، ولديها ابنان. ستواصل تبني نهج حزبها في السياسة الداخلية وحقوق المرأة، وأبدت مواقف قوية تجاه معاناة الفلسطينيين، مع سياسات مشابهة لبايدن تجاه إيران والصين وروسيا وأوكرانيا.
مع إعلان الرئيس جو بايدن تنحيه عن السباق الرئاسي، صعد اسم نائبة الرئيس كامالا هاريس سريعاً لتكون الأبرز حظوظاً للحصول على بطاقة الترشح الرئاسية لحزبها. وتبدو هاريس محظوظة بالموقف الذي وجدت نفسها فيه، فمنذ بضعة أشهر لم يكن يخطر في بال أحد أن الرئيس جو بايدن سيتنحى بفعل مناظرة رئاسية مع الرئيس السابق دونالد ترامب اقترحها هو نفسه، وحدد هو قواعدها وموعدها، وأن الوقت (الذي تأخر) لن يسمح لحزبها الديمقراطي بإجراء انتخابات تمهيدية كاملة تتيح لآخرين منافستها، فاختارت اللجنة الوطنية للحزب وضع قواعد قد تمكن غيرها من الترشح، لكن تمكنها هي وحدها من استيفاء شروط الترشح.
بدأت كامالا هاريس حياتها وهي رضيعة كمناضلة. لم يكن الأمر بإرادتها، كان والداها يناضلان بحكم انتمائها لحركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي، عندما اصطحباها إلى الاحتجاجات في عربة أطفال، لم تكن هذه هي لحظات النضال الوحيدة في حياتها وهي طفلة، فهي تفخر بأنها قادت، هي وأختها مايا، تظاهرة ناجحة أمام باب منزلهما، عندما عاشت في كندا مع والدتها، ضد سياسة الحكومة التي تمنع الأطفال من اللعب في حديقة المنزل.
محطات رئيسية خاضتها نائبة الرئيس الأميركي تعطي لها دفعة كبيرة، حال منافستها رسمياً ترامب مرشح الحزب الجمهوري، خاصة في ظل شعبيتها الكبيرة والمتزايدة بين الشباب الأقل من 34 عاماً، وبين فئة النساء، وهما الفئتان اللتان كانتا السبب الرئيسي في فوز بايدن بالرئاسة في 2020.
كامالا هاريس ابنة مهاجرين
تمثل كامالا هاريس الحلم الأميركي، فهي ابنة مهاجرين هما دونالد هاريس خبير اقتصادي من جامايكا، وشاميالا غوبالان باحثة سرطان من الهند، ولدت في كاليفورنيا عام 1964، التقى والداها في الجامعة وشاركا في الحراك السياسي وقتها، جدها لأمها ناضل من أجل الاستقلال في الهند، أنشأتها أسرتها معتدة بهويتيها الجنوب آسيوية والسوداء. وعلى مدار تاريخها السياسي حققت الكثير من الإنجازات، فهي أول امرأة تتولى منصب المدعي العام في تاريخ ولاية كاليفورنيا، وأول سيناتور أميركي من أصل هندي، وفي طريقها، حال فوزها بانتخابات الرئاسة، لتكون أول امرأة وأول أميركية سوداء وآسيوية تتولى رئاسة البلاد.
جرّبت كامالا هاريس في طفولتها نظام الفصل العنصري في المدارس الذي استمر في الولايات المتحدة حتى سبعينيات القرن الماضي، ثم قضت فترة دراستها المتوسطة والثانوية في مونتريال بكندا قبل أن تلتحق بجامعة هوارد الشهيرة للسود في العاصمة واشنطن، كما انضمت إلى نادي "ألفا كابا ألفا"، أقدم نوادي الخريجات الأميركيات من أصل أفريقي، ودرست القانون في كلية هايستينغز بجامعة كاليفورنيا، ولديها في حياتها الكثير من القصص التي يمكن أن تستخدمها في حملتها الانتخابية الرئاسية في مجتمع يحب حكايات المعاناة والصعود، مقابل رئيس سابق ولد وفي يده ملعقة من ذهب بفعل ثراء والده.
ومثلت هاريس من طفولتها إلى حياتها المهنية قصة صعود محببة في الحياة الأميركية. تقول عن نفسها في فترة الفصل العنصري: "كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا. كانت من ضمن الصف الثاني الذي شمله الاختلاط في مدرستها، وكانت تنتقل بالحافلة إلى المدرسة كل يوم.. تلك الفتاة الصغيرة هي أنا"، وتحكي أن والدتها كانت تقول لها على الدوام: "قد تكونين الأولى في القيام بالكثير من الأمور، لكن احرصي على ألا تكوني الأخيرة".
صعود وهبوط في تاريخها السياسي
في عام 2003 ترشحت هاريس لمنصب المدعي العام لمنطقة سان فرانسيسكو، كانت تؤمن بأنها قادرة على تغيير النظام من الداخل، وبعد بضعة أشهر على توليها المنصب توترت علاقتها بالشرطة لرفضها فرض عقوبة إعدام على شخص قتل ضابط شرطة أثناء أداء واجبه. وفي عام 2007 كانت تطرق الأبواب في ولاية أيوا لدعم باراك أوباما لسباق الرئاسة، الذي أيّدها فيما بعد لمنصب المدعي العام في كاليفورنيا. وعقب انتخابها للمنصب تعهدت بدعم إلغاء عقوبة الإعدام، مؤكدة أنها تعارضها أخلاقياً.
