لا يزال ملف السياسة الخارجية إجمالاً خارج اهتمامات الحملة الانتخابية الراهنة في الولايات المتحدة الأميركية، مع أنها شارفت على نهايتها؛ إذ مرّ الحزب الديمقراطي على هذا الموضوع بصورة باهتة في مؤتمره الانتخابي العام خلال أغسطس/ آب الماضي، وخصص مساحة هامشية للسياسة الخارجية والتي بقيت ضمن العموميات؛ مثل التأكيد على أهمية التحالفات الدولية، والعلاقات مع إسرائيل، وعدم التراجع عن نقل السفارة إلى القدس ومن دون إدانة الاستيطان وغير ذلك من المألوف.
فيما لم يعلن الحزب الجمهوري، من جهته، في مؤتمره، عن جديد بل تبنى برنامج الرئيس دونالد ترامب خلال حملته في العام 2016، والذي يتميز برؤية خارجية مضطربة يغلب عليها الانكفاء والتباين مع الخط التقليدي المعولم الساري منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وجاءت المناظرة الأولى بين الرئيس ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، مبقية الشؤون الخارجية شبه منسية.
بعدها حصلت مناظرة بين نائب الرئيس مايك بنس، ومرشحة بايدن لنائب الرئيس، كامالا هاريس، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، استمرت ساعة ونصفاً، كانت للسياسة الخارجية حصة عابرة حول "هبوط" دور الولايات المتحدة في العالم؛ من غير إسهاب لا في النقد ولا في التأييد.
كذلك تكرر الغياب، مساء أمس الخميس، حيث كان من المفترض أن تحصل المناظرة الثانية لكنها ألغيت بسبب الخلافات حول كيفية ترتيبها في ظل ظروف كورونا. وقد جرت الاستعاضة عنها بندوتين محليتين منفصلتين لكلا المرشحين في ولايتي فلوريدا (ترامب) وبنسلفانيا (بايدن) ومنقولتين بالوقت ذاته عبر محطتين مختلفتين، وبما يعكس عمق الانقسام في أميركا.
يُذكر أن ندوة بايدن استمرت ساعة ونصفاً، في حين استمرت ندوة ترامب ساعة فقط. خلال الساعتين ونصف الساعة طُرح سؤال واحد حول السياسة الخارجية، على بايدن الذي اكتفى برد ناقد لسياسات ترامب تجاه إيران (الاتفاق النووي) وكوريا الشمالية والصين وروسيا وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وما أدت إليه من "عزل أميركا" عن العالم، لكنه حرص على "الإطراء" والإشادة بالشق المتعلق منها بإسرائيل.
والباقي من الندوتين انحصر بالمواضيع الداخلية خاصة كورونا والوضع الاقتصادي، مع اعتراف الرئيس ترامب بما تسرب قبل أيام إلى صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه مديون بـ200 ــ 400 مليون دولار "وهو مبلغ زهيد مقابل ما نملك من أصول"، كما قال. ما عدا ذلك كان الأداء كسابقه والمواقف هي ذاتها عموماً ولا تخلو من بعض اللف والدوران المعهودَين، لكن بما لا يؤثر على المعادلة الانتخابية الراجحة بلغة الأرقام حتى الآن لصالح بايدن.
أمّا المناظرة الثالثة والمقررة الخميس المقبل، في 22 من الشهر الحالي، فهي لا تزال معلقة مع ترجيح إلغائها لاعتبارات كورونا ولأن كلا الطرفين غير متحمس ضمناً لها خشية الوقوع في مطبات مؤذية قبل 12 يوماً من موعد الاقتراع.
وحتى لو جرت فمن المستبعد أن تحظى السياسة الخارجية بحصة ملحوظة، حتى لا نقول وافرة، من النقاش والتوضيح، فالأولوية للمشاغل والهموم المحلية الطاغية. ثم إنّ التصور المتكامل والمتماسك للدور الأميركي الخارجي في المدى المنظور، غير متوفر لدى الطرفين بأكثر من خطوطه وعناوينه العمومية ومن موقعين متناقضين.
ترامب تقول تجربته إنّ مقاربته للشؤون الخارجية أقرب إلى ما كانت عليه الولايات المتحدة الأميركية، في عشرينيات القرن الماضي بعد الحرب العالمية الأولى.
آنذاك، سادت الانعزالية من خلال الابتعاد عن التحالفات وعن الشؤون الدولية والتورط في الخارج خاصة في النزاعات الأوروبية والآسيوية وانسحاب هذا التوجه على التجارة الخارجية عبر فرض التعرفة الجمركية على البضائع المستوردة. خط وجد ترجمته في العديد من تعاملات الرئيس ترامب مع الملفات الخارجية المعروفة، المتعلقة بحلفاء وخصوم- ومنظمات دولية.
وهذا نهج يعترض عليه بايدن ويعد بنقيضه لو فاز بالرئاسة. لكن هناك شكوكاً في مدى قدرته على مسحه في المدى المنظور؛ لأنّ التغيير الذي حصل في هذا الحقل عميق واستعادة الثقة بالدور الأميركي، عملية لن تكون سهلة أو سريعة بعد الانقلابات التي أجراها ترامب في هذا الحقل، وبما يبقي البلبلة على حالها، وإلى وقت غير قصير.