علاقة المغرب والاتحاد الأوروبي تحت الاختبار مجدداً

01 أكتوبر 2021
تتضمن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي اتفاقاً للصيد البحري (فرانس برس)
+ الخط -

دخلت علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي منعرجاً جديداً بعد قرار محكمة العدل الأوروبية أول من أمس الأربعاء، إلغاء العمل باتفاقيتي الزراعة والصيد البحري، اللتين تربطان الاتحاد الأوروبي بالمغرب، بدعوة أنهما تشملان منتجات آتية من الصحراء، وعدم قبول سكان تلك المنطقة بالاتفاقيتين.

ويعيد قرار محكمة العدل الأوروبية إلى الأذهان الأزمة التي ألقت بظلالها على علاقات المغرب بالاتحاد الأوروبي في 25 فبراير/شباط 2016، حين أوقفت الرباط الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي رداً على حكم أولي لمحكمة العدل الأوروبية، في ديسمبر/كانون الأول 2015، يقضي بإلغاء اتفاقيتي الصيد البحري وتبادل المنتجات الزراعية بين الجانبين، لتضمنها منتجات الصحراء، قبل أن تقرر الرباط في الشهر التالي، استئناف الاتصالات مع بروكسل، بعدما تلقت المملكة تطمينات بإعادة الأمور إلى نصابها. وتكرر الأمر ذاته في عام 2018، بعد صدور قرار عن المحكمة ذاتها اعتبرت فيه أن ضم إقليم الصحراء إلى اتفاقية الصيد البحري "يخالف بعض البنود في القانون الدولي". وهو القرار الذي احتج عليه المغرب في مارس/ آذار 2018، مهدداً بعدم الاستمرار في الاتفاق.

تكرار مثل تلك القرارات قد يدفع المغرب إلى إعادة صياغة علاقاته الإقليمية وفق ما يخدم مصالحه

وعلى الرغم من أن القرار الجديد لمحكمة العدل الأوروبية لا يعكس موقف الاتحاد الأوروبي ولا ينتج منه أي أثر فوري على الاتفاق بين بروكسل والرباط، لأنه حكم ابتدائي لن يغير من الواقع شيئاً حالياً، إلا أنه يثير العديد من الأسئلة حول تداعياته على مستقبل علاقة الشراكة بين الرباط وبروكسل، إذ إن تكرار مثل تلك القرارات قد يدفع المغرب إلى إعادة صياغة علاقاته الإقليمية وفق ما يخدم مصالحه. علماً بأنه بعد القرار، حرص وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة والممثل السامي للاتحاد الأوروبي المكلف بالسياسة الخارجية جوزيف بوريل، على التأكيد في بيان مشترك على أنه "سنظل على أتمّ الاستعداد من أجل مواصلة التعاون، في مناخ من الهدوء والالتزام لتوطيد الشراكة الأوروبية - المغربية".

وكان الاتحاد الأوروبي قد وقّع مع المغرب اتفاق شراكة موسعة عام 1996، دخل حيز التنفيذ عام 2000، وشمل جوانب عدة أهمها بالنسبة للمغرب تصدير المنتجات الزراعية بما فيها المتأتية من الصحراء، وقد تم تجديده آخر مرة في العام 2012، وفق معطيات رسمية. وتتضمن هذه الشراكة أيضاً اتفاقاً للصيد البحري تم تجديده آخر مرة في 2019 ويمكن السفن الأوروبية الصيد في منطقة الصيد البحري بالمغرب، بما يشمل سواحل منطقة الصحراء لمدة أربعة أعوام. وتحصل الرباط، بموجب الاتفاق، في العام الأول على 48.1 مليون يورو (53.9 مليون دولار)، ثم 50.4 مليون يورو (56.5 مليون دولار) في العام الثاني، و55.1 مليون يورو (61.76 مليون دولار) في العامين الثالث والرابع.

كما حصل المغرب على مكانة "الشريك المميز" (الوضع المتقدم) للاتحاد الأوروبي، في أكتوبر/تشرين الأول 2008، يستفيد بموجبه من اتفاقيات وتمويلات أوروبية عدة.

