قضية المعتقلين اللبنانيين في سورية تعود إلى الواجهة: عائلات تنتظر معرفة مصير أبنائها

06 ديسمبر 2024
علي حسن العلي أحد المحررين المحتملين من سجون الأسد، 5 ديسمبر 2024 (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عادت قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية إلى الواجهة بعد تحرير سجناء من سجن حماة، مما أعاد الأمل لأهالي المعتقلين اللبنانيين في معرفة مصير أبنائهم، مثل علي حسن العلي المعتقل منذ أربعين عاماً.
- دعت لجنة أهالي المخطوفين الدولة اللبنانية لتحمل مسؤولياتها في الكشف عن مصير المفقودين، وطالبت بتشكيل لجنة طوارئ للتفاوض مع الأطراف السورية وتحديد هويات المفرج عنهم.
- أكد وديع الأسمر على تعقيد قضية الإخفاء القسري، مشيراً إلى ضرورة فحوصات لتأكيد هوية المعتقلين، ودعا الدولة اللبنانية للتحرك الفوري للتواصل مع المعارضة السورية.

عادت قضية المعتقلين اللبنانيين في سورية إلى الواجهة، وذلك بعد تحرير المعارضة السورية السجناء من سجن حماة المركزي. وتنتظر عائلة المعتقل اللبناني على يد قوات النظام السوري علي حسن علي، التأكد من هويته مع انتشار صورة أمس الخميس على مواقع التواصل الاجتماعي لأحد المحرّرين من السجن، مرفقة باسمه، وذلك بعد سيطرة المعارضة على مدينة حماة.

ووصلت قوات المعارضة السورية المسلحة، اليوم الجمعة، إلى مشارف مدينة حمص، عقب ساعات من إعلان السيطرة على حماة، مركز المحافظة وسط البلاد، في إطار عمليات "ردع العدوان"، وقد أعلنت خلالها عن إطلاق سراح مئات السجناء من السجن المركزي في المدينة. وأعاد احتمال تحرير علي حسن العلي، الأمل لأهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية الذين ينتظرون منذ عقود أي خبر عن أبنائهم، وما زالوا يؤمنون بأنهم على قيد الحياة، رغم محاولات المسؤولين السياسيين في لبنان طمس القضية، ونفي النظام السوري المستمرّ وجود لبنانيين في سجونه.

واعتُقل علي حسن العلي قبل نحو أربعين عاماً، بذريعة انتمائه إلى حركة التوحيد، وهي من الحركات السلفية التي تأسست في طرابلس، شمالي لبنان، في عام 1982، وتأمل عائلته في أن يكون على قيد الحياة، وُحرّر فعلاً من السجن، وأن تؤمّن عودته سالماً إلى لبنان، وسط خشية من توقيفه مرة أخرى من جانب النظام السوري، الذي كان، على حدّ تعبيرها، ينفي دائماً وجوده في السجن، كما حال جميع الأسرى اللبنانيين، المخفيين قسراً في السجون السورية.

ويقول شقيق علي لـ"العربي الجديد"، "انتشرت صورة بالأمس على مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة باسم علي حسن العلي، ابن بلدة تاشع العكارية، وقد توقف أهالي البلدة والمختار ورئيس البلدية، والمعارف، والجيران، عند الشبه الكبير، وكأنه نسخة طبق الأصل عن عمّه وجدّه وشقيقه، من هنا نحن متأكدون بنسبة تفوق 90% بأنه شقيقي علي، ولكن نفضل الانتظار، فقد مرّ نحو 40 عاماً على اعتقاله، وكان حينها بعمر 18 سنة، وبالتالي، نحاول التواصل مع الشخص الذي التقط أو ظهر في الصورة معه، علّنا نتحدث إلى الشخص، نسمع صوته، ونسأله عن هويته".

ويلفت إلى أنه "لم تتواصل معنا حتى الساعة أي جهة رسمية لبنانية، ونحن وُعدنا من قبل أحد الأشخاص، وهو سوري الجنسية، يعيش خارج سورية، بتأمين محادثة معه صوتا وصورة، للتأكد من هويته بنسبة مائة في المائة، على أن يتم بعدها البحث في كيفية إعادته إلى لبنان، خصوصاً أن الخشية تبقى موجودة من اعتقاله من جديد على يد النظام السوري".