مع ذلك ينتقد كامالا هاريس العديد من اليسار والسود، مؤكدين أن سجلها في دعم السود والأقليات سيئ، وأنها لم تفعل ما يكفي للتصدي لوحشية الشرطة، مستدلين بحادثة مقتل شباب سود على يد الشرطة، ورفضها الإلزام بالتحقيق في إطلاق النار من قبل الشرطة، رغم تنفيذها بعد تغييرات مثل تتبع البيانات العرقية في عمليات التوقيف على يد قوات الأمن. لكن رغم ذلك يرون أنها "اختيار الضرورة"، في مواجهة ترامب الذي يعد "المسيحيين" بأنهم ليسوا بحاجة إلى التصويت مرة أخرى بعد 4 سنوات من الآن لأنه "سيصلح كل شيء".
وفازت كامالا هاريس بسباق مجلس الشيوخ في 2016، واستخدمت مهاراتها كمدعية عامة في الاستجوابات، وتعد أبرز لقطاتها داخل الكونغرس عندما سألت قاضي المحكمة العليا الحالي بريت كافانو حول ما إذا كان يعرف أي قوانين تمنح الحكومة "سلطة تنظيم جسد الرجل"، وردّ حينها "لا أعرف".
انسحابها من سباق الرئاسة ضد بايدن في 2019
بعد نحو عامين من توليها عضوية مجلس الشيوخ، أعلنت عن خوض سباق الترشح للانتخابات الأولية للرئاسة للديمقراطيين، لكنها لم تكن مقنعة وأعلنت انسحابها في نهاية 2019 قبل بدء الانتخابات التمهيدية في أيوا، وشهدت مناظرتها قبل انسحابها مع بايدن، الذي فاز لاحقاً بترشح الحزب والرئاسة، انتقاداً شديداً له بسبب موقفه من الفصل العنصري في المدارس والتي عانت بسببه عندما كانت في الابتدائية، لاحقاً اختارها بايدن نائبة له، وحالياً أعلن تأييده لها لتكون مرشحة الحزب للسباق الانتخابي.
توجه انتقادات حادة لهاريس فيما يخص تعاملها مع أزمة الحدود، وهي السلاح الأكبر الذي يحاول ترامب استخدامه ضدها واتهامها بالفشل، حيث تم تكليفها بالعمل على قضايا الهجرة من أميركا الوسطى، ووجه الجمهوريون اللوم أكثر من مرة بسبب مشاكل عبور الحدود غير القانوني. غير أنها عقب إلغاء المحكمة العليا قضية رو ضد وايد في عام 2022، برزت باعتبارها أكثر المدافعين في البيت الأبيض عن حقوق الإجهاض، بالإضافة أيضاً لدورها في التواصل مع الشباب والأقليات.
نبذة عن أسرة هاريس: زوجها دوغ إيمهوف يهودي
تزوجت هاريس من دوغ إيمهوف (59 عاماً) عام 2014، وهو من عائلة يهودية في بروكلين نيويورك، ويعمل محامياً في شركات لعبت دوراً بارزاً كحلقة وصل مع الجالية اليهودية الأميركية. سبق أن تحدث عن جهود الإدارة لمكافحة معاداة السامية. وفي حال فوز زوجته بالرئاسة، فإنه سيكون أول رجل يحصل على لقب "السيد الأول" في تاريخ الولايات المتحدة.
لدى إيمهوف ابنان من زواجه الأول: إيلا إيمهوف، عارضة أزياء (25 عاماً)، سبق أن شاركت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في الترويج لحملة التبرع لأطفال غزة، كان قد أطلقها صندوق إغاثة الأطفال الفلسطينيين (منظمة غير ربحية مقرها أوهايو)، والثاني كول إيمهوف (30 عاماً)، ويعمل مساعداً ومنتجاً للأفلام.
ملامح سياستها الداخلية
ستواصل كامالا هاريس تبني نفس نهج حزبها في ما يخص السياسة الداخلية، وعلى وجه التحديد حق المرأة وحقوق الإجهاض، ورغبة الحزب في حظر الأسلحة الهجومية، والتركيز على تعزيز شبكة الضمان الاجتماعي، وزيادة الضرائب على الفئة الأكثر ثراء، كما أنها ستدافع عن سياستها في ما يخص الهجرة. وتشير إلى أن الجمهوريين رفضوا خطة لإصلاح نظام الحدود اقترحتها إدارة بايدن لأغراض سياسيّة. وقالت في أحد خطاباتها، عقب إعلانها خوض السباق "نرى مستقبلاً يتمتع الجميع فيه برعاية صحية ميسورة التكلفة ورعاية أطفال ميسورة التكلفة وإجازات مدفوعة الأجر - ليس لبعض الناس، بل للجميع. نرى مستقبلاً يتمتع فيه كل طالب بالدعم والموارد التي يحتاجها للنجاح، ومستقبلاً لا يضطر فيه أي معلم إلى النضال مع عبء ديون قروض الطلاب، نرى مستقبلاً لا يضطر فيه أي طفل إلى النمو في فقر، ويمكن لكل كبار السن التقاعد بكرامة، ويتمتع فيه كل عامل بحرية الانضمام إلى نقابة".
