"قسد" خارج دير الزور ومنبج... ماذا عن شرق الفرات؟

12 ديسمبر 2024
عنصران من "قسد" في القامشلي، 9 ديسمبر 2024 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سيطرت إدارة العمليات العسكرية على جنوب دير الزور بعد انسحاب "قسد"، مما جعل نهر الفرات حاجزًا جغرافيًا بين الفصائل و"قسد"، لتجنب الصدام مع الفصائل المسيطرة على دمشق.

- في منبج، انسحبت "قسد" بعد اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، مما يعكس تغيرات في خريطة السيطرة، حيث انكفأت "قسد" إلى شرق وشمال نهر الفرات.

- شهدت دير الزور تحولات كبيرة، حيث تسيطر "قسد" على الشمال والفصائل على الجنوب، مع توقعات باضطرابات في صفوف "قسد" بسبب الوجود الأمريكي.

فرضت إدارة العمليات العسكرية سيطرتها الكاملة على محافظة دير الزور في جنوب نهر الفرات، في الشرق السوري، عقب انسحاب "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) منها، وذلك بعد انسحابها أيضاً من مدينة منبج، غربي نهر الفرات. وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن "قسد" تحاول تجنّب مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات مع هذه الفصائل التي تسلمت زمام الأمور في العاصمة دمشق منذ الأحد الماضي.

"قسد" خارج دير الزور

وأمس الأربعاء، أكد المتحدث باسم إدارة العمليات العسكرية في سورية، حسن عبد الغني، السيطرة على مدينة دير الزور ومطارها وكامل ريفها جنوبي النهر، وصولاً إلى مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية. وانسحبت "قسد"، أمس الثلاثاء، من مواقعها داخل مدينة دير الزور، في خطوة جنّبت وقوع اشتباكات بين الطرفين. وكانت هذه القوات قد دخلت الجزء الجنوبي من محافظة دير الزور، الذي يضم المدينة بعد انسحاب قوات نظام الأسد منها. من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان انسحاب "قسد" من مدينة دير الزور والبوكمال، مشيراً إلى أنها عادت إلى القرى السبع شمالي نهر الفرات، التي انسحبت منها قوات النظام المخلوع قبل أيام، وبذلك بات نهر الفرات الحاجز الجغرافي بين فصائل العمليات العسكرية وقوات "قسد". ومع استكمال السيطرة على محافظة دير الزور، جنوبي نهر الفرات، تكون العمليات العسكرية قد سيطرت على نحو على 70% من الجغرافية السورية.

فايز الأسمر: ربما تحدث انشقاقات واسعة للمكون العربي في "قسد"

في السياق، أوضح مدير مركز الشرق نيوز فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد" قامت بعمليات "نهب واسعة" في المدينة قبيل انسحابها، بما فيها الأسلحة التي تركتها قوات النظام المخلوع في مطار دير الزور العسكري. واستبعد علاوي عبور الفصائل التي سيطرت على الجزء الجنوبي من دير الزور إلى الجزء الشمالي الذي تسيطر عليه "قسد"، المتمتعة بغطاء من التحالف الدولي الموجود شمالي نهر الفرات. بذلك باتت محافظة دير الزور منقسمة ما بين الفصائل السورية في إدارة العمليات العسكرية التي تسيطر على منطقة الشامية، التسمية المحلية لجنوب النهر، وبين "قسد" التي تسيطر على الجزيرة، التسمية المحلية لمنطقة شمال نهر الفرات. ولا يبدو في الأفق ملامح صدام وشيك بين القوتين، خصوصاً أن قيادة التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، تتمركز في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور، شمالي نهر الفرات، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن واشنطن ستكون حريصة على تجنيب المنطقة أي صدام عسكري واسع النطاق.

وفي سياق مواز، أعلن قائد "قسد" مظلوم عبدي، أمس الأربعاء، التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في منبج، بوساطة أميركية "حفاظاً على أمن وسلامة المدنيين". وكانت الفصائل السورية المنضوية في عملية فجر الحرية شنت عملية قبل أيام على هذه المدينة الواقعة غربي نهر الفرات، التابعة إدارياً لحلب من عدة محاور، أدت إلى مقتل 218 عنصراً من "قسد" وفق عبدي الذي أشار عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) إلى أن المنطقة "ذات غالبية عربية"، من السكان. وأعرب عن أمله بوقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية والدخول في عملية سياسية "من أجل مستقبل البلاد". وذكرت مصادر محلية أن "قسد" بدأت أمس الأربعاء بالانسحاب من مدينة منبج التي لطالما كانت محل نزاع منذ سيطرة "قسد" عليها في عام 2016 بعد معارك طاحنة امتدت لنحو شهرين مع "داعش" الذي سيطر عليها لأكثر من عامين.

