عملية شمال الخليل.. ضربة للاستراتيجية الإسرائيلية في جنوب الضفة الغربية

31 اغسطس 2024
الاحتلال يغلق المداخل المؤدية إلى الخليل، 31 أغسطس 2024 (مأمون وظوظ/الأناضول)
+ الخط -

في اختراق أمني غير مسبوق منذ بداية الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ نحو 11 شهراً في مناطق جنوب الضفة الغربية، تمكّن شابان فلسطينيان من الوصول إلى منطقة غوش عتصيون الاستيطانية، واقتحام محطة وقود إسرائيلية، وتفجير مركبة فيها، تزامناً مع اقتحام مستوطنة كرمي تسور المقامة شمالي الخليل، وتنفيذ عملية إطلاق نار في المكان. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، كان "منفذا العملية قادا مركبتين في شارع 60، ثم اتجه الأول إلى محطة الوقود، والآخر نحو كرمي تسور، وعلى إثر العملية أصيب اثنان في غوش عتصيون جرّاء انفجار سيارة مفخخة، بالإضافة إلى إصابة قائد لواء غوش عتصيون في الجيش الإسرائيلي، وهو ضابط برتبة عقيد، أصيب هو وأحد الجنود برصاص زملائهم خلال وقوع العملية".

وعلم "العربي الجديد" من مصادر عائلية، أن الاحتلال أبلغ عائلة الشاب زهدي أبو عفيفة (20 عاماً) وهو طالب في قسم المحاسبة بجامعة الخليل، وعائلة الشاب محمد مرقة (20 عاماً)، الطالب في كلية الهندسة بجامعة بوليتكنيك فلسطين، أنهما منفذا العملية المزدوجة في شمال الخليل، فيما اقتحم منازل عائلتيهما وكسّر محتوياتها، واعتقل أقرباء لهما، ومن الجيران. وبحسب المصادر، فإن المنفذين صديقان مقرّبان، يقطنان في المربع السكني ذاته بمنطقة وادي الهرية جنوبي الخليل، وكانا قبل نحو أسبوع يقودان المركبة التي نفّذا فيها العملية، وهي مركبة غير قانونية، ولا يحملان انتماء تنظيمياً معلناً.

وفجر اليوم التالي للعملية، أي اليوم السبت، أبلغ الاحتلال الارتباط المدني الفلسطيني بأنه أغلق كل مداخل محافظة الخليل، بالإضافة إلى إغلاق المسجد الإبراهيمي "حتى إشعار آخر"، واقتحم مختلف مناطق مدينة الخليل، وتحديداً المنطقة الجنوبية، وأعلن اعتقال 6 فلسطينيين يشتبه بدورهم في العملية. وتأتي هذه العملية المزدوجة في وقت ينفّذ فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية في مناطق شمال الضفة الغربية، بدأت منذ فجر الأربعاء الماضي، استشهد على إثرها أكثر من 20 فلسطينياً، عدا عن عشرات الإصابات، وذلك بهدف "القضاء على الكتائب المسلّحة في شمال الضفة".

ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن عملية الخليل تأتي رداً من الفصائل الفلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي بأن سياسة التفرّد في بعض المناطق، والقيام بعمليات عسكرية فيها، لا يعني أن الفصائل تنتظر أن يفرغ الاحتلال من هذه المناطق لينتقل إلى أماكن أخرى، وهذا تكريس لفكرة أن الحالة الوطنية النضالية متكاملة، وإن اختلفت الأدوات والمقدرات وفق الظروف الأمنية، وبالتالي فشل سياسة "خلق النماذج"، بمعنى جعل بعض مناطق الضفة الغربية تعيش وسط اعتداءات إسرائيلية قليلة، مقارنة بمناطق أخرى تعيش حالة ضنك بفعل تفاعلها مع الحالة النضالية، وذلك يعني أن الرسالة التي حملتها عملية الخليل للإسرائيليين هي "أن سياسة الاجتثاث والقمع والتدمير لن تؤدي إلى تضيق الحالة النضالية، بقدر ما ستؤدي إلى توسيعها".

ووفق الشوبكي، تحمل العملية رسالة أخرى، هي أن مناطق الضفة لم تستسلم للواقع الأمني المفروض، بقدر ما كانت حالة الهدوء تشير إلى محاولات ترميم هادئة للتنظيمات المقاومة، والشاهد على ذلك قدرة الفصائل على الانتقال تدريجياً وبصورة منظمة إلى حالة فاعلة في مختلف مناطق الضفة. كما توحي عملية الخليل وأنشطة المقاومة في مختلف مناطق الضفة، إلى قدرة التنظيمات على الحشد بعيداً عن النمط الكلاسيكي المعتاد، ما يعني استثمارها بالفلسطينيين عبر الوصول إليهم من الناحية الإعلامية مثلاً، من دون أن تكون هناك حاجة إلى التنشئة التنظيمية كما كانت في مرحلتي الانتفاضة الأولى والثانية، وذلك يشير إلى أن الاعتقاد الإسرائيلي لم يكن صائباً عندما ظنّ أن تغييبه لبؤر التنشئة السياسية والتربية الحركية، سيكون مبعثاً للطمأنينة، بل بات يشكل تحدياً أكبر له، بحسب ما يوضح الشوبكي.

