بعد أقلّ من شهرين على اقتحام أنصاره مقرّ الكونغرس في "كابيتول هيل"، وأكثر من شهر على انتهاء ولايته، عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى دائرة الضوء، مطلقاً سلسلة مواقف حادّة ضد الرئيس جو بايدن، ومتوّعداً بهزيمة الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة. وفي تأكيد على هدفه الإمساك بالحزب الجمهوري، نفى نيته تأسيس حزب جديد، مهاجماً أعضاء جمهوريين يعارضونه. ومن شأن مواقف ترامب أن تفسح المجال أمام حراك سياسي يفترض أن يستمرّ في السنوات الأربع المقبلة، وصولاً حتى الانتخابات الرئاسية 2024. وأطلّ ترامب مساء أول من أمس الأحد على جمهور من المحافظين المتشدّدين، ملقياً كلمته الأولى منذ خروجه من البيت الأبيض، في ختام الملتقى السنوي للمحافظين الأميركيين "مؤتمر العمل السياسي المحافظ"، الذي افتُتح يوم الجمعة الماضي في أورلاندو بولاية فلوريدا.
ترامب لم يرد القيام بمراجعة للسنوات الأربع الماضية
وكان واضحاً أن ترامب لم يرد القيام بمراجعة للسنوات الأربع الماضية، تحديداً مجريات ما حصل بين الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني واقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، بل تمسك بمواقفه الحادّة، بدءاً من عدم الاعتراف بهزيمته وانتهاءً بتأكيد "نصره رغم التزوير". وقال: "في الواقع، أنتم تعلمون أنّهم خسروا (الحزب الديمقراطي)" الانتخابات، مروّجاً من جديد للادّعاءات بأنه حُرم من ولاية رئاسية ثانية بسبب حصول عمليّات تزوير. وأضاف "لكن من يدري، من يدري؟ ربما أقرّر أن أهزمهم للمرة الثالثة". وتوجّه للحاضرين قائلاً "بمساعدتكم سنستعيد مجلس النواب، وسنفوز بمجلس الشيوخ، وبعد ذلك سيعود رئيس جمهوري منتصراً إلى البيت الأبيض، وأتساءل من سيكون"، في إشارة إلى نفسه. وبعدما حُرم من استخدام "تويتر" ووسائل تواصل اجتماعي أخرى، بقي ترامب بعيداً عن الأنظار في مقرّ إقامته في مارالاغو بفلوريدا. وعندما خرج إلى المنصّة، لاقى حفاوةً بالغة من مؤيّديه الذين لم يضع سوى قلّة منهم كمامات على الرغم من انتشار فيروس كورونا. وقال ترامب متوجهاً إلى أنصاره: "الرحلة المذهلة التي بدأناها معاً، لم تنته بعد، وفي النهاية سنفوز". ووضع الرئيس الجمهوري السابق حدّاً للشائعات حول عزمه إنشاء حزب سياسي جديد، قائلاً "لن أطلِق حزباً جديداً. لدينا الحزب الجمهوري، وسيتّحد ويكون أقوى من أيّ وقت مضى". وشنّ الرئيس السابق هجوماً على بعض الجمهوريين الذين شعر بأنّهم خانوه. وقد سمّى بالاسم الجمهوريين العشرة الذين صوّتوا لعزله في مجلس النواب، والجمهوريين السبعة الذين صوّتوا بلا جدوى لإدانته في مجلس الشيوخ. ومن هؤلاء عضوا مجلس الشيوخ ميت رومني وبات تومي وعضوا مجلس النواب آدم كينزينغر وليز تشيني، وأشار إلى أنه سيدعم المرشحين الذين سينافسونهم في انتخابات الحزب. وقال للحاضرين: "تخلصوا منهم جميعاً". وكما كان متوقّعاً، انتقد ترامب بايدن، قائلاً إنّ الديمقراطي أنهى للتوّ "الشهر الأول الأكثر كارثية" لأيّ رئيس جديد في السلطة. ووصف ترامب، في خطابه المتشائم، أميركا بأنها أرض مقسّمة، مشدّداً على أن "أمننا وازدهارنا وهويتنا كأميركيين