في حضرة الواجب الوطني المقدس

24 أكتوبر 2022
عاد التونسيون إلى الشوارع من جديد (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، أنه قرر تعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات، الذي وضعه بنفسه لانتخابات برلمانه الجديد.

وفي لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان، في ذلك اليوم، تحدث سعيّد عن "التلاعب بالتزكيات لانتخاب أعضاء مجلس النواب"، مشدداً على "ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، ووضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات..."، لأن التزكيات "صارت سوقاً تباع فيها الذمم وتُشترى"، حسب بيان لرئاسة الجمهورية. وتابع سعيّد: "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه، فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة...".

مرت الأيام، ولم يغيّر سعيّد شيئاً، ولم يفعّل "الواجب الوطني المقدس"، كما قال في ذلك اليوم، وكأن جمع التزكيات صار عملاً نزيهاً بين ليلة وضحاها، ومرسوم الانتخاب لم يعد منقوصاً، والتلاعب بأصوات المواطنين انتهى، والمال الفاسد صار طاهراً.

لم يستشر سعيّد أحداً عندما قرر تعديل مرسوم الانتخابات، ولم يستشر أحداً عندما همّ بتعديله مرة أخرى، ولم يقل شيئاً حين قرر التراجع. لم يفسر لشعبه لماذا تراجع وما هي مبررات ذلك، وكأن الناس قاصرون، وكأن الرئيس الأب يعرف مصلحتهم، هو الذي يتحرك فقط بفعل الواجب الوطني المقدس، بينما الرعية تستهلك فقط وتذعن للقرار ونقيضه في الوقت نفسه.

لكن الأمر ليس على هذا النحو مطلقاً، لأن التونسيين عادوا إلى الشوارع من جديد، ينتفضون على هذا الوضع الذي لم يغيّر شيئاً، بعدما ظنّ بعضهم أن الانقلاب قد يحسّن الأحوال، ولكنها ساءت أكثر، واكتشفوا زيف تلك الشعارات سريعاً، وانتبهوا إلى أن الخطأ كان كبيراً بمساندة الانقلاب. ولعلهم سيخسرون آخر ما بقي لديهم، حرية التعبير، بعدما توسعت دائرة التوقيفات والمحاكمات والملاحقات، وأصبح القانون نفسه، الذي وضعه سعيّد، سيفاً مسلطاً على رؤوس الصحافيين والمواطنين على حد السواء.

يتساءل مراقبون كثر للوضع التونسي، وغيورون على التجربة الديمقراطية: هل يسلّم التونسيون فعلاً في حريتهم بهذه السهولة، وهل يرضون بحكم الفرد بعد عشر سنوات من التشارك في كل قرار، مهما كان صغيراً أو كبيراً، وهل صحيح أنه سيتم وأد هذه الديمقراطية الأخيرة؟

حتى اليوم يستميت تونسيون كثيرون دفاعاً عن الحرية، يصمدون على الرغم من كل الصعوبات والضغوط، دفاعاً صادقاً عن الواجب الوطني المقدس، الذي دفعهم إلى الخروج في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، ولكنه الواجب المقدس الذي يجتمع عليه الجميع وليس الذي يقرره فرد، مهما كانت نياته.