قبلة مورو والبراهمي: تقارب بين "النهضة" و"الجبهة الشعبية"؟

06 ديسمبر 2014
مورو حيّا البراهمي وقبّلها على رأسها (فضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -

فاجأ نائب رئيس حركة "النهضة" والنائب الأول لرئيس مجلس النواب التونسي الشيخ عبد الفتاح مورو، الجميع عندما توجّه بزيه التقليدي وعمامته البيضاء نحو النائب عن "الجبهة الشعبية" مباركة البراهمي، زوجة السياسي الذي تم اغتياله محمد البراهمي، وذلك لكي يحييها ويقبّل رأسها أمام الجميع، ويقول لها إنها تستحق أن تكون في مكتب البرلمان، وإن الأصوات الثلاثين التي حصلت عليها أثناء التصويت لاختيار نائبي رئيس البرلمان لا تعكس مكانتها وقيمتها. وتقبّلت البراهمي بتفاعل إيجابي تلك الحركة، وقدّرتها في حينها.

وكانت هذه اللقطة رمزية وقوية صفّق لها جميع أعضاء المجلس، ولقيت صدى واسعاً لدى المواطنين، الذين رأوا فيها رسالة طمأنة للتونسيين في ظرف دقيق لا تزال تمر به بلادهم.

كما أنها تجاوزت في دلالاتها البُعد الأخلاقي الذي يُوجّه رسالة متعددة الجهات تُعلي من قيمة التسامح، وتعيد الاعتبار لهذه المرأة الرمز وزوجها الذي اغتيل من دون أي مبرر.

لكن هناك تساؤلاً يتعلّق بطبيعة هذا الموقف، فهل هي مجرد مبادرة فردية أقدم عليها مورو، أم هي خطوة أولى مدروسة من قبل "النهضة" في اتجاه اختراق هذا الجدار السميك الذي أصبح يفصلها عن "الجبهة الشعبية" وأنصارها؟

في العودة الى الماضي البعيد والقريب، يُلاحظ أن الصراع الأيديولوجي والسياسي بين الإسلاميين واليساريين كان هو الخط السائد في علاقاتهما منذ مرحلة الجامعة التونسية خلال ثمانينات القرن الماضي، بلغ في العديد من المناسبات درجة استعمال العنف الشديد.

وتحسّنت العلاقة بين حركة "النهضة" وفصيل حزب العمال الشيوعي التونسي بقيادة حمى الهمامي، وبلغ ذلك درجة التنسيق والتحالف لمواجهة نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وتأسيس ما عُرف بـ"جبهة 18 أكتوبر".

بعد الثورة التونسية، بدت العلاقة بين الطرفين عادية، لكن مع اغتيال شكري بلعيد زعيم "الجبهة الشعبية" والذي كان شخصياً وراء بنائها ونجاحها، حدثت القطيعة التامة، ولولا تغليب العقل والحكمة لسالت بينهما دماء غزيرة.

إذ على الرغم من أن حركة "النهضة" قد أدانت الاغتيال واعتبرته جريمة في حق الوطن والثورة، إلا أن الخلافات الحادة التي سبق أن حصلت بين بلعيد والحركة، والتهديدات التي تلقاها من قِبل بعض كوادر الحركة، وخصوصاً التوتر الذي ساد بينه وبين وزير الداخلية يومها علي العريض، جعلت كوادر "الجبهة الشعبية" تؤمن بقوة أن "النهضة" تقف وراء عملية الاغتيال، وفي أحسن الاحتمالات تحمّلها المسؤولية السياسية والأخلاقية التي أدت إلى ارتكاب تلك الجريمة.

ولا يزال المحامون المدافعون عن عائلة بلعيد وقادة الجبهة يطالبون حتى الآن، وبعد كل المعطيات التي وفرتها الجهات الأمنية وشهادات الموقوفين المعتقلين، بكشف كل الحقيقة عن هذا الملف الخطير والحساس.

من هذه الزاوية، تُعتبر حركة مورو الرمزية هامة ومعبّرة عن ممارسة حضارية، لكنها لن تكون كافية لإنهاء الخلاف بين حركة "النهضة" و"الجبهة الشعبية". فمفتاح العلاقة هو معالجة ملف اغتيال بلعيد بكل شفافية، حتى يطمئن الجميع.

من جهتها، تعتبر "النهضة" أن هذه القضية قد استُغلت سياسياً ضدها، مؤكدة براءتها من الجريمة، ومعتبرة أن الملف حالياً هو بيد الأجهزة الأمنية والقضائية.

وفي انتظار تسليط كل الأضواء على هذه القضية التي هزت التونسيين بقوة، سيستمر التنازع بين "النهضة" و"الجبهة الشعبية" التي لا تزال متمسّكة بالقول إنها لن تكون في أي حكومة تشارك فيها "النهضة"، وتعتبر ذلك بمثابة الخط الأحمر الذي لا يجب الاقتراب منه، وهو شرط يعتبره في المقابل زعيم "نداء تونس" الباجي قائد السبسي مُجحفاً، وغير ملزم لحزبه.

ويُعتبر وجود اليسار جزءاً لا يتجزأ من المشهد التونسي، وهو ضرورة لتعميق التنوع وتحقيق التوازن في الحياة السياسية، وقد كانت له أدوار متعددة في مسيرة العمل السياسي لمدة لا تقل عن ثمانين عاماً، لكنه اليوم أمام دعوات للتكيّف مع معطيات المرحلة.

المساهمون