وطيلة ثماني سنوات حاولت تركيا الاستحواذ على منبج وطرد "قسد"، إلا أن الجانب الأميركي كان يحول دون ذلك. ويبدو أن التبدل الكبير الذي جرى في البلاد منذ أواخر الشهر الماضي دفع الجانب الأميركي إلى الضغط على "قسد" للانسحاب من منبج، لتجنّب مواجهة عسكرية ليست لصالحها مع هذا التقدم الكبير الذي حققته الفصائل السورية في عموم البلاد.  وتقع مدينة منبج، التي يشكّل العرب غالبية مطلقة من سكانها، على بعد 85 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من حلب، وتعد كبرى مدن الريف الحلبي. ووفق خرائط السيطرة الجديدة انكفأت "قسد" إلى شرقي نهر الفرات وشماله، ولم يعد لها أي وجود غربه أو جنوبه باستثناء شريط قرى يمتد من أقصى ريف الرقة الغربي وفيه مدينة الطبقة الاستراتيجية، إلى الريف الشرقي على الحدود الإدارية مع محافظة دير الزور. وباتت "قسد" تسيطر اليوم على شرق الفرات، ما عدا منطقتي رأس العين وتل أبيض.


فراس علاوي: "قسد" قامت بعمليات "نهب واسعة" في دير الزور قبيل انسحابها

استبعاد الصدام بين "قسد" وإدارة العمليات العسكرية

وتعليقاً على التطورات في منبج ودير الزور، استبعد المحلل العسكري فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، صداماَ مسلحاَ واسع النطاق إدارة العمليات العسكرية و"قسد" خصوصاً في ظل الوجود الأميركي وقواعده المنتشرة في شرق الفرات. وتابع: ولكن أعتقد أنه ستكون هناك تظاهرات وأعمال عنف واضطرابات في الرقة وريف دير الزور، وربما تحدث انشقاقات واسعة للمكون العربي في "قسد" بعد تحرير سورية من الأسد ومليشيات إيران وحزب الله. ومرت محافظة دير الزور منذ عام 2011 بالعديد من التحولات الكبرى، بعد أن انخرطت في الثورة ضد النظام الذي فقد بدءاً من عام 2012 السيطرة على ريف المحافظة. وسيطرت فصائل من الجيش السوري الحر في ذلك الحين، على القسم الأكبر من المحافظة خلال عام 2013، قبل أن يظهر تنظيم داعش الذي بسط سيطرته عليها عام 2014 باستثناء مطار دير الزور العسكري وبعض الأحياء في المدينة. وفي عام 2017 بدأ التنظيم بالتراجع في عموم سورية، حيث استحوذ النظام المخلوع مع الإيرانيين أواخر ذاك العام على الشامية وسيطرت "قسد" على الجزيرة في مطلع عام 2019 لينتهي وجود التنظيم في شرق سورية ما خلا خلايا تنشط بين وقت وآخر.

وعانت محافظة دير الزور خلال السنوات الماضية، بسبب الأهمية التي تحظى فقد كان الإيرانيون يولونها الاهتمام للحد الذي حاولوا فيه العبث بهويتها الدينية. تضم محافظة دير الزور كبريات حقول النفط والغاز في سورية، وخاصة في الجزء الذي تسيطر عليه "قسد"، حيث حقل "العمر" وهو من أكبر حقول النفط في سورية، مساحةً وإنتاجاً، وهو اليوم يضم قاعدة أميركية. ووفق أرقام غير رسمية، ينتج هذا الحقل حالياً نحو 45 ألف برميل يومياً، بينما كان ينتج سابقاً ضعف هذا الرقم. ويليه حقل التنك، ثاني أكبر حقول النفط في سورية، والذي قُدّر إنتاجه قبل 2013 بنحو 40 ألف برميل يومياً، بينما يُقدّر إنتاجه حالياً بين 10 و15 ألف برميل. وفي جنوب النهر العديد من حقول النفط الأقل أهمية منها حقلا التيم، والورد في منطقة الميادين. كما يحوي ريف محافظة دير الزور على العديد من الحقول والآبار الأخرى، منها حقل كونيكو الذي يعد من أكبر حقول الغاز في سورية.