وعلى الرغم من توالي التهاني التي تُقدَّم إلى عائلة العلي من قبل أهالي البلدة بتحريره، يقول شقيقه "لا أزال أشعر بالتوتر منذ يوم أمس، وأشعر بتأثر كبير وغصّة أكبر، فوالدته قضت عمرها وهي تنتظر لحظة عودته أو تلقّي أي خبر عن ابنها، وتوفيت قبل سنوات، وكان لا يفارق لسانها السؤال عنه، هل يشرب، هل يأكل، هل ينام جيداً، هل يشعر بالبرد، هل يُضرب أو يُعذَّب... أسئلة كثيرة كانت تطرحها يومياً على نفسها، ورحلت من دون أن تحصل على أي إجابة، واليوم لا نطلب سوى الدعاء لنا بأن يكون الخبر صحيحاً، وأن يعود كل مفقود ومسجون ومظلوم لأهله سالماً".

وبالعودة إلى تاريخ اعتقال علي، يقول شقيقه، "كانت معركة طرابلس مندلعة في أواخر عام 1983، حينها نزل علي إلى بيروت للالتحاق بالجيش اللبناني، كان عمره 18 عاماً، وفي تلك المرحلة كان من يقدم على الخدمة العسكرية يقوم بدورة لأشهر، يتم فيها حلق شعر رأسه، وتركه لفترة من دون أن يتواصل مع أهله، فربطنا تالياً اختفاءه بذلك، وبعد وقتٍ أتت الشرطة العسكرية تسأل عنه وتطلب التحاقه بقطعته، وعلمنا لاحقاً أنه جرى فصله، وقد يحاكم بتهمة الهروب من الجيش".

ويضيف "بعدها لم نسمع أي شيء عنه ولم نحصل على أي معلومة عن مصيره أو مكانه، وفي ظل المعارك الدائرة قطعنا الأمل، إلى أن أتى إلينا بعد أكثر من عشرين سنة شخص فلسطيني كان مسجوناً في سورية لفترة وأُخرِجَ كونه يحمل الجنسية الألمانية، وأخبرنا أن شقيقي كان معه في السجن في فرع فلسطين، ووصف لنا شكله، وكان يرتدي لحظة اعتقاله بزة الجيش اللبناني، وأصلع، وأبيض البشرة، لكنه تغير كثيراً، عندها استأنفنا حراكنا، وتواصلنا مع أحد النواب في عكار من الطائفة العلوية، وكانت الوالدة على تواصل معه، وتلقينا وعوداً بالمساعدة ربطاً بمحادثات لبنانية سورية كانت تحصل، لكن وقعت الأحداث في سورية ولبنان، ولم نعد نعرف أي شيء عنه".

إلى ذلك، قالت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان في بيان بعد ظهر اليوم، إن "خبر تحرير المعتقلين من سجن حماة الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي ولدى معظم وسائل الإعلام نهار أمس، ويتم التداول به اليوم أمر في غاية الدقّة والأهمية"، مشيرة إلى أن "صدور مثل هذا الخبر مرفقاً بعدد من الصور عن جهات عسكرية معارضة للنظام السوري وانتشاره، أثار موجة عارمة من التفاؤل والبلبلة والقلق لدى كافة أهالي المفقودين، خصوصاً لدى الذين يعتبرون أحباءهم يقبعون في السجون السورية منذ بدء الحرب اللبنانية (1975-1990)".

وتابعت "إن نضال لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان من أجل معرفة مصير أبنائهم قد تجاوز العقود الأربعة (42 عاماً)، ولأن قضية ذويهم هي قضية إنسانية ووطنية جامعة، فهم لم يتوجهوا خلال هذه السنوات إلا إلى الدولة اللبنانية للقيام بمسؤوليتها والكشف عن مصير أحبائهم أينما كانوا وكائناً من كانت الجهة المسؤولة عن إخفائهم، داخل لبنان أو خارجه".

وأضافت "لذا، وإزاء هذا الواقع المأساوي الطويل الذي يتخبط فيه أهالي هؤلاء الضحايا، أيضاً لن نتوجه إلا إلى الدولة لتحمل مسؤولياتها إزاء هذا الحدث دون تغييب الدور المفترض أن تقوم به الهيئة الوطنية الرسمية للمفقودين والمخفيين قسراً التي شكلت بموجب قانون المفقودين والمخفيين قسراً 105/2018".

وطالبت اللجنة مجلس وزراء تصريف الأعمال، رئيساً ووزراء، والمؤسسات الأمنيّة والسلطات القضائية باتخاذ الإجراءات الفورية من أجل التأكد من هويات المفرج عنهم من سجن حماة، والتعامل مع قضيّة المفرج عنهم كحالة طارئة، وعلى أساس أنها قضيّة سيادة وطنيّة جامعة بالرغم من أن عملية الإفراج عنهم لم تأتِ نتيجة لمفاوضات بين الدولتين كما كنّا، كلجنة أهالي لمفقودين وكمواطنين، نتوقع ذلك من دولتنا.

