فلسطين بين عرب وغرب

31 مايو 2024
تظاهرة في تولوز الفرنسية تضامناً مع غزة، أول من أمس (هانس لوكاس/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- النص يبرز الغضب الصهيوني تجاه الإدانة العالمية لجرائم الاحتلال الإسرائيلي وينتقد النفاق الإسرائيلي في ادعاء السعي نحو السلام مع استمرار الدعاية للإبادة.
- يُشير إلى استخدام إسرائيل لأساليب عصابات مارقة في تشويه صورة الأمم المتحدة والهجمات على المحكمة الجنائية الدولية لحماية مجرمي الحرب.
- يناقش التردد العربي في دعم القضية الفلسطينية مقابل التضامن الدولي المتزايد، مشيرًا إلى فشل النظام العربي في استغلال مكانته لدعم فلسطين وتجاهل بعض العرب لجرائم الاحتلال.

حين تبدأ محكمة الرأي العام العالمي بوضع جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وسياسات الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، في ميزان المعايير والقيم، تكون مفهومة مصادر هذا الغضب الصهيوني المنفلت، فمحاكمة الشعوب وحركاتها تستند إلى مبادئ ومعايير عدالة حقوقية، يفترض أنها ليست عنصرية ولا استثنائية. يفهم جيداً وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، التطور النوعي الذي تولّد عن صمود الفلسطينيين ومقاومتهم، وعن جرائم حرب كيانه المكشوفة. ويعيده ذلك إلى وقاحة جذوره الصهيونية - الدينية في النظرة إلى بقية الدول بدونية واستعلائية، وتجاوز أسطورة "معاداة السامية" إلى تهمة "المشاركة في قتل الشعب اليهودي"، مذكّراً إسبانيا بتاريخ "التطرّف الإسلامي" في الأندلس.

هذا الغضب، سواء بسبب انتقاد جرائم الاحتلال أو الاعتراف بحقّ الفلسطينيين بدولتهم، يفضح تماماً كذبة أن تل أبيب "ترغب في السلام"، وأن "الفلسطينيين يفوّتون الفرص". إذ تواصل شاشات تلفزة "الديمقراطية الوحيدة" التحريض على الإبادة وتبرير المجازر والأبرتهايد، بما يصنع حالة نفور وقرف لدى الرأي العام الغاضب بحق. لا يخفف من ذلك النفور انكشاف فضائح السعي إلى تصنيف وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التابعة للأمم المتحدة، (أونروا) "منظمة إرهابية"، واستخدام أساليب عصابات مارقة من رئيس جهاز "الموساد" السابق يوسي كوهين، صديق بعض المطبّعين العرب، لاستهداف المحكمة الجنائية الدولية، والتلويح أخيراً عبر لوبيات تل أبيب في واشنطن بقانون غزو لاهاي، حماية لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو، إلى جانب قائمة أخرى طويلة.

وفي مقابل التغير النوعي في الغرب والشرق، الذي يطاول بعض السياسات الرسمية وأجيالاً قيادية مستقبلاً، بعيداً عن ترهيب اللوبيات الصهيونية، تبقى الحالة الرسمية العربية على حالها، غير مدركة مصالحها ومكانة دولها وغير مكترثة برأي شعوبها، فجرأة وزيرة إسبانية في قولها إن "فلسطين ستكون حرّة من النهر إلى البحر" تُقابل بغياب رسمي عربي. ويطرح هذا عشرات الأسئلة المحيّرة بين المتضامنين الدوليين، إن في الغرب أو أفريقيا وآسيا وحتى أميركا اللاتينية. فبينما تُقطع علاقات مع الاحتلال وتجابه عنجهيته، يواصل بعض العرب التعامل معه وكأن الجريمة تجري في هونولولو وليس قربهم.

هذا الواقع المرير جرّبه سابقاً الفلسطيني واللبناني أثناء غزو الاحتلال لبنان صيف 1982، وصولاً إلى حصار بيروت نحو ثلاثة أشهر، متوّجاً بمذبحة أخرى في "صبرا وشاتيلا". وسواء كانت جامعة النظام العربي في تونس أم القاهرة فالنتيجة هي ذاتها؛ أخذ البلاد والشعوب نحو قراءة دونية للذات، وأنها عاجزة عن الفعل، ومركزة على كسب رضا الغرب، وواشنطن على رأسه. وإلا، لم يهرع البعض (الرسمي العربي) في وقتٍ تحاصر فيه جرائم الاحتلال ويهدّد بالعقوبات وبتصنيف جيشهم منظمة إجرامية، نحو مقايضات سمجة باسم "التطبيع"؟ بل هناك من لم يقبل التساوق مع مطالب ما يسمّى "معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" (العربي على وجه التحديد) لتغيير المناهج الدراسية العربية، وشطب فلسطين وحقها التاريخي، بينما صورة العربي في إعلامهم وكتبهم المدرسية تخرّج مثل هؤلاء القتلة الهاتفين "الموت للعرب"، وممن يرونهم على الهواء في غزة؟

للأسف بدل أن يختار النظام الرسمي العربي استخدام ما لديه من مكانة وقوة، أقلها السياسية والدبلوماسية، لتوجيه رسالة واضحة إلى واشنطن لوقف حرب الإبادة في غزّة، تنتشر عبثية انتظار أوهام أن تسفر المذبحة عن تحقيق التخلص من غزة ومن المقاومة الفلسطينية.