موقفها من الحرب على غزة
طبقاً لمشروع "Track Aipac"، فإن لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، وهي اللوبي الأميركي لدعم إسرائيل، موّلت هاريس بنحو 5.4 ملايين دولار.
منذ بدء حملتها الانتخابية عقب تنحي بايدن، تحاول هاريس ألا تضع نفسها في نفس "خندق" الرئيس الحالي بايدن فيما يخص الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ففي البداية لم تحضر خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، الأربعاء الماضي، معللة ذلك بأن لديها ارتباطات سابقة، رغم أن جدول زيارة نتنياهو محدد منذ أشهر، وعقب لقائه معه، الخميس، أطلقت هاريس تصريحات توصف بأنها أقوى خطاب تم سماعه من البيت الأبيض منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي دعت إلى إنهائها، قائلة إنها "لن تصمت" عن معاناة الفلسطينيين. ومع أنه بدا واضحاً منذ الكلمات الأولى في خطابها التزامها التام بأمن إسرائيل الكامل وفق السياسة الأميركية المعتادة، إلا أنها في الوقت ذاته، كانت متشددة في يخص قتل المدنيين، وقالت إنّه "لا يمكن غض الطرف هذه المآسي".
وروت في تصريحاتها أنها كانت تجمع الأموال وهي طفلة لزراعة الأشجار في إسرائيل، وكررت مرتين "التزامها الثابت" بأمن إسرائيل، وهو ما يتفق مع موقف إدارة بايدن ومواقف جميع الإدارات الأميركية السابقة، لكن في الوقت ذاته، أشارت إلى قلقها الشديد بشأن حجم المعاناة الإنسانية في غزة، بما في ذلك وفاة عدد كبير جداً من المدنيين، وبشأن "الوضع الإنساني المزري هناك، حيث يواجه أكثر من مليوني شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي ونصف مليون شخص يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد".
ووجهت كلمة إلى من وصفتهم بأنهم "من يدعون إلى وقف إطلاق النار وإلى كل من يتوق إلى السلام"، قائلةً: "أنا أراكم وأسمعكم"، (تقصد المتظاهرين، والأميركيين العرب واليهود الذي يدعون لوقف إطلاق النار في غزة)، ودعت إلى الاستجابة لمبادرة وقف إطلاق النار التي أطلقها بايدن، ووصفت ما حدث في غزة على مدى الأشهر التسعة الماضية بأنه "مدمر"، وقالت إنّ "صور الأطفال القتلى والأشخاص اليائسين والجوعى الذين يفرون بحثاً عن الأمان، وأحياناً ينزحون للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، لا يمكننا أن نغض الطرف عنها، ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح غير مبالين بالمعاناة، ولن أصمت"، وهي لهجة جديدة على الإدارة الأميركية الحالية.
يُذكر أنه على مدار الأشهر الماضية وجهت كامالا هاريس انتقادات لإسرائيل لكن لم تكن بهذه الحدة، ففي الأسبوع الأول من مارس/ آذار الماضي، دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، ووجهت انتقادات حادة لإسرائيل، إذ قالت إنها "لا تفعل ما يكفي لتخفيف الكارثة الإنسانية في غزة". وكانت هاريس في ذلك الوقت أعلى مسؤولة رفيعة تدعو علناً إلى وقف الحرب على غزة، ومثلت تصريحاتها "الانتقادات الأكثر حدة" من مسؤول أميركي كبير. وقالت، في تصريحاتها، آنذاك، إن "الناس يتضورون جوعاً في غزة، وإن الظروف غير الآدمية وإنسانيتنا تلزمنا بالتحرك، وإنه يتعين على إسرائيل أن تفتح معابر حدودية جديدة، وحماية العاملين في المجال الإنساني، وحماية المساعدات وليس فرض قيود غير ضرورية".
ولم يكن هذا التصريح الوحيد لنائبة الرئيس الأميركي فيما يخص الحرب في غزة، حيث قالت في 28 مايو/ أيار الماضي إنّ "كلمة مأساة لا تكفي لوصف الضربة الإسرائيلية في رفح"، وفي يوليو/ تموز الماضي، قالت إنها تتفهم إحباط المتظاهرين الشباب المؤيدين لفلسطين، و"هذا ما يجب أن تكون عليه المشاعر الإنسانية".
أما فيما يخصّ إيران، فيتوقع أن تحافظ كامالا هاريس على نفس خطط بايدن ومن غير المرجح أن تقوم، في حال فوزها، بأي مبادرات كبيرة دون وجود إشارات جدية على أنّ إيران مستعدة لتقديم تنازلات، كما لا يتوقع الكثير من التغير في السياسات فيما يخص الصين وروسيا وأوكرانيا.