استمع إلى الملخص
- الحكومة المحلية في نينوى ناقشت الأزمة، حيث اتهم مدير بلدية الموصل الفصائل بمنع البناء بشكل غير قانوني، بينما شكل مجلس المحافظة لجنة لمتابعة الموضوع.
- يشكك الناشطون في قدرة اللجان المحلية على حل الأزمة بسبب نفوذ الفصائل في بغداد، مع اقتراحات بتعويض أصحاب الأراضي لحين حسم النزاع قانونياً.
تتصاعد في مدينة الموصل، العاصمة المحلية لمحافظة نينوى شمالي العراق، أزمة منع مليشيات مسلحة مواطنين من بناء أراضيهم السكنية في ضواحي المدينة، وتحدي قرارات الحكومة المحلية وأجهزة الأمن التي تحاول منع الاعتداء على السكان المحليين، من قبل تلك المليشيات التي تتذرع بـ"التغيير الديمغرافي" في سهل نينوى. وتتواصل أزمة البناء في الموصل حيث تنتشر، منذ النصف الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2024، مليشيات "حشد الشبك" و"بابليون"، في المناطق الشرقية للمدينة، من أجل منع دخول السكان إلى المنطقة حيث تقع داخلها أراضيهم السكنية التي وزعتها الدولة ضمن برنامج التخفيف من أزمة السكن في المدينة.
وتمنع هذه المليشيات التي تمتلك نفوذاً أمنياً وسياسياً في نينوى عمليات البناء أو الأعمال في أكثر من عشرة آلاف قطعة أرض سكنية شرقي الموصل، منذ عام 2017، بذريعة أن تلك الأراضي توجد في منطقة فاصلة بين مدينة الموصل وسهل نينوى. وتقول إن البناء في الموصل سيؤدي إلى تغيير ديمغرافية سهل نينوى الذي يسكنه خليط من قوميات الشبك الشيعة والشبك السنة والمسيحيين والأيزيديين والأكراد والعرب السنة والتركمان. في حين أن غالبية الأراضي تعود ملكيتها إلى سكان الموصل من العرب السنة.
عبد الستار الحبو: سيارات عسكرية تابعة للفصائل المسلحة هي من تمنع المواطنين من البناء على أراضيهم
منع البناء في الموصل مخالف للقانون
وعلى خلفية تصاعد أزمة البناء في الموصل عقدت الحكومة المحلية لمحافظة نينوى، في 17 ديسمبر الماضي، جلسة خاصة لبحث الملف، واستدعى مدير بلدية الموصل عبد الستار الحبو، الذي هاجم بدوره الفصائل المسلحة واتهمها صراحة بمنع أصحاب الأراضي من البناء. وقال الحبو، عقب الجلسة لـ"العربي الجديد"، إن "سيارات عسكرية تابعة للفصائل المسلحة هي مَن تمنع المواطنين من البناء على أراضيهم"، مضيفاً أن "المنع يشمل آلاف الأراضي التي تقع ضمن حدود بلدية الموصل كانت قد وزّعت سابقاً في تسعينيات القرن الماضي". وبيّن الحبو أن الأراضي التي يمنع أصحابها من البناء وفيها سندات سكن وملك رسمية من عقارات الدولة، تبلغ أكثر من عشرة آلاف قطعة أرض، موضحاً أن منع البناء في الأراضي يعد مخالفة للقانون. وأشار إلى أن هذا الموضوع سيُطرح على رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، خلال زيارته قريباً إلى الموصل من أجل إنهاء الخلاف بشأنها والسماح لأصحابها بالبناء عليها.
من جهته أعلن عضو مجلس محافظة نينوى عبد الله النجيفي أن المجلس شكّل لجنة لمتابعة الموضوع وحل الإشكاليات بشأن البناء في الأراضي، مشدداً في مؤتمر صحافي، عقده عقب الجلسة، على أنه لا توجد سلطة أعلى من الدولة والقانون تستطيع أن تمنع المواطن العراقي من البناء على أرضه التي يمتلكها. في المقابل، لم تنفِ الجماعات المسلحة والأطراف السياسية القريبة منها منع الفصائل البناء في الموصل. وأكد النائب عن "الإطار التنسيقي" الحاكم، وعد القدو، في أكثر من مناسبة رفض البناء في الأراضي القريبة من سهل نينوى، عاداً ذلك محاولة لتغيير ديمغرافية القرى التابعة لسهل نينوى.
دوافع طائفية وابتزاز مالي
كشف مصدر أمني لـ"العربي الجديد" تفاصيل مشكلة منع البناء في الموصل وتحديداً على الأراضي شرقي المدينة، موضحاً أن فصيلين مسلحين هما "حشد الشبك" و"كتائب بابليون" يتصدران عمليات تهديد وترهيب المواطنين ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم في الأحياء والمناطق الواقعة في محيط الموصل وأطرافها الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية. ولفت إلى أن تلك الفصائل تمنع بالقوة البناء في العديد من المناطق ومنها مجمع زيونة السكني، ومناطق جليوخان وقزة فخرة والتعليم والكندي والعباسية والزيتون، وهي مناطق تقع ضمن حدود مدينة الموصل ولا تقع في مناطق سهل نينوى التي تتبع أجزاء كبيرة منها أيضاً للموصل إدارياً.
