دخلت الأزمة السياسية والتنظيمية التي يعيشها حزب "العدالة والتنمية" المغربي، جراء توقيع أمينه العام سعد الدين العثماني على اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، منعطفا جديدا، بعد أن أقدم أحد قادة الصف الأول، يوم الإثنين، على تجميد عضويته.
وكشفت مصادر قيادية في الحزب الإسلامي، لـ"العربي الجديد"، أن النائب أبو زيد المقرئ الإدريسي بعث برسالة إلى الأمين العام للحزب أخبره فيها بأنه جمد عضويته بسبب "ضمور قضايا الهوية والمرجعية الإسلامية في خطاب الحزب ومواقفه"، مطالبا بعقد المجلس الوطني (برلمان الحزب) في دورة تخصص لمناقشة ذلك الضمور.
وفي الوقت الذي أوضحت فيه المصادر، التي طلبت عدم كشف هويتها، أن الإدريسي أكد في رسالته أن "العدالة والتنمية"، اليوم، لم يعد ذلك الحزب الذي يعرفه، قلل مصدر من الأمانة العامة من خطوة تجميده للعضوية، معتبرا أنها تدخل في سياق "دغدغة المشاعر"، وأنه سرعان ما سيتم التراجع عنها.
ووفق المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإنه كان يمكن لموقف الإدريسي أن يكون له تأثير في حال كان قد قدم استقالته، كموقف يعبر عن معارضته لتوقيع الأمين العام لاتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل لا تجميد نشاطه، لافتا إلى أن اللحظة التي يعيشها الحزب تقتضي إيجاد أجوبة عن: ما العمل بعد أن باغته قرار التطبيع؟
وإلى جانب تجميد الإدريسي عضويته بسبب التطبيع، شكل تقديم عمدة مدينة الدار البيضاء، والوزير السابق، عبد العزيز عماري، استقالته من الأمانة العامة للحزب (الجهاز التنفيذي)، بسبب عدم تضامنها معه عقب الانتقادات الحادة التي وجهت إليه على خلفية ما عرفته العاصمة الاقتصادية من فيضانات، نقطة ضغط أخرى على قيادة الحزب التي تعمل على التقليل من الكلفة السياسية للتطبيع.
ومنذ العاشر من ديسمبر/كانون الأول الحالي، تاريخ إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق على استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، يعيش "العدالة والتنمية" على صفيح ساخن، جراء تباين مواقف هيئاته التنظيمية التي لم تستفق بعد من صدمة خطوة التطبيع، بين موقف رافض لها عبّر عنه كل من حركة "التوحيد والإصلاح"، الذراع الدعوية للحزب، والتنظيم الشبابي، وآخر تجنّب إعلان موقف صريح مباشر تمثّل بالأمانة العامة.
وفي الوقت الذي وجدت فيه قيادة الحزب، الذي يبني عقيدته السياسية منذ نشأته على رفض التطبيع، نفسها في موقف محرج أمام قواعدها والرأي العام، وهي تصطدم بقرار استئناف العلاقات مع تل أبيب، ألقى توقيع الأمين العام لـ"العدالة والتنمية"، سعد الدين العثماني، بصفته رئيساً للحكومة، على الإعلان الثلاثي بين الرباط وواشنطن وتل أبيب، بظلاله على الحزب، ووصل إلى حد المطالبة بإقالته والدعوة إلى مؤتمر استثنائي للإطاحة به من رأس الحزب.
وفيما يبدو أنّ الارتباك داخل الحزب هو سيد الموقف، يرى مراقبون أن التوتر التنظيمي الذي أحدثه التطبيع لن يتوقف، وأن ما قبل 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي تاريخ توقيع العثماني على الإعلان الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة ليس كما بعده بالنسبة للحزب الإسلامي الذي كان يمني النفس بقيادة حكومة ما بعد انتخابات 2021، في مؤشر على استمرار عنفوانه السياسي الذي بدأ مع لحظة 20 فبراير/شباط 2011 (النسخة المغربية من الربيع العربي) وتوج بقيادة حكومتين متتاليتين.
وإلى الآن، يبدو أن المساعي لتطويق ارتدادات التطبيع على البيت الداخلي وتجنيب الحزب انعكاسات أزمة كبيرة، لن تكون بلا ثمن. فسواء راهنت قيادة "العدالة والتنمية" على عامل الوقت لامتصاص الغضب العارم الذي يسود في قواعد الحزب وهيئاته المختلفة، أم على تدخل الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، للجم غضب المناصرين ومعارضي خطوة التطبيع، فإنّ واقع الحزب اليوم يشير إلى أنه يعيش على إيقاع أزمة داخلية خانقة.
وبحسب أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، فإن "العدالة والتنمية" مقبل على ولادة جديدة غير محددة المعالم، وإن ما يعيشه، حاليا، بعد قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، هو تعبير عن عسر التحول من جماعة دعوية إلى حزب سياسي.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه لزرق أن استقالة عماري هي "خطوة هروب إلى الأمام" من مسؤوليته السياسية عن كارثة الفيضانات التي وقعت، أخيرا، في الدار البيضاء، يرى المحلل المغربي أن تجميد البرلماني الإدريسي لعضويته يمكن أن يكون مقدمة لقرار يتخذه "العدالة والتنمية" بالعدول عن الجمع بين العمل السياسي والدعوي وإحداث فصل بين الحزب وبين "حركة التوحيد والإصلاح"، والتحول التام إلى حزبٍ سياسي. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد": "لم يعد مقبولا الآن، كتطور طبيعي للحزب، الجمع بين الدعوي والسياسي، خاصة في ظل التغيير الذي يحدث الآن بشكلٍ تدريجي في دور الحزب، وهويته، وأولوياته خلال السنين الأخيرة".