قرار "أوبك" والنقمة الأميركية على السعودية

07 أكتوبر 2022
يقول خبراء إن زيارة بايدن الأخيرة إلى السعودية ساهمت بتأزيم الأوضاع بين البلدين (الأناضول)
+ الخط -

نبرة الغضب في ردود البيت الأبيض والكونغرس على الرياض، لدورها المفترض في قرار منظمة أوبك خفض إنتاج النفط مليوني برميل يوميا بدءًا من نوفمبر/ تشرين الأول القادم، لا مثيل لها حتى في رد واشنطن على حظر النفط الذي فرضته أوبك سنة 1973 بقيادة السعودية على أميركا وبعض حلفائها.

آنذاك (سنة 1973)، كانت أميركا مذنبة بنجدة إسرائيل في حرب تشرين، وبالتالي عوقبت على ذنبها، حينها ذهب وزير الخارجية هنري كيسنجر إلى الرياض متوسلا الملك فيصل وقف الحظر. أما الآن، فقد جرى التعامل مع الخفض وكأنه "طعنة " في ظهر بايدن، جرى تصميمها وإخراجها "بتفاهم سعودي - روسي"، لرفع أسعار البنزين على المستهلك الأميركي المكتوي بالتضخم، عشية الانتخابات، وبالتالي دفعه للتصويت ضد حزب الرئيس في الانتخابات النصفية بعد شهر من اليوم.

وتلخص الأجواء السائدة في واشنطن، منذ الإعلان عن القرار الأربعاء الماضي، النقمة على المملكة، التي تجلت تعبيراتها الواضحة في تصريحات وردود الرئيس وغيره من المسؤولين في البيت الأبيض، الذين وضعوا خطوة أوبك المنسوبة للسعودية وروسيا في خانة "القرار السياسي" وليس الاقتصادي.

تبرير منظمة أوبك أن الاقتصاد العالمي قادم على ركود، وبالتالي لا بد من خفض الإنتاج للحيلولة دون انهيار الأسعار، لا يخفي "الدوافع الجيوسياسية وراءه"، كما يقول الباحثان في حقل الطاقة جوزيف ماجكوت وبنجامين كاهيل من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن.

إلى ذلك، إن من شأن خفض الإنتاج، قبل أشهر من بدايات الهبوط الملموس المتوقع للاقتصاد العالمي، رفع أسعار الطاقة، وبالتالي التعجيل في هذا الهبوط الذي لو جاء قاسيا حسب تقديرات بعض الخبراء، فلا بد أن يؤدي إلى نزول أسعار الطاقة. وإذا كان الرئيس قد وصف القرار بأنه "قصير النظر"، فإن مسؤولين آخرين كانت تصريحاتهم أكثر حدة ولا تخلو من نكهة التوعد المبطن، مثل وصف القرار بأنه "خطأ" (كما قالت الناطقة في البيت الأبيض كيرين جون بيير) وبما يعني أنه كأي خطأ سيترتب عليه ثمن لاحق.

 في الكونغرس، كانت النبرة أقوى وأوضح، حيث سارعت كتل وقوى إلى طرح مشاريع قرارات وقوانين ومطالبات "بقطع دراماتيكي" مع النمط المألوف في العلاقة مع المملكة، منها "سحب القوات والصواريخ الدفاعية" الأميركية من المملكة. وسئل، يوم الخميس الماضي، نائب الناطق في الخارجية فيدينت باتيل عن هذا الموضوع، لكنه دار حول السؤال من دون جواب، كما سئل عما إذا كانت تلميحات البيت الأبيض هي عن "خيارات أخرى على الطاولة " للرد على المملكة، لكنه تفادى الرد أيضا بذريعة أنه "ليس هنا المكان لاستعراض الخيارات".

تشير تحليلات المراقبين الثنائي ماجكوت وكاهيل إلى أن بايدن "لا بد أن يرد لاعتبارات سياسية محلية ودبلوماسية، لأن هناك في التداول اعتقادا بأن زيارته إلى المملكة تسببت بإهانته". وفي الواقع، حصل كلام كثير من هذا النوع إثر زيارته إلى السعودية في يوليو/ تموز الماضي والاستقبال الذي حظي به.

كما يرى دافيد أوتاواي، من مركز وودورد للدراسات، المتخصص في الشأن السعودي، أن تلك الزيارة ساهمت في "تأزيم العلاقات" بين البلدين، لأن كل مطالب بايدن "خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان" أدّت إلى ردة فعل سلبية. ومن أبرز الأسباب أن "حساباته كانت مغلوطة"، خصوصا نظرته إلى الزيارة كمدخل "لترسيخ وتوسيع العلاقات مع المملكة" في لحظة كانت المملكة قد تجاوزت هذا الإطار، إلا ربما في "النطاق الأمني الإقليمي".

وهنا برزت أسئلة كثيرة، أهمها ما إذا كانت الإدارة في وارد إعادة النظر ببيع السلاح إلى الرياض. الناطق باتيل تحاشى الدخول في هذا الموضوع مكتفيا بالإشارة إلى أن "السعودية شريك إقليمي مهم، وأن واشنطن تجري دائما اتصالات منظمة معها". لكنه احتجب عن الرد على سؤال عما إذا كان جرى اتصال بالرياض في الـ24 ساعة الماضية، قائلا: "ليست لدي تفاصيل" في هذا الأمر.

الواقع أن إدارة بايدن في موقف صعب بخيارات قليلة ومقيدة في استخدامها. الانتخابات على مسافة "ضربة حجر"، ورئاسته على المحك، أما الفريق الجمهوري فهو غير منزعج من هذا التطور طالما أنه مرشح لقطف ثماره. فيما وجهت بعض النصائح لبايدن مثل أن يأخذ "فسحة للتأمل في صيغة من الرد الحازم" على السعودية، لكن من غير أن يؤدي ذلك إلى القطع معها.

المطروح في الهمس أن تلعب الإدارة ورقة بيع وتزويد المملكة بالسلاح الأميركي، لكن الحسابات الإقليمية لا تسعف في اللجوء إلى هذا الخيار. الخطوة العاجلة هي عودة الرئيس للاستعانة بالاحتياط النفطي الاستراتيجي كما أوضح البيت الأبيض، ولو أن المتبقي فيه هبط في الأشهر الأخيرة من 640 مليون برميل (حوالي 40 برميل يوميا من الاستهلاك في أوقات الطوارئ) إلى 450 مليون برميل. والواقع الآخر أن الخفض زاد من حدة أزمة العلاقات مع المملكة "التي تحتاجها واشنطن" في أكثر من مجال، كالأمن الإقليمي والطاقة، وهي مشكلة كان على بايدن معالجتها قبل زيارة يوليو/ تموز "الفاشلة".

المساهمون