يشهد السودان حالياً تصاعداً في الصراع العسكري، حيث تحاول قوات الدعم السريع تحقيق سيطرة على سلاح المدرعات التابع للجيش السوداني. الصراع الداخلي يتصاعد والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيفقد الجيش السوداني أحد أهم أسلحته؟
ومنذ مدة تقارب أسبوعين، تسعى قوات الدعم السريع لفرض حصار على سلاح المدرعات، حيث تجمعت تلك القوات ونصبت نقاط ارتكاز حول المدرعات في أكثر من اتجاه وعدة أحياء مهمة.
تتعدد الاشتباكات والهجمات في مختلف مناطق العاصمة الخرطوم وضواحيها، حيث استخدمت قوات الدعم السريع الأسلحة الثقيلة والقصف المدفعي وحتى الطائرات المسيرة لتحقيق هذا الهدف. ورغم جميع هذه الجهود، فإن الجيش السوداني تمكن حتى الآن من صدها وأكد استعداده لهزيمة القوة المهاجمة.
تنذر هذه المعارك بتبعات وآثار واسعة النطاق على السكان المدنيين، حيث تسببت في تهجير أكثر من 80% من سكان بعض الأحياء، وأفضت إلى أوضاع إنسانية مأساوية. تزايدت التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان وسلوك غير أخلاقي من جانب قوات الدعم السريع، بما في ذلك عمليات الاحتلال والنهب والتحرش الجنسي.
ويروي شهود عيان لـ"العربي الجديد"، أن قوات الدعم السريع خلال احتلالها لمنازل المدنيين قامت بإرهاب ساكنيها كما نفذ بعض أفرادها عمليات سطو َونهب لممتلكات المواطنين خاصة السيارات وتطور الأمر خلال الأيام الماضية لنهب أثاث المنازل والأدوات الكهربائية.
وبحسب الشهود، فقد تعرض المواطنون لأفعال غير أخلاقية من قبل قوات الدعم السريع، مثل الاعتداءات الجنسية والتحرش بالفتيات، مما دفع بعض الأهالي لتسفير النساء خوفاً من تعرضهن للانتهاكات الفظيع.
ومنذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إبريل/نيسان الماضي، شهدت قوات الدعم السريع تقدماً غير متوقع وغير متوقع من قبل الجيش والمراقبين. تمكنت من السيطرة على عدة مواقع رئيسية منها قيادات الجيش ومطار الخرطوم والقصر الرئاسي والدفاع الجوي ومراكز أخرى. ومع تقدمها، زاد نفوذ الدعم السريع وانتشارها في مناطق مختلفة، ولكنها ما زالت تسعى للسيطرة على القيادة العامة وبعض المواقع الأخرى.
قوة قتالية حاسمة
ويعد سلاح المدرعات قوة قتالية حاسمة وقوة صد للجيش السوداني. ومنذ استقلال السودان عام 1956 دخل في الخدمة بهدف دعم القوات البرية. وفي عام 1965، أصبح سلاح المدرعات وحدة مستقلة، واعتمد في تسليحه على استيراد الدبابات من مصادر متعددة مثل روسيا ودول أوروبا الشرقية والصين. مع توسع نطاق الوحدة العسكرية، تم إنشاء فروع لها في مناطق مختلفة، بما في ذلك شمال أم درمان وفتاشة غرب أم درمان. عُززت هذه الوحدة أيضاً بالتسليح الأميركي خلال فترة رئاسة جعفر محمد نميري.
خلال حكم الرئيس المعزول عمر البشير، جرى توسيع قوات سلاح المدرعات لتشمل سبعة ألوية، منها أربعة ألوية دبابات واثنان للمشاة ولواء واحد مدرع خفيف. استفادت هذه الوحدة من تقدم الجيش في تصنيع الدبابات من خلال الصناعات الدفاعية المحلية. قبل بدء النزاع في إبريل، بلغ عدد الدبابات التي كانت بحوزة الجيش أكثر من 800 دبابة.
سلاح المدرعات لعب دوراً مهماً في محاولات الانقلابات العسكرية الناجحة والفاشلة على مر السنين. إن ولاء سلاح المدرعات كان أمرًا حاسمًا لنجاح أي محاولة انقلابية.