وبحسب المصدر، فإن الأراضي التي منعت الفصائل البناء عليها تبلغ نحو 50 ألف قطعة أرض سكنية تتوفر فيها سندات سكن رسمية من الدولة وبعضها تتوفر فيها سندات زراعية، لافتاً إلى أن الأهالي الذين يُمنعون من البناء في الموصل جميعهم من سكان المدينة، ومن المكوّن العربي السني، ما يؤشر إلى وجود دوافع طائفية وراء عمليات منعهم من البناء.
تواصلت "العربي الجديد" مع مواطنين من الموصل يمتلكون أراضي شرقي المدينة، وقد أكدوا أن مليشيات "بابليون" و"الشبك" تمنع أي شخص من بناء أرضه بذريعة أن ذلك سيؤدي إلى خطر يهدد وجود المكونات في سهل نينوى. وقال علي غانم (52 عاماً)، الذي يمتلك أرضاً في منطقة جليوخان كان قد تسلّمها من الدولة قبل نحو 30 عاماً إن "حشد الشبك يمنعون بناء أي أرض، وقد عملوا على إنشاء ساتر ترابي لمنع دخول أي سيارة إلى تلك الأراضي". وبيّن لـ"العربي الجديد" أن أصحاب الأراضي يضطرون للسكن في دورٍ للإيجار، في حين يمنعون من بناء أراضيهم، لافتاً إلى أنهم طالبوا الجهات المعنية منذ سنوات بحل مشكلة أراضيهم لكن دون جدوى. وأضاف أن "مزاعم قيادات الحشد بأن البناء على أراضيهم سيؤدي إلى تغيير ديمغرافية سهل نينوى مجرد أكاذيب وحجج واهية لأن الأراضي لا تقع ضمن منطقة سهل نينوى، بل تتبع إدارياً حدود الموصل وضمن حدود البلدية". وأشار إلى أن الغرض من ذلك هو الاستيلاء على تلك الأراضي بدوافع طائفية ومذهبية ودفع أصحابها لبيعها بأثمانٍ زهيدة من أجل شرائها ثم بيعها بأسعار مرتفعة مستقبلاً.
أما سعد الطائي (49 عاماً)، المنتسب في وزارة الداخلية، فمُنع أيضاً من بناء أرضٍ يملكها في حي التعليم من قبل "كتائب بابليون"، ولفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه راجع أحد المكاتب التابعة لـ"بابليون" وأنهم فرضوا مبلغاً من المال قدره ألفي دولار لقاء بناء كل أرض مساحتها 150 متراً أو ثلاثة آلاف دولار لبناء الأرض التي مساحتها 200 متر. وأشار إلى أنه اضطر لدفع المبلغ من أجل بناء أرضه التي تقع في جانب الموصل الأيسر وضمن التصميم الأساس للمدينة، مشيراً إلى أن السلطات في نينوى على علم بالأمر، لكن لا أحد يستطيع التدخل وحل المشكلة.
سعد الوزان: بعض الفصائل تأخذ إتاوات مقابل السماح ببناء الأراضي
تشكيك في قدرة اللجان المحلية
بدوره شكك الناشط المدني سعد الوزان في قدرة الحكومة المحلية في نينوى ولجانها التي شكّلتها على معالجة مشكلة البناء على الأراضي في محيط الموصل، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الفصائل التي تمنع البناء تمتلك النفوذ في بغداد على اعتبار أنها ضمن قوى الإطار التنسيقي، وترى نفسها أنها أعلى من جميع السلطات ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها القانون. وقال الوزان إن "بعض الفصائل تأخذ إتاوات مقابل السماح ببناء الأراضي وذلك يجرى بعلم السلطات التي تعجز عن منع هذه الممارسات"، فيما أشار إلى أن تلك الفصائل والجهات السياسية التي تقف خلفها تستغل نفوذها في منع البناء من خلال حجة التغيير الديمغرافي. وأشار إلى أنها تستخدم هذا الملف للاستغلال السياسي من خلال تحشيد جماهيرها في سهل نينوى التي تحاول الظهور أمامها بمظهر المدافع عنها والمانع لأي عمليات تغيير ديمغرافية في المناطق التابعة لهم.
بغداد تتحمّل المسؤولية
إلى ذلك حمّل الناشط السياسي، عضو مجلس أسر وعائلات الموصل، لازم حميد، الحكومة المركزية المسؤولية عن مشكلة البناء في الموصل باعتبار أن إدارة نينوى لا تستطيع تجاوز الموضوع، لأن أن الفصائل هي الجهة المانعة لاستغلال الأراضي من قبل أصحابها. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "الفصائل والجهات القريبة منها تمكّنت من استحصال قرار من المحكمة الاتحادية يمنع البناء داخل سهل نينوى من غير أبناء المنطقة". لكنه أوضح أن المشكلة في هذه الأراضي أنها ليست تابعة لسهل نينوى، بل لحدود مدينة الموصل. ولفت إلى إمكانية تجاوز هذه المشكلة من قبل حكومة بغداد عبر تعويض أصحاب الأراضي بأراضي جديدة لحين حسم ملف الأراضي الواقعة بين مدينة الموصل وقرى سهل نينوى من قبل القضاء والجهات المختصة.