المليشيات الـ41 المنضوية في "الحشد الشعبي"، التي تتلقى دعماً حكومياً رسمياً من بغداد فضلاً عن إيران، أقدمت على إصدار تعليمات مكتوبة شبيهة بتعليمات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في مناطق شمال وغرب البلاد، ووزعتها على أحياء العاصمة وضواحيها فضلاً عن المدن الجنوبية.
وتتضمن تلك التعليمات منع بيع الخمور والتدخين وتعاطي المخدرات، وتحديد أنواع قصات الشعر وارتداء الحجاب للنساء، وتحريم قيادتهن السيارات، مروراً بمنع إقامة الأنشطة الرياضية للفتيات في المدارس ومنع الاختلاط بالجامعات، وانتهاءً بقتل المثليين الجنسيين.
وعلى الرغم من أن مناطق وجود المليشيات تحظى بوفرة كبيرة من مراكز الشرطة وقوات الأمن والمحاكم القضائية، فإن دورها أصبح شكلياً، ويكاد يكون في المرتبة الثالثة بعد المليشيات، ثم العشائر التي تنامى دورها بعد الاحتلال الأميركي للبلاد، بفعل اعتماد الأحزاب عليها في تقوية نفوذها وجمع الأصوات الانتخابية.
يقول ضابط في الشرطة العراقية فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيات فجّرت 12 محلاً لبيع الخمور وأغلقت 7 ملاهٍ ليلية خلال أسبوع واحد، واختطفت مطربين شعبيين، وهي تمارس دور الشرطي الإسلامي على المواطنين، حتى إنها دخلت الجامعات ومنعت الاختلاط على الطلاب ونفذت أحكاماً متطرفة، فيما نحن لا نملك السلطة لردعها".
ويضيف الضابط العراقي أن "المليشيات باتت توزع لائحة تعليماتها على الناس الذين يلتزمون بها أكثر من التزامهم بقوانين الحكومة، لأن الموت أو الاختطاف والتعذيب، سيكون مصير المخالفين، إذ يتم اقتيادهم من منازلهم، فلهذه المليشيات عيون في كل مكان".
ويشير إلى أن "الحكومة لا تفكر حتى الآن، بوضع حد لتصرفات هذه المليشيات وجرائمها وتضييقها على الحريات العامة والخاصة، بسبب سيطرتها على أكثر من مليون قطعة سلاح خفيف ومتوسط وثقيل، ومشاركتها في الحرب ضد داعش"، لافتاً إلى أن الحكومة "تعتبر أن أي خلاف أو اصطدام مسلّح مع المليشيات، سيكون بمثابة فتح جبهة ثانية عليها كفيلة بإسقاط حكومة حيدر العبادي وحتى البرلمان الحالي".
اقرأ أيضاً: الضغط الإيراني في العراق يُحيي مليشيا الصدر
ولا تكتفي المليشيات بنشر بيانات مكتوبة تتضمن التعليمات والأوامر الجديدة، بل أصدرت كذلك أوامر لمئات العائلات بالمغادرة، عبر ترك أوراق تهديد لها مع رصاصة داخل ظرف كُتب عليها "ارحل". وعادة ما يكون الدافع وراء التهديدات طائفياً، أو بسبب مناهضة تلك العائلات للمليشيات.
وحول هذا الموضوع، يقول عضو الحزب الشيوعي العراقي زيد البركات لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيات تتضخم وأحكامها باتت قاسية والسلطة عاجزة عنها"، مشيراً إلى أن "لا سبيل للمواطنين اليوم إلا الفرار من العراق، أو اختيار السكن تحت حكم المليشيات أو حكم داعش، وكلاهما إرهابيان لا أمن ولا أمان معهما".
ويؤكد أن "مليشيات العصائب وبدر، نفذت جرائم قتل وتعذيب لمثليين جنسيين أخيراً في مدينة الصدر، الضاحية الشرقية لبغداد، من خلال تهشيم رؤوسهم بحجارة كبيرة، وهي تختلف عن طريقة داعش التي تلقيهم من أعلى بناية في الموصل مثلاً".
وأدت عمليات الاختطاف التي تنفذها المليشيات، إلى إعلان تحالف القوى السنّية وكتلة الوطنية في البرلمان العراقي، تعليق عضويتهما في البرلمان والحكومة حتى وضع حدٍ لما وصفته "بجرائم المليشيات السائبة"، واستمرت بعملية المقاطعة لأسبوعين، قبل أن تعلن عودتها بعد تعهّد العبادي بحصر السلاح بيد الدولة، ومنع نشاط المليشيات في المناطق التي لا يتواجد فيها "داعش"، إلا أن نشاط تلك المليشيات لا يزال مستمراً حتى الآن، من خلال مشاهد الجثث المجهولة أو البيانات التي تصدرها كل يوم، وتُوزّع بالعادة في الأسواق وعلى جدران المباني الحكومية والمدنية على حد سواء.
وسجلت منظمة "إخاء" المدنية العراقية أخيراً، فرار الآلاف من الأسر العلمانية من بغداد ومدن في جنوب البلاد، بسبب عمليات الخطف الطائفي والتضييق وتهديد الحريات.
يقول مدير المنظمة أيمن الطويل لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تحاول التغاضي عن المشكلة لتجنب اصطدامها بالمليشيات الطائفية، كونها المتورط الوحيد بتلك الجرائم، وخصوصاً أنها تُرتكب على خلفيات طائفية، لا إجرامية بسبب المال أو مشاكل عشائرية ثأرية وغيرها".
ويضيف الطويل أن "الكم الهائل لقتلى المعارك اليومي وهم بالعشرات، يجعل من مسألة العثور على عشر أو خمس عشرة جثة في دجلة او الفرات، أمراً غير مهم بالنسبة للحكومة، كونها تعتبر نفسها أمام تحدٍّ أكبر وهو داعش، لكن في الحقيقة تلك الجثث ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ ستُشكّل عامل تفجير الفتنة الطائفية في العراق، بشكل أوسع وأكثر علنية مما هو عليه الآن"، لافتاً إلى أن "المواطن يخاف من عنصر المليشيا أكثر من خوفه من الشرطي، كما أن قائد المليشيا له صلاحية تفوق صلاحيات الوزير في الكثير من الأحيان".