بعد الانتقال السياسي في البلاد وسقوط نظام البشير في عام 2019، زاد نفوذ قوات الدعم السريع وبدأت تتدخل بشكل متزايد في الشؤون العسكرية. ظهرت داخل سلاح المدرعات أصوات معارضة لهذا التوسع واعتراضات على وجود قوات الدعم السريع في مناطق حساسة، بما في ذلك مواجهات مباشرة بين قائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح وقائد الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو. تم تقديم اللواء عبد الفتاح للتقاعد بسبب هذه الاشتباكات، ولكنه تم استدعاؤه مرة أخرى للخدمة بعد بداية النزاع الحالي، حيث يقود حالياً سلاح المدرعات.
في سبتمبر/أيلول 2021، حاول كبار الضباط بقيادة اللواء عبد الباقي بكراوي الاستيلاء على السلطة وإزاحة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان. كان السبب الرئيسي لهذه المحاولة هو رفض توسع قوات الدعم السريع على حساب الجيش. هذا الاعتراض تم توثيقه أمام المحكمة العسكرية بعد فشل المحاولة الانقلابية.
في الوقت الحالي، يشارك سلاح المدرعات في دعم وتعزيز القيادة العامة والوحدات العسكرية الأخرى والمشاركة في مواجهات مباشرة في مناطق متعددة. تم وضعه تحت حصار مستمر في الأسابيع الأخيرة. داخل سلاح المدرعات، يتم تنسيق مئات الدبابات مع قوات برية تضم آلاف الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، تم استدعاء متقاعدين من الجيش ومتطوعين للمشاركة في القتال، وذلك بعد إعلان حالة الاستنفار من قبل قائد الجيش.
حصار المدرعات
وبسبب أهميته الاستراتيجية، سعت قوات الدعم السريع بإصرار إلى تحدي الصعوبات واستمرار ملاحقة سلاح المدرعات، على الرغم من الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تكبدتها. واستخدمت قوات الدعم السريع القصف الجوي كوسيلة لدعم القوات البرية المشاركة في العمليات على الأرض والتي تمتد داخل المنطقة وفي محيطها.
مصاد عسكري قالت لـ"العربي الجديد"، إن توقعات الدعم السريع بالسيطرة على سلاح المدرعات تلاشت تدريجياً نتيجة الخبرة المكتسبة والتأهيل العالي للضباط والجنود. ولعب سلاح الطيران الحربي دوراً حاسماً في هذا السياق، حيث يقدم القصف الجوي والمدفعية الدعم اللازم لصد الهجمات التي تستخدم فيها المركبات رباعية الدفع.
وأشار إلى القوات الموجودة في سلاح المدرعات تحولت في الأيام الماضية من مرحلة الدفاع للهجوم والتمشيط والمطاردة في كامل مناطق جنوب الخرطوم.
اللواء صلاح الدين عيساوي، المقرب من دوائر الدعم السريع، أشار إلى أن حصار المدرعات يهدف إلى تقليص دعم الجيش وإضعاف قوته.
وأوضح عيساوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سيطرة الدعم السريع على سلاح المدرعات ستكون لها تأثيرات عديدة، بما في ذلك القضاء على قادة الكتائب الموالية للنظام السابق بقيادة علي كرتي وغيرهم من رموز النظام الذين يستخدمون هذا السلاح في تنفيذ أجندتهم.
وأضاف أن "القادة المذكورين قاموا بإطلاق الرصاصة الأولى في الحرب الحالية، مبيناً أن "المنطقة العسكرية تلك أصبحت بؤرة تجمع لكل أنواع المقاتلين".
وتحدث عن معلومات سرية للغاية والتي لا يعرفها إلا القليل، قائلاً إن "المدرعات والمدافع الكبيرة منزوعة الأجزاء الأكثر استخداماً كإبرة ضرب النار التي يحتفظ بها في مخزن خاص بالقيادة العامة تحت سلطات القائد العام للقوات المسلحة منعاً لاستخدامها في الانقلابات وذلك ما حجم قدرة المدرعات القتالية".
من جهته، أشار الطاهر ساتي، رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي"، إلى أن قوات الدعم السريع تسعى من خلال تلك المواجهات إلى تحقيق انتصار عسكري يعوض عن سمعتها المتدهورة جراء أعمال السلب والنهب والانتهاكات التي ارتكبتها.
أوضح ساتي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السؤال الحاسم يتعلق بمن سيكون الفائز في نهاية الحرب بشكل عام، وليس من سيحقق مجرد معركة فردية.
وأكد رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي"، أن قوات الدعم السريع حاولت الدخول إلى مناطق المدرعات في اليوم الأول من الحرب، لكنها فشلت في تحقيق أي تقدم، ومهما حاولت مجدداً، فإن مخططها الانقلابي سيبقى دون جدوى.