فرص نجاح أوروبا في تمرير الاتفاق مع قيس سعيّد: مكافأة لمتسلّط

21 يوليو 2023
الغموض يلف نقاطاً في مذكرة التفاهم بين سعيّد والوفد الأوروبي (Getty)
+ الخط -

لا يزال الغموض يلفّ نقاطاً في مذكرة التفاهم بين الرئيس التونسي قيس سعيّد والوفد الأوروبي، وسط انتقادات برلمانية وحزبية أوروبية، ودعوات لعدم تمرير الاتفاقية من نواب في هياكل الاتحاد، ما قد يهدد مسارها نحو التطبيق.

ووقعت مذكرة التفاهم بين الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، الأحد الماضي، بعنوان "اتفاق شراكة استراتيجية وشاملة".

ويتوقّع قيس سعيّد من هذا الاتفاق الحصول على حزمة من المساعدات لتونس، بينما يطمح الوفد الأوروبي إلى "تحكّم أفضل بالهجرة غير النظامية"، بحسب مراقبين.

غير أن نواباً أوروبيين ونشطاء حزبيين انتقدوا بشدة توقيع مذكرة مع الرئيس التونسي "على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات في البلد".

ورغم نشر نص مذكرة التفاهم من قبل وزارة الخارجية التونسية مساء الأحد، إلا أنها، كما ينص اسمها، ليست إلا "مذكرة تفاهم"، وكانت أشبه بـ"إعلان نوايا" لا غير، ولم تتضمن ما هو ملموس أو تطبيقي إلا في مسائل محدودة.

ونقلت وكالة "أكي" الإيطالية، قبل أيام، عن رئيسة اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في مجلس النواب الإيطالي ورئيسته السابقة لاورا بولدريني، قولها في تغريدة على "توتير" إن "رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني المهووسة بوهم إيقاف المهاجرين تنقلت ذهاباً وإياباً إلى تونس، وناشدت المستبد قيس سعيّد لمنع أية مغادرة غير نظامية إلى إيطاليا، كما جرّت الاتحاد الأوروبي إلى هذه المغامرة، والذي خان بدوره مبادئه وسياسته الخارجية بعدم وضع شرط احترام حقوق الإنسان".

وفي جلسة للبرلمان الأوروبي الثلاثاء، انتقد النائب منير السطوري (تحالف الخضر، فرنسا) بشدة المفوضية الأوروبية والاتفاق مع الرئيس التونسي، معتبراً إياه "دعماً للاستبداد ولنظام متسلط على حساب حقوق الإنسان والحريات".

بدورها، شجبت النائبة الأوروبية صوفي إنتفلد (تجديد أوروبا، هولندا) المذكرة، قائلة: "من الواضح جداً أنه تم التوصل إلى اتفاق مع ديكتاتور قاس وغير موثوق به. الرئيس قيس سعيّد زعيم استبدادي وليس شريكاً جيداً، إنه ديكتاتور زاد من عدد المغادرين"، حسب قولها.

من جهتها، اتهمت المتحدثة بيرجيت سيبل (الاشتراكيين الديمقراطيين، فرنسا) السلطات التونسية بالتخلي عن المهاجرين في الصحراء "من دون طعام ومن دون ماء ومن دون أي شيء آخر"، وهو سلوك سبق أن تناقلته وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية، حسب وصفها.

وأضافت سيبل: "نحن مرة أخرى نقوم بتمويل مستبد من دون سيطرة سياسية وديمقراطية في هذا المجلس. هذا ليس حلاً. إنه سيعزز المستبد في تونس".

بينما شبّه النائب مايكل غاهلر (المسيحيون الديمقراطيون، ألمانيا) "عودة تونس إلى وضع شبيه بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي"، وانتقد "توجه الاتحاد الأوروبي لدعمه".

ودعت البرلمانية كارين ملكيور (التجديد، الدانمارك) المفوضية الأوروبية والدول إلى "احترام المبادئ التأسيسية للاتحاد في تعاملهم مع تونس، وعدم التغافل عن وضع حقوق الإنسان والمحتجزين تعسفياً في السجون".

