استمع إلى الملخص
كاجا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا منذ يناير 2021، معروفة بتشددها تجاه روسيا، حيث اتخذت إجراءات صارمة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، مما جعلها هدفاً لانتقادات موسكو.
- **دور كالاس في السياسة الأوروبية والدولية**
تم اختيار كالاس لتكون الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، حيث تسعى لتعزيز سياسة أوروبية صارمة تجاه روسيا ودعم غير مشروط لأوكرانيا.
- **التحديات والمخاوف البلطيقية**
دول البلطيق، بما في ذلك إستونيا، تخشى من التوسع الروسي بعد الغزو الأوكراني، مما يجعل هذه المخاوف محور عمل كالاس السياسي والدبلوماسي.
في إستونيا، الدولة الواقعة على بحر البلطيق والعضو السابق في جمهوريات الاتحاد السوفييتي والمستقلة منذ عام 1991، يُعرف اسم كاجا كالاس التي اختارها الاتحاد الأوروبي لتكون الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، خلفاً للإسباني جوزيب بوريل، مرادفا للتشدد مع روسيا.
وتشغل كالاس (47 عاماً) منصب رئيسة وزراء إستونيا منذ يناير/كانون الثاني 2021 بعد عقد من عضويتها في برلمان بلدها والبرلمان الأوروبي، وهي أم لثلاثة أطفال وابنة الإصلاحي سيم كالاس، رئيس الوزراء الأسبق في بلدها بين 2002 و2003. وكانت انتخبت لعضوية البرلمان الإستوني في 2011، وبين 2014 و2018 أصبحت عضواً في البرلمان الأوروبي، قبل أن تخلف أباها في قيادة حزب الإصلاح ومن ثم رئاسة الحكومة.
وتحمل كالاس ندوبا وطنية وشخصية لعلاقات غير جيدة بروسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، فوالدتها وجدتها وجدة أمها عاشوا في العصر السوفييتي ما عاشه آلاف الإستونيين، وغيرهم، من ترحيل جماعي إلى سيبيريا. ورغم مرور أكثر من 30 عاماً على استقلال إستونيا (البلد البلطيقي الصغير الذي يقطنه نحو مليون ونصف مليون نسمة) ما زال لا يوجد ترسيم حدود رسمي مع روسيا، كما أن ربع السكان (نحو 25%) هم من الناطقين بالروسية ويشكل ذوو الخلفية العرقية الإستونية نحو 68%.
لم يكن للاجتياح الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 تأثير رادع على تشدد كالاس في خطابها عن موسكو وأحياناً ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل شخصي، حتى أصبحت توصف بأنها أحد صقور السياسة الأوروبية. ورغم أن إستونيا عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي ما يشكل ضمانة أمنية ودفاعية في وجه المخاوف، فإن القلق من أن تصبح "الهدف التالي" بعد أوكرانيا يظل هاجساً لدى دول البلطيق (لاتفيا وإستونيا وليتوانيا) والتخوف مما تطلق عليه كالاس التوسع الروسي. وتختزل جملة "إذا كان الروس غاضبين مني، فلا بد أنني فعلت شيئًا صحيحًا" التي تكررها كالاس علاقتها مع موسكو والتي تطلق عليها الأخيرة مسمى "هستريا روسفوبيا".
وقامت كالاس إثر الغزو الروسي لأوكرانيا بإزالة آثار الحقبة السوفييتية والحرب العالمية الثانية من شوارع وساحات إستونيا، ما دفع موسكو إلى تصنيفها على أنها "كارهة للروس"، كما أغلقت حدود بلدها مع روسيا، بالتنسيق مع دول البلطيق الأخرى، بحجة منع جنود الاحتياط الروس من دخول دولهم، معتبرين أن معارضة الحرب من داخل روسيا أفضل من الهروب. عرّضها ذلك لانتقادات حقوقية وسياسية ورغم ذلك لم تتراجع.
وتطالب كالاس أوروبا بانتهاج سياسة صارمة مع بوتين ودعم غير مشروط لأوكرانيا، كما قالت في وقت سابق من العام الحالي في حديث لبرنامج "تاغس شاو" على التلفزيون الألماني آردي. ومع أن منصبها في تمثيل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بمحددات مشتركة، إلا أن التأثير الشخصي ولغة الخطابة والدبلوماسية العابسة بوجه الكرملين لها تأثير لا يمكن حتى لموسكو الاستهانة فيه.
