قفزات في عسكرة الصين: استغلال التوترات الدولية تحضيراً للأسوأ

06 مارس 2022
شهدت السنوات الأخيرة تقليصات في صفوف القوات البرية (فرانس برس)
+ الخط -

على وقع الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وتواتر الاتهامات الغربية للصين بمحاولة استغلال الظرف الدولي الراهن للانقضاض على جزيرة تايوان واستعادتها بالقوة، أعلنت بكين، أمس السبت، عن زيادة ميزانيتها العسكرية إلى نسبة 7.1 في المائة هذه السنة، وذلك من مجمل الميزانية الوطنية.

واللافت أن هذا الرقم يتخطى معدل النمو الاقتصادي المستهدف للصين والبالغ 5.5 في المائة، ما يؤكد هواجس بكين الأمنية، في ظل انخراطها في العديد من النزاعات الحدودية مع جيرانها، وفي أعقاب عام حافل بالاضطرابات الأمنية في مضيق تايوان وبحر جنوب الصين، وتصعيد بكين لهجتها تجاه تايوان في الفترة الأخيرة، إلى جانب المناوشات العسكرية بين الجيشين الصيني والهندي على الحدود المتنازع عليها بين البلدين، وتفاقم الخلافات مع الولايات المتحدة.

وكشف تقرير الحكومة السنوي الذي تلاه رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، أمس السبت، عن رفع الميزانية الدفاعية للعام الحالي إلى نسبة 7.1 في المائة، وهو ما يمثل زيادة طفيفة عن النسبة المئوية للعام الماضي البالغة 6.8 في المائة. وحسب ما ورد في التقرير، فإن الحكومة ستخصص ما قيمته 1.45 تريليون يوان للإنفاق العسكري، أي ما يعادل 229.47 مليار دولار.

وتعتبر هذه سابع زيادة على التوالي في ميزانية الدفاع الصينية، الأمر الذي يعكس مدى حرص القيادة على تطوير وتحديث جيشها في ظل التحديات والاضطرابات السياسية والعسكرية.

وأكد لي كه تشيانغ، في خطابه أمس السبت، خلال افتتاح جلسات مجلس النواب في بكين، أن الجهود المبذولة لتعزيز جيش التحرير الشعبي الصيني ستستمر. وتعهد بتكثيف التدريب العسكري والتأهب في جميع المجالات، إلى جانب تحسين نهج البلاد في الجهود العلمية والتكنولوجية والصناعية المتعلقة بالدفاع عن سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية.

وأضاف أن الحكومة ستتحرك بشكل أسرع لتحديث الأنظمة اللوجستية للجيش، وستسعى إلى بناء نظام مبتكر لإدارة الأسلحة والمعدات، وأنها ستواصل إصلاح الدفاع الوطني وستكثف الابتكارات في علوم وتكنولوجيا الدفاع. وشدد على أن الوحدة بين الجيش والحكومة، وبين الجيش والشعب، ستبقى صلبة للغاية.

وأعلن أن الحكومة تعارض بشدة أي أنشطة انفصالية تسعى إلى استقلال تايوان أو أي تدخّل خارجي، مضيفاً "سنعزز النمو السلمي للعلاقات عبر مضيق تايوان وإعادة توحيد الصين"، مجدداً التمسك بمبدأ "صين واحدة".

رئيس الوزراء الصيني: سنعزز النمو السلمي للعلاقات عبر مضيق تايوان ونعيد توحيد الصين

وعملت الصين خلال العقد الأخير على تطوير قدراتها العسكرية بشكل كبير وملحوظ، وقد رافق ذلك زيادة مستمرة في حجم ميزانية الدفاع التي لم تكن تتجاوز 670 مليار يوان (نحو 106 مليارات دولار) في عام 2012.

كما كان لافتاً التحوّل في فكر القيادة الصينية نحو إنشاء منظومة عسكرية تقوم على أساس الكفاءة التكنولوجية وليس الضخامة العددية التي ميّزت جيش التحرير الشعبي، باعتباره الأكبر من حيث العدد على مستوى جيوش العالم (2.3 مليون جندي). فقد شهدت السنوات الأخيرة تقليصات مستمرة في صفوف القوات البرية، وتم استحداث ما يعرف بـ"وحدة الدعم الاستراتيجي"، وهي واحدة من أصغر وحدات الجيش الصيني الأربع، عدداً، وتختص بتطوير الأسلحة التكنولوجية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

استكمال برنامج الإصلاح العسكري

 

وفي قراءة للإنفاق العسكري الصيني والقطاعات التي سيشملها ودلالات ذلك، قال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة "كانتون" المحلية، لياو ليانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن معدل الزيادة في ميزانية الدفاع الصينية يرتبط بشكل مباشر بالتحديات والمتطلبات الأمنية، إلى جانب رغبة قيادة الحزب الشيوعي في استكمال برنامج الإصلاح العسكري الذي وضعه رئيس البلاد شي جين بينغ، منذ توليه السلطة عام 2013، ويهدف إلى تطوير جودة الجيش الصيني من الناحية التكنولوجية باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليكون ملائماً ومستعداً لخوض حروب غير تقليدية.

