فلسطينيو 48 أعداء محتملون: عودة غير معلنة للحكم العسكري بعد العدوان على غزة

13 نوفمبر 2023
شرطة الاحتلال خلال توقيف شابين من فلسطينيي الـ48 في عسقلان، أكتوبر الماضي (سعيد قاق/Getty)
+ الخط -

منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب، بدأت المؤسسات الأمنية تمارس سياسات إخراس الأصوات المعارضة لها داخل المجتمع الفلسطيني، بمشاركة الإعلام الإسرائيلي والمؤسسة السياسية وعامة الناس في المجتمع الإسرائيلي.

وباتت تُعتبر كل مقولة أو تصريح أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، تعبر عن موقف مبدئي معارض للحرب، وضد قتل المدنيين أو تتعاطف مع سكان غزة، أطفالاً ونساءً وشيوخاً، بمثابة موقف داعم لحركة حماس.

تُرجم هذا بواسطة حملات توقيف لعدد من المواطنين والقيادات العربية بتهمة دعم الإرهاب أو تأييد "حماس" أو التحريض. وقد اعتقلت الشرطة العشرات منهم بحجة نشر تغريدات داعمة لغزة أو متعاطفة معها، من بينهم أشخاص مؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي، وقيادات محلية، وفنانون، وأئمة مساجد، ومنهم أعضاء في الطواقم الطبية يعملون في المستشفيات الإسرائيلية.
وقامت المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بتحذير عدد كبير من الطلاب العرب، وتعليق تعليم بعض منهم، أو طردهم، بسبب نشر مواقف معارضة للحرب ومتعاطفة مع أطفال غزّة.

الملاحقة طاولت محاضرين عرباً في الجامعات الإسرائيلية

 هذه الملاحقة طاولت أيضاً محاضرين عربا في الجامعات الإسرائيلية، وموظفين عربا في أماكن عمل إسرائيلية عديدة، منها مؤسسات تعليمية وطبية، وتجاه طلاب عرب يقيمون في مدن يهودية. وقد طرد فعلاً عدد من الموظفين العرب من أماكن عملهم نتيجة ادعاءات بنشر مواقف متعاطفة مع سكان غزة ورافضة للحرب.

ونشر مركز "عدالة" بالتعاون مع هيئة الطوارئ العربيّة، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تقريراً وثق فيه 161 حالة (لا يشمل شرق القدس) لإجراءات قانونية جنائية تجاه مواطنين عرب، وذلك على "خلفية تعبيرهم عن آرائهم فيما يخص الأحداث الجارية في البلاد".

161 حالة لإجراءات قانونية جنائية تجاه مواطنين عرب

وقد تفاوتت الإجراءات القانونية ما بين استدعاء لتحقيق، واعتقال، وتقديم لوائح اتهام، وطلبات اعتقال حتى انتهاء الإجراءات القانونيّة، وما بين استدعاء "لمحادثات تحذيرية" من قبل الشرطة أو جهاز الأمن العام (الشاباك).

ووفقاً لتقرير "عدالة"، كان هناك 58 حالة اعتقال وتحقيق، تمحورت حول منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، و22 حالة اعتقال، إثر المشاركة في وقفات احتجاجية. وقد بلغ عدد الإقالات من أماكن العمل، وفقاً لتقرير لجنة الطوارئ العربية، نحو 82 حالة.

ووفقاً لتقرير "عدالة" فإن معظم الشبهات التي دارت حولها التحقيقات كانت مخالفة قانون العقوبات، على نحو "تصرف غير لائق قد يؤدي إلى الإخلال بالأمن العام"، والمخالفة لقانون مكافحة "الإرهاب" على نحو "التحريض على الإرهاب" و"التماهي مع منظمة إرهابية". وقد أطلق سراح معظم الأشخاص الذين حُقق معهم أو اعتقلوا فوراً بعد التحقيق، ضمن وضع شروط مقيدة على نحو الحبس المنزلي، الإبعاد، الكفالات والضمانات المالية.