مذكرة توقيف روسية بحق كاجا كالاس
وعرفت موسكو مبكراً أنه سيجري اختيار كالاس لمنصب غربي ما، وفي فبراير/شباط الماضي، قبل أربعة أشهر من الانتخابات الأوروبية، كان يُشاع أنها ربما تذهب لتكون خليفة لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، في حال لم تستطع الأخيرة جمع أغلبية برلمانية لتواصل مهمتها للسنوات الخمس القادمة، بل كانت ثمة تخمينات بأن تتولى منصب الأمانة العامة للأطلسي، خلفاً لينس ستولتنبرغ. وفي ذات الشهر (فبراير) أصدر بوتين مذكرة بحث وتوقيف بحق كاجا كالاس بتهمة "ارتكاب أعمال عدائية ضد روسيا".
وبالنظر لموقفها تجاه موسكو، لا يبدوغريباً اعتبار الكرملين أن اختيار كالاس خلفاً لبوريل يعتبر تعييناً معادياً لروسيا، ويتهمها مقربون من الكرملين في الصحافة الغربية بأنها تحمل مواقف "مسعورة ومتعنتة ومليئة بالرهاب من روسيا". وسواء كان الامتعاض من تصريحاتها المتشددة تجاه بوتين يأتي من داخل بلدها، وخاصة من الأقلية الروسية، أو من خارجه من قبل قوى أوروبية أغلبها في اليمين المتشدد ورافضي استمرار انخراط أوروبا في الحرب الأوكرانية، فهي تكرر موقفها القائل "بوتين يريدنا أن نخاف، وخوفنا يمنحه ما يريده بالضبط"، كما قالت لتلفزيون آردي الألماني.
ويأتي اختيار كاجا كالاس للمنصب، الذي استحدث رسمياً في 2009 على أساس معاهدة لشبونة وشغله كل من البريطانية كاثرين أشتون والإيطالية فيديريكا موغيريني وحالياً الإسباني جوزيب بوريل، بمثابة حاجة أوروبية لسياسات خارجية وأمنية مشتركة ومتماسكة في أوقات صعبة وغير يقينية على مستوى العلاقة بالحرب الأوكرانية والعلاقة بالحليف الأطلسي الآخر، أي الولايات المتحدة الأميركية، حيث يسود قلق من إمكانية أن يعود دونالد ترامب مجدداً إلى البيت الأبيض ويفرض بروداً وسلبية أميركية في العلاقة مع القارة المنشغلة في حماية مصالحها.
ومنصبها الأوروبي لا يعني فقط أن تتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بل هي ملزمة بالمشاركة في اجتماعات الحلف الأطلسي (ناتو) وفي الأمم المتحدة، إلى جانب إدارة الاجتماعات الشهرية لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، والتعامل الدبلوماسي مع التجارة والتنمية والمساعدات الإنسانية للبعثات العسكرية والمدنية الأوروبية حول العالم. وفي السنوات الأخيرة بات منصب "وزير خارجية الاتحاد الأوروبي" أكثر أهمية للقارة الأوروبية، حيث فرضت الحرب سياسات أخرى تعزز مساعي أوروبا وطموحها لتصبح لاعباً استراتيجياً دولياً. فمحاصرة شرر الحرب الأوكرانية وما تسميه "التوسعية الروسية" تأتي تزامناً مع رغبة أوروبية لتأكيد مصالحهم على مستوى الصراع بين أميركا والصين.
وإذا كانت الخطابة جعلت كاجا كالاس تبدو كأحد صقور السياسة الأوروبية، فإن المنصب يتطلب مهارة دبلوماسية لترجمة ما يخطط له في بروكسل وستراسبورغ. وبالطبع سيتعين عليها إظهار قدرة الفصل بين تاريخ أسرتها وبلدها في مسألة النفي بعد الحرب العالمية الثانية إلى سيبيريا، ومصالح القارة الجماعية. وما من شك في المقابل أن "الهجوم الروسي على أوكرانيا غير شعور الأمان عند الكثيرين من البلطيقيين وفتح جروحا قديمة" كما ذكرت كالاس في الذكرى الخامسة والسبعين لعمليات الترحيل الجماعي.
وتخشى دول البلطيق من نظرة بوتين لتفكك الاتحاد السوفييتي واستقلالية الجمهوريات التي عاشت في كنفه، ويرون في قدرته على النجاة رغم ضمه أراضي أوكرانية تحت ذريعة الناطقين بالروسية مقدمة لإمكانية التوسع نحوهم، حيث شكلوا قبل انضمام فنلندا إلى الناتو خاصرة رخوة للغرب. ورغم أن الكثير من الأمور تغيرت على مستوى العسكرة والالتزام الغربي بالدفاع عن دول البلطيق، إلا أن تلك المخاوف ستبقى حاضرة وستكون محور العمل السياسي-الدبلوماسي في فترة ولاية كاجا كالاس للسنوات الخمس القادمة.