وأشادت فصائل فلسطينية بالعملية، منها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فيما نشرت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، عبر صفحتها في تليغرام، مشاهد من عمليات سابقة لها في الضفة الغربية، وعلّقت: "جاءكم الرد من جنوب الضفة الأبية، يا أبناء اليهودية؛ وللحديث بقية". وكون العملية مزدوجة في التوقيت نفسه، يرى الشوبكي أن ذلك قائم على مبدأ التنسيق المشترك في التنفيذ، بمعنى أن العملية لا تحمل طابعاً فردياً بقدر ما تحمل طابعاً منظماً، وذلك يوحي بوجود مظلّة سياسية لهذه العملية، تهدف إلى توظيفها في سياق غايات سياسية، وليست مجرّد عملية انتقامية كما جرت العادة في السنوات العشر الأخيرة، وذلك قد يوحي بأن الفصائل بدأت ترمم نفسها في المنطقة.

ورداً على سؤال عن خشية الاحتلال من الخليل تحديداً، يجيب الشوبكي أن ذلك يعود إلى عوامل عديدة، منها أن "البنية الديمغرافية للخليل أكبر من غيرها، بالتالي يتوقع أن تخرج منها عمليات بشكل كبير، إضافة إلى قربها جغرافياً من القدس، واحتكاك مجتمع المستوطنين مع سكّان محافظة الخليل أكبر من غيرهم في مناطق أخرى، بالتالي عرقلة حياة المستوطنين في المحافظة مختلف عن أي مكان آخر بحكم القرب الجغرافي، عدا عن عامل آخر غير ظاهر، هو الحضور الفصائلي المكثف في الخليل بحكم البنية الاجتماعية للمدينة، وذلك قد يخيف إسرائيل بأن تشهد المدينة عملية ترميم فصائلي، تحديداً التنظيمات الإسلامية".

وتحمل هذه التصريحات لكتائب القسام رسائل مزدوجة لإسرائيل، أولها أن العمليات لا تحمل طابعاً فردياً، وأن إعلان العملية المسبق يوحي بوجود ثقة كبيرة لدى التنظيمات المقاومة، بشكل لا يستطيع الجيش الإسرائيلي الكشف عنه، ومن ثم اتباع فكرة "التحذير المسبق" يوحي بأن سياسة الردع والحسم فشلت في مناطق الضفة. وتعبّر عملية شمال الخليل وفق الباحث السياسي عادل شديد، عن فشل رؤية الاحتلال التي اعتقد من خلالها أنه أطبق سيطرته الكاملة على المدينة، والقائمة على أن المدينة باتت اليوم قائمة على منظومة عشائرية عائلية، وأخرى اقتصادية تجارية ترى ضرورة الحفاظ على الأمن والهدوء والاستقرار، انسجاماً مع مصالحها وفق ما يريده الاحتلال، غير أن هذا كلّه فشل، ما دام أنّ هناك عمليّة نفّذت بالشكل الذي جرى، كما يقول في حديث مع "العربي الجديد".

ويقول شديد: "أن تأتي العملية بالتنفيذ الذي سبقه تحضير عبوات تفجيرية وتجهيز المركبة، والوصول إلى منطقة عتصيون الاستيطانية، يعني أن إسرائيل واجهت فشلاً استخباراتياً أمنياً، ضرب الرواية الأمنية الفوقية الإسرائيلية بأن الانتشار الأمني الإسرائيلي، يحول دون تشكيل بنية تحتية للمقاومة الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة، وفي الخليل تحديداً، التي تعبّر هذه العملية عن فشل سياسة الترويض التي يمارسها الاحتلال بحقّ المدينة، ومحاولة عزلها عن محيطها وعمقها الفلسطيني، وبالتالي فشل سياسة الاحتلال في تحديد أدوار كلّ محافظة بالضفة.

ذلك كلّه يعني بحسب شديد، أن القراءة الإسرائيلية من الناحية السياسية والاجتماعية للخليل لم تنجح، ولكن عدم نجاح العملية بالكامل يطرح تساؤلات "فيما إن كانت هذه العملية يتيمة أم ستتبعها عمليات أخرى، وهذا لا يمكن البناء عليه بشكل قطعي، من دون مشاهدة ومراقبة السلوك الإسرائيلي في الخليل خلال الأيام المقبلة". ووفق شديد، "فإن كتائب القسام لديها مصلحة عليا في أن يتفاقم التصعيد بكل مكان وفي الخليل، وذلك كي لا تكون غزّة وحيدة، كون أن (القسام) من يتصدر المقاومة في غزة، والآن في جنين، وتسعى لتكرار المشهد في الخليل، لكن ذلك قائم على مدى قدرة كتائب القسام ترجمة التصريحات إلى شيء على الأرض، وذلك تحدده الأيام المقبلة، وبالتالي سيحدد مستقبل المنطقة".