إلى جانب ذلك قُدمت 11 لائحة اتهام ضد مواطنين فلسطينيين على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وجميع لوائح الاتهام تشمل مخالفات بحسب قانون مكافحة "الإرهاب" الذي صودق عليه عام 2016، مثل "التحريض على الإرهاب" و/أو "التماهي مع منظمة إرهابيّة".

وبهذا الصدد نشرت الهيئة المشتركة للكتل الطلابية (التي تضم 26 كتلة طلابية عربية من مختلف الجامعات والكليات الإسرائيلية)، أن هناك أكثر من 100 طالب عربي في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تمّ تحويلهم للجان الطاعة في مختلف المعاهد العليا، بالإضافة لمئات المنشورات التحريضية ضد الطلاب العرب دوّنها زملاء يهود لهم في الجامعات.

يأتي هذا، بحسب الهيئة، وسط تواطؤ وتعاون الجامعات والكليات والنقابات الطلابية فيها، حيث وصلت ذروة هذا التحريض إلى الاعتداء على الطلاب في مساكن الطلبة في كلية نتانيا، وتمّ تعريض حياتهم للخطر، وإخلاؤهم من مساكنهم، على إثر محاصرة المساكن من قبل مجموعة من اليهود وتهديد الطلاب العرب، دون أي تحمل مسؤولية فيما يخص أمن وأمان الطلاب.

سياسات القمع وإخراس معارضي الحرب توسعت في هذه الجولة من العدوان، بحيث طاولت المؤسسات العربية الجماعية، والعمل العربي اليهودي، والقيادات العربية، مثلما حصل عندما منعت الشرطة الإسرائيلية عقد اجتماع عربي ــ يهودي، دعت له لجنة المتابعة العليا في 26 أكتوبر الماضي، في إحدى القاعات بمدينة حيفا، بمشاركة أكاديميين ومثقفين عرب ويهود.

وذكرت لجنة المتابعة، وقتها، أن "شرطة إسرائيل هددت أصحاب القاعة التي كان من المفترض أن يُعقد فيها اللقاء، بأنه في حال استضاف اللقاء ستُغلق القاعة". واعتبرت أن "هذه الخطوة خطيرة للغاية وتعبر عن تفاقم الهجمة الفاشية والمعادية للديمقراطية، وتندرج في إطار الحصار السياسي ضد المواطنين العرب، الذي وصل إلى حد منع الحوار مع القوى التقدمية والديمقراطية في المجتمع اليهودي".

كما أوقفت الشرطة الإسرائيلية لعدة ساعات، الخميس الماضي رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد محمد بركة، ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي النائب السابق سامي أبو شحادة، وقيادات سياسية أخرى من "التجمع"، بعد أن منعت إقامة وقفة احتجاجية تنادي بوقف الحرب على غزة دعت إليها لجنة المتابعة في مدينة الناصرة. 

الشرطة في خدمة قمع المجتمع الفلسطيني

تعكس هذه السياسة محاولة المؤسسة الإسرائيلية، خاصة وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، استغلال حالة الحرب والطوارئ لتنفيذ سياسته تجاه المجتمع الفلسطيني من دون عوائق. فمع بداية الحرب على غزة اشترت وزارة الأمن القومي 10 آلاف بندقية رشاش ووزعتها على "وحدات الحماية" في البلدات الإسرائيلية، وعُين ضابط لتنظيم "وحدات محاربة مدنية" في البلدات الإسرائيلية.

كما بدأت الشرطة في قمع أي فعاليات سياسية رافضة للحرب، وطرحت الحكومة مشاريع قوانين تسهل الاعتقالات السياسية وتقديم لوائح اتهام تجاه كل من يعبر عن موقف رافض للحرب وضد قتل المدنيين.