وعلى امتداد العقود الثلاثة الماضية للشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، مرت علاقات الطرفين، بين الفينة والأخرى، بأزمات لا تخدم المصالح الاستراتيجية للرباط، بعد إصدار بعض مؤسسات الاتحاد قرارات أثرت في طبيعة الشراكة بين الطرفين؛ كالقرار الصادر عن محكمة العدل الأوروبية في 14 ديسمبر 2015، الذي يقضي بإلغاء الاتفاق الزراعي بسبب المواد الزراعية الآتية من منطقة الصحراء، قبل أن يتم تصحيح ذلك من طرف محكمة العدل الأوروبية والحكم بسريان الاتفاق بين الطرفين.

أونغير: القرار سيؤدي إلى تجميد عدد من المصالح المشتركة بين الطرفين

وإن كانت الأزمة نفسها تثار عند اقتراب الدخول في مفاوضات بين الجانبين لتجديد اتفاق الصيد البحري، إلا أنه كان لافتاً خلال الأشهر الماضية، بروز خلافات بين المغرب وبلدين أوروبيين، هما ألمانيا وإسبانيا، وتسارعت الأحداث لتستدعي الرباط في 6 مايو/أيار الماضي، سفيرتها لدى برلين زهور العلوي، بسبب موقف ألمانيا "السلبي" بشأن قضية الصحراء و"محاولة استبعاد الرباط من المشاورات حول ليبيا". كما استدعى المغرب في الـ18 من الشهر ذاته سفيرته لدى مدريد، كريمة بنيعيش، على خلفية الأزمة التي فجرتها استضافة إسبانيا لزعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية، إبراهيم غالي، للعلاج من فيروس كورونا بهوية جزائرية مزيفة.

وفي ظل واقع الأزمات المتجددة، رأى الباحث في العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن قرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص إلغاء اتفاقيتي الزراعة والصيد البحري "ستكون له تبعات سلبية على العلاقات المغربية مع الاتحاد الأوروبي، وسيؤدي إلى تجميد عدد من المصالح المشتركة بين الطرفين". واعتبر أونغير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "القرار استند إلى معطيات ودواع غير واقعية، كالحديث عن رفض سكان المناطق الجنوبية لتلك الاتفاقات التجارية، في وقت يشهد الجميع أن سكان المناطق الجنوبية المغربية يختارون ممثليهم السياسيين ومنتخبيهم بكل حرية في الانتخابات التي تشهد مشاركة مكثفة لسكان تلك المناطق". ورأى أونغير أن قرار محكمة العدل الأوروبية "سيضر كذلك بالجهود التي قام بها المغرب في مجال محاربة الإرهاب والحد من الهجرة غير النظامية نحو أوروبا"، موضحاً أن "المغرب يبذل جهوداً كبيرة ويتكبد خسائر ضخمة في هذا الإطار، بينما لا يتم التعامل بالمثل من قبل الأوروبيين في ما يخص مصالحه الاستراتيجية".

البعمري: البيان الصادر عن المغرب والاتحاد الأوروبي أغلق القوس التي كان يراد فتحها بين الطرفين

من جهته، استبعد الباحث في الشؤون الصحراوية، نوفل البعمري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تنتج عن قرار محكمة العدل الأوروبية أزمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، "بدليل أن الرباط أصدرت بياناً مشتركاً مع بروكسل يؤكد متانة العلاقة بين الطرفين ومضيهما قدماً نحو بناء شراكة أكثر قوة، قائمة على الوضوح والتماسك ومراعاة مصالح الجانبين. كما أكدا أنهما سيسعيان معاً لإيجاد صيغة قانونية تضمن تنفيذ الاتفاقيات المشتركة بينهما بما فيها الاتفاقيات التي تشمل منطقة الصحراء باعتبارها جزءاً من التراب المغربي". وبحسب الباحث المغربي، فإن البيان الصادر من الطرفين "أغلق القوس التي كان يراد فتحها بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وانتصر لمنطق الشراكة والمستقبل والحوار"، معتبراً أن ذلك "مهم جداً للمنطقة ككل وللطرفين، وأنه لا يمكن تبعاً لذلك، الحديث عن وجود تأثير سلبي لما حصل على العلاقات بين الجانبين".

المساهمون