وأضاف أن ذلك أثمر عن تطوير وتصنيع حاملات طائرات صينية لأول مرة، ودخولها في نطاق خدمة القوات البحرية (لياونينغ، وشاندونغ)، بالإضافة إلى حاملة الطائرات الجديدة "تايب 003"، التي لا تزال قيد الإنشاء، وينظر إليها على أنها ستكون نقلة نوعية في قدرات الصين البحرية، وقد وُصفت بأنها الجيل الثاني من حاملات الطائرات الصينية ذات "الإقلاع الكهرومغناطيسي" والقدرات الخارقة.

حجم الإنفاق المعلن لا يغطي جميع الأنشطة والوحدات العسكرية، مثل قوات حفظ الأمن الداخلي التي لا تتبع الحكومات المحلية

وفي ما يتعلق بالقطاعات العسكرية التي ستشملها ميزانية الدفاع، أوضح الخبير الصيني، أن التقارير الحكومية لا تشير عادة إلى المسائل التفصيلية حين يتعلق الأمر بالجيش والقضايا العسكرية، فضلاً عن أن حجم الإنفاق المعلن لا يغطي جميع الأنشطة والوحدات العسكرية، مثل قوات حفظ الأمن الداخلي التي لا تتبع الحكومات المحلية، وتشرف عليها اللجنة العسكرية المركزية التي يرأسها شي جين بينغ، وكذلك قوات خفر السواحل الصينية غير المدرجة على قوائم الميزانية، والأنشطة الفضائية والأبحاث المرتبطة بها.

لكنه أكد استناداً إلى تقارير عسكرية نشرت في وقت سابق، أن الميزانية العسكرية عادة ما تغطي أربعة قطاعات: الجنود باختلاف وحداتهم، والتدريبات العسكرية، وأعمال الصيانة، وبرامج البناء والتصنيع والتحديث.

ولفت إلى أن البند الأخير يستأثر بنحو 42 في المائة من حجم الميزانية، الأمر الذي يشير، حسب قوله، إلى أهمية تطوير وتحديث الجيش بالنسبة للقادة الصينيين.

غياب الشفافية حول الإنفاق الدفاعي

 

من جهته، قال الباحث الزميل في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث في هونغ كونغ، لاو تشو يونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الصين لا تتمتع بالشفافية بشأن إنفاقها الدفاعي، وإن الرقم المعلن لا يكشف حقيقة أنشطتها وبرامجها العسكرية، خصوصاً أنه يستثني العديد من الوحدات والقطاعات التي تصنفها بكين بأنها غير عسكرية، مثل: الأنشطة الفضائية التي تعتبر ميداناً جديداً للصراع بينها وبين واشنطن، حسب رأيه.

وأضاف، على الرغم من ذلك، أن إنفاق الصين لا يزال أقل من أرقام الولايات المتحدة التي تزيد عن سبعمائة مليار دولار. كما أشار إلى أن تخصيص موازنة دفاعية (7.1 في المائة) أعلى من معدل النمو الاقتصادي المستهدف للصين والبالغ 5.5 في المائة، يؤكد هواجس بكين الأمنية، في ظل تورطها في العديد من النزاعات الحدودية مع جيرانها، سواء في بحر جنوب الصين أو عند حدودها الغربية مع الهند، فضلاً عن الاضطرابات الداخلية في إقليم شينجيانغ، والتحديات الخارجية مع اشتداد وطأة الحرب الروسية على أوكرانيا.

تخصيص موازنة دفاعية أعلى من معدل النمو الاقتصادي المستهدف للصين، يؤكد هواجس بكين الأمنية

ولطالما جادلت الصين بأنها في حاجة إلى سد الفجوة مع الولايات المتحدة التي بلغت ميزانيتها الدفاعية للعام الحالي 740 مليار دولار، وتقول إن الزيادة في الإنفاق العسكري لأغراض دفاعية، بينما تعتبره واشنطن انعكاساً لطموحات بكين العسكرية، وتهديداً للأمن في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

ويُعتبر الجيش الصيني أكبر جيوش العالم، وتتوزع قواته بين أربع وحدات، تستأثر الوحدة البرية بـ1.6 مليون جندي، يتوزع معظمهم في المناطق الحدودية شمال وجنوب غربي البلاد.

أما الوحدات البحرية فتضم حوالي ثلاثمائة ألف جندي، وتنتشر في ثلاث مناطق تتمثل في بحري الصين الجنوبي والشرقي، ومنطقة الشمال بالقرب من شبه الجزيرة الكورية. فيما تستأثر الوحدات الجوية بنحو أربعمائة ألف جندي، توكل لهم مهمة إدارة الصواريخ التقليدية والنووية.

أما وحدة الدعم الاستراتيجي، فهي وحدة حديثة صغيرة نسبياً تختص بتطوير الأسلحة التكنولوجية. وخاض الجيش الصيني حروباً عدة أبرزها: الحرب ضد اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، والحرب في شبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي، أما آخر حرب خاضها، فكانت ضد فيتنام عام 1979.