على المحكّ". كما شنّ هجوماً على المهاجرين، منتقداً سياسات بايدن في مجال تغيّر المناخ والطاقة ونزاهة الانتخابات. وأضاف ترامب في خطابه الذي استمرّ 90 دقيقة: "نحن في صراع من أجل بقاء أميركا كما نعرفها. هذا صراع. هذا صراع رهيب ومريع ومؤلم. في النهاية، نحن نفوز دائماً". وقال 55 في المائة من المشاركين في المؤتمر إنهم سيؤيدون ترامب في انتخابات 2024، في حين جاء حاكم فلوريدا رون ديسانتيس في المركز الثاني بنسبة 21 في المائة. ولم يرَ الكاتب في موقع قناة "سي أن أن" ستيفن كولينسون جديداً في خطاب ترامب، معتبراً أن خطابه في أورلاندو كان شعبوياً، وكتب "آخر مرة تحدث فيها ترامب بهذه اللهجة، كان عند اقتحام أنصاره الكونغرس، وهم يدعون لشنق نائب الرئيس السابق مايك بنس، الذي رفض الانصياع لمطالب ترامب (لجهة نقض نتائج الانتخابات وعدم إعلان فوز بايدن)". وأضاف كولينسون "أظهرت تصريحات ترامب أن القتال من أجل الحفاظ على المؤسسات الديمقراطية الأميركية والانتخابات الحرة لم ينتهِ بعد"، مرجحاً استمرارها حتى الانتخابات الرئاسية 2024. ودعا الكاتب للحذر من الرئيس السابق، مشيراً خصوصاً إلى أن ترامب قرر دعم مرشحين جمهوريين أيّدوا تصريحاته في شأن تزوير الانتخابات الرئاسية في انتخابات التجديد النصفية للكونغرس المقررة في أواخر عام 2022.
بدأ صراع الأجنحة داخل الحزب الجمهوري للجم ترامب
وركّز كولينسون على عدم تطرّق ترامب لاقتحام الكونغرس، بعد تبرئته في مجلس الشيوخ الشهر الماضي. وتطرق كولينسون إلى انتقادات ترامب للمحكمة العليا، التي لم تلبّ مطالبه في الدعاوى القضائية التي رفعها لتغيير مسار فوز بايدن الانتخابي. لكن الكاتب كان واقعياً بالقول: "يحاول ترامب البقاء كالشخص الأكثر تأثيراً في الحزب الجمهوري، لكن السؤال الذي يمكن طرحه، هو: هل ستنجح الاستعراضات، كالتي حصلت يوم الأحد، في إبقاء ترامب في دائرة الضوء، أم أنها ستتلاشى مع الأشهر القليلة المقبلة؟". وأعاد التذكير بمعارضة زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ سابقاً، ميتش ماكونيل، لترامب فضلاً عن قول سيناتور لويزيانا الجمهوري، بيل كاسيدي لـ"سي أن أن": "إذا قمنا بتأييد شخص سنخسر. وهو ما كان الأمر عليه في الرئاسيات الأخيرة". وعلى الرغم من ثقة ترامب العالية بقدرته على التحكم بقواعد الحزب الجمهوري، إلا أن بوادر حرب داخلية في الحزب بدأت تلوح في الأفق. في السياق، ذكر الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست"، جوش داوزي، أن النائب الجمهوري، آدم كينزينغر، أطلق مع حلفاء له لجنة للعمل السياسي داخل الحزب الجمهوري باسم "البلاد أولاً"، وتهدف إلى قطع الطريق على أي احتمال لتمويل حملة لترامب في الحزب. وحدد أحد مستشاري المجموعة، ماريو كاستيّو، هدفه بالقول: "سندعم المرشحين في انتخابات 2022، وقد تلقينا اهتماماً حقيقياً من مانحي الحزب الجمهوري. ونتوقع أن يتم تمويل اللجنة جيداً". ورفض كاستيّو إلى جانب مسؤولين آخرين في اللجنة، الإفصاح عن أسماء المانحين الذين تعهّدوا بتقديم الدعم لهم، كاشفاً عن انضمام عدد من النواب قريباً إلى اللجنة.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)