كذلك، المبادرة فوراً إلى تشكيل لجنة طوارئ مشتركة تجمع الجهات الأمنيّة المعنيّة والقضائية والهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، تكون مهمتها العمل بشكل طارئ على المفاوضات اللازمة مع الأطراف السوريّة (النظام السوري، الجمعيّات غير الحكوميّة والأطراف العسكرية المعارضة للنظام) للتعرّف إلى هويّات المفرج عنهم، وتأمين ممر آمن لعودتهم إلى عائلاتهم في لبنان، واستقبالهم وتقديم الرعاية الصحية لهم".

ولفتت إلى أننا "حتّى الآن لا نملك سبيل للتأكد من هويّات الأشخاص المفرج عنهم بشكل دقيق، باستثناء شخص واحد منهم هو السيد علي حسن العلي من عكار المدرج اسمه على لوائحنا آملين، التأكد من صحة هذه المعلومة، وهذا لا يلغي أن يكون هناك المزيد".

وأشارت إلى أن "لوائح لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان لا تقتصر على المفقودين اللبنانيين بل تتضمن مفقودين من جنسيّات أخرى فقدوا على الأراضي اللبنانية، وأن أهاليهم ما زالوا مقيمين في لبنان، وبالتالي الدولة اللبنانية معنية بالكشف عن مصيرهم، لأن الانسانية لا تتجزأ". ودعت كل من لديه أي معلومات أو بيانات جديدة بهذا الخصوص، التواصل مع لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان والهيئة الوطنية الرسمية للمفقودين والمخفيين قسراً.

وفي هذا الإطار، دعت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان إلى مؤتمر صحافي تعقده غداً السبت، أمام خيمة الأهالي في حديقة جبران خليل جبران.

في السياق، يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، لـ"العربي الجديد"، إنّ قضية الإخفاء القسري في سورية معقدة جداً، والمركز يعمل على الملف منذ نحو 30 عاماً، وبدقة تامة، لأن أهم نقطة يجب أخذها بعين الاعتبار، وخصوصاً اليوم، هي الأهل الذين ينتظرون أي خبر عن أبنائهم، من هنا ضرورة أن تكون الدقة أساس عمل وكلام وأخبار الإعلام والناشطين، فالوقت حالياً ليس لتسجيل سبق صحافي أو نقاطٍ بالسياسة.

ويلفت الأسمر إلى أنّ "هناك أرقاماً عدّة متناقضة ومتفاوتة تنتشر في الإعلام حول تحرير معتقلين لبنانيين، لكن المعلومات التي تتوافر لدينا تقول إن هناك اثنين من المعتقلين المحررين يُعتقد أنهم لبنانيين، من ضمنهم علي حسن العلي، ربطاً بصور انتشرت لهما، والعمل قائم مع الأهل والمؤسسات المعنية للتأكد من هويتهم، فنحن نتحدث عن 40 عاماً من الاعتقال، ما يتطلب فحوص حمض نووي أو علامات فارقة تؤكد هوية الشخص، لذلك الأمر ليس سهلاً ويتطلب دقة ومتابعة، ومن ثم تأمين عودة هؤلاء أحياء إلى لبنان".

ويشدد الأسمر على أنّ المبدأ الذي دائماً ما نعمل عليه هو أن المخفي قسراً حيّ حتى يثبت العكس، وللأسف الدولة اللبنانية هي الغائب الأكبر عن القضية وكنا نتمنى لو أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بدأ فوراً بإيعاز الأجهزة الأمنية المعنية بالبدء بتحركات للتواصل مع المعارضة السورية لتحصيل معلومات أكثر بشأن الموضوع، والبحث بطريقة آمنة لإخراج من يعتقد أنهم لبنانيون، ونتمنى أن تحصل المتابعة اليوم قبل الغد.

ويشير الأسمر إلى أنّ هناك أرقاما متناقضة حول عدد المعتقلين والمفقودين والمخفيين قسراً في السجون السورية، ولكن الرقم الأقرب إلى العقل هو بين 200 و300 خصوصاً في مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية، وما قبل عام 2000، وقد يكون العدد ارتفع بين أعوام 2012 و2019، مع انتقال لبنانيين إلى سورية في هذه الفترة للقتال في صفوف المعارضة السورية، وقد يكون تم اعتقالهم وإخفاؤهم قسراً، من هنا نتمنى إيلاء المسؤولين اهتماماً جدياً بالملف لمعرفة كل التفاصيل، وإعادة الذين لا يزالون على قيد الحياة، وتقديم أقله دليل أو وثيقة وفاة لأهالي من قضوا في السجن.

المساهمون