واعتبر مقرر لجنة العلاقات الخارجية النائب السابق عن حزب ائتلاف الكرامة وعضو الاتحاد البرلماني الدولي سابقاً زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مذكرة التفاهم بين سلطة الانقلاب والطرف الأوروبي هي نسخة مشوهة ولدت ميتة من رحم عقيم". ورأى أنه "من الناحية الشكلية، تعتبر هذه الاتفاقية باطلة بعد حكم المحكمة الأفريقية الذي يقضي ببطلان كل ما جاء بعد الانقلاب، وهذا يضعف كثيراً كل اتفاق مع سلطة الانقلاب".

وأوضح الهاشمي: "حتى تصبح هذه المذكرة اتفاقية ملزمة للطرف الأوروبي، يستوجب الأمر موافقة 27 دولة وتمريرها على برلمانات الدول الأعضاء قبل عرضها على البرلمان الأوروبي، وهذا تقريباً شبه مستحيل، لأن هذه الاتفاقية تلقى رفضاً كبيراً داخل الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً من الطرف الألماني".

وبحسب الهاشمي: "التيار اليميني المتطرف داخل أوروبا بزعامة ميلوني هو من يسعى لإنجاح هذا الاتفاق مع قيس سعيّد واستغلال ضعفه وهشاشة موقفه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وكثير من الدول ترى في توطين الآلاف من المهاجرين غير النظاميين في تونس قنبلة موقوتة على الحدود الأوروبية الجنوبية".

وأشار المتحدث ذاته إلى أن "هذه الاتفاقية قد تضرب تحالفات قيس سعيّد الوحيدة في المنطقة مع السلطة الجزائرية، لأن أطرافا فاعلة داخل الجزائر ترى في هذه الاتفاقية خطرا على الأمن القومي الجزائري"، بحسب رأيه.

وعن المذكرة، أوضح الباحث في القانون والمحلل السياسي شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنها "تمثل إعلان مبادئ عامة (نوايا) سيقع الالتزام بها رسمياً مع تقدم الوقت، ويتوقف على التزام كل طرف بما تم تضمينه من تعهدات".

ولفت المحلل السياسي إلى أن "المفاوض التونسي أو الأوروبي اعتمد مرجعيات سابقة في مذكرة التفاهم الموقعة وارتكز على مبادئ عامة للاتفاقيات الدولية"، مشدداً على أن "الوفد المفاوض ليست له الأهلية القانونية لالتزام جديد باسم الاتحاد الأوروبي، وبالتالي ما تم تضمينه هو اتفاقيات سابقة".

ورجح بن عيسى "مرور كل ما جرى الاتفاق عليه في مستوى البرلمان الأوروبي باعتباره مطابقاً لاتفاقيات سابقة". ورأى أن "هذه المذكرة تبقى مفتوحة على كل الإمكانيات مع اتضاح تفاصيلها بمرور الوقت، فيمكن ألا يتم الالتزام بها من قبل أحد الطرفين، فكل عنصر فيها يفتح على مرحلة أخرى من الالتزامات، ومدى التزام الطرفين خلال التنفيذ سيحدد تطبيقها أو نهايتها".

وبين المحلل ذاته: "أي مفاوضات تخضع لمناخات سياسية، مناخ دولي ومناخ سياسي داخلي، واليوم هناك توجه كبير في أوروبا يقوده اليمين المتطرف والعنصري وتحركه الشعبوية، وبالتالي هذه الأنظمة الشعبوية واليمينية تبحث عن معارك ظرفية ومحددة لتحقق انتصارات تبني عليها خطاباتها الداخلية في دولها وفي محيطها الدولي، وهذا الخطاب الشعبوي التبسيطي المنطلق من قضايا (عرقية وعنصرية أحياناً) تفسر المشتركات بين الأطراف الموقعة على المذكرة".

وتحدث بن عيسى عن أن "ميلوني مثلاً تبحث عن انتصارات داخلية انطلاقاً من قضايا المهاجرين غير النظاميين، وبالنسبة لتونس أيضاً المنطلق هو الظرفية السياسية والاقتصادية الصعبة".

وأوضح أن "الرئيس سعيّد تمكن عبر توقيع المذكرة من فك الحصار الدولي، حيث كسر الحصار الأوروبي من داخل الاتحاد الأوروبي، وحتى الحصار الأميركي، حيث كانت الهيئات التشريعية الأوروبية والأميركية تتجه نحو إدانته". وأضاف: "لقد حقق سعيّد الحد الأقصى من المذكرة من دون التنازل عن مبادئ كبرى من برنامجه، وغالباً حتى لا يدان داخل وطنه وخارجه".

المساهمون