تسهيل حالة القمع السياسي والاعتقالات، تحولت إلى سياسة منهجية من قبل الشرطة، ومن قبل النيابة العامة التي عدلت التعليمات والإجراءات لتسهيل عمليات التوقيف والاعتقالات مع بداية الحرب، بحيث سهلت النيابة العامة الشروط القانونية للاعتقالات بتهمة التحريض، وخولت الشرطة بفتح تحقيق بتهم التحريض دون الحصول على موافقة مسبقة من النائب العام.

معاني القمع السياسي 

تشهد فترة الحرب حالة تعطيل شبه تام للأدوات الديمقراطية الشكلية المستعملة في إسرائيل، منها حرية التعبير عن الرأي والحق في التظاهر ومعارضة الحرب، وتصعيد خطير في تعامل الدولة والمؤسسات الأمنية والمجتمع الإسرائيلي تجاه المواطنين الفلسطينيين. ومن الواضح أنه كلما طال أمد الحرب فستزداد الهجمات والقمع تجاههم، كنوع من أنواع الانتقام تجاه كل من هو فلسطيني، ومحاولة لوضع قواعد سلوك سياسي مختلف للمواطنين الفلسطينيين يحدده الإجماع الصهيوني.

تسهيل القمع والاعتقالات تحول لسياسة منهجية للشرطة

تعريف الحكومة الإسرائيلية للحرب على أنها وجودية وعلى البيت، أو كما قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إنها "حرب الاستقلال الثانية"، إلى جانب الأزمة الأمنية والسياسية التي تعيشها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي، يوفران معاً أرضاً خصبة لإخراس أي صوت معارض للحرب والقتل والدمار، ولقمع المجتمع الفلسطيني والتعامل مع أفراده كأعداء.

وتستغل الحكومة حالة الصدمة والحرب والأزمات الناجمة عنهما، وحكومة الطوارئ التي شكلتها، لمحو الهامش السياسي، الضيق أصلاً، الذي استخدمه الفلسطينيون في إسرائيل لممارسة أبسط حقوقهم، ولفرض حدود جديدة للتعبير والعمل السياسي، وذلك بواسطة طرح اقتراحات وتعديل قوانين وتبني سياسات تسهل الرقابة السياسية، وتزيد من التحريض على المواطنين الفلسطينيين، وتتيح إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

التعامل مع الفلسطينيين على أنهم أعداء

يمكن الاستنتاج من الأدوات المستخدمة في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين لغاية الآن أن المؤسسة الإسرائيلية تتعامل معهم في أوقات الأزمات الأمنية الحادة على أنهم أعداء، أو على الأقل أعداء محتملون.

وبذلك يمكن وصف ما يحدث بعودة غير معلنة للحكم العسكري، كما توضح الحرب الحالية على قطاع غزة هشاشة المواطنة الممنوحة للفلسطينيين في إسرائيل، وخضوعها التام للدوافع والاحتياجات الأمنية ولاحتياجات الإجماع الصهيوني وشروطه.

وقد تتحول الإجراءات الإسرائيلية الحالية تجاه المواطنين الفلسطينيين إلى حالة ثابتة بعد الحرب، إذا اقتنع الإجماع الصهيوني بأنها تعمل لصالحه، ولا تؤدي إلى رد فعل، أو تجبي ثمناً سياسياً.

كل هذه التحولات توضح أهمية البدء بوضع تصورات للعمل السياسي الجماعي للفلسطينيين في إسرائيل من الآن، تستند إلى قراءة التحول في المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية، وإسقاطات الحرب الحالية على المشهد السياسي. والأهم أن تتعامل مع سؤال مضمون ومعاني مواطنة الفلسطينيين في إسرائيل، وعودة القضية الفلسطينية والاحتلال كمحاور أساسية في المشهد السياسي، بعد أن تراجعت في السنوات الأخيرة أمام القضايا اليومية المعيشية وقضية العنف، وتغلغل وهم التأثير السياسي إلى قسم من الأحزاب العربية.

المساهمون