بعد 10 سنوات على رأس السلطة اليمنية، قضى بعضها في اليمن قبل أن يحكم من المنفى، قرّر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي، يترأسه رشاد العليمي وبعضوية 7 آخرين من كل الأحزاب والمكونات السياسية، لينتهي بهذا عهد رئيس حكم "عن بُعد" قرابة 7 سنوات.
كان يأمل اليمنيون في أن يزيح منصور هادي شبح الحكم الاستبدادي لسلفه علي عبد الله صالح، وقد انتخب في أعقاب ثورة فبراير/شباط 2011، إلا أن فترة حكمه تحوّلت إلى حقبة مظلمة، مع اجتياح الحوثيين، بالتحالف مع الموالين لصالح، العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، وسيطرتهم على أبرز مؤسساتها، فضلاً عن سوء إدارة الدولة في عهده.
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وقعت الأطراف اليمنية المعنيّة على مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآليتها التنفيذية الأممية، وبمقتضاها، نقل علي عبد الله صالح صلاحياته إلى نائبه آنذاك (هادي)، والذي أصبح الرئيس لاحقاً.
وبناء على اتفاق المبادرة الخليجية، وفي الـ21 من فبراير/شباط 2012، أُجريت انتخابات رئاسية غير تنافسية، أقرب إلى استفتاء، اختار خلالها ما يقرب من ستة ملايين يمني عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً لليمن، بدعم من مختلف القوى الموقعة على اتفاق التسوية، وفي الـ27 من الشهر نفسه، تسلّم هادي السلطة من صالح، في حفل رمزي في مقر الرئاسة اليمنية.
شهد اليمن خلال المرحلة الانتقالية انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي بدأ أعماله في صنعاء في الـ18 من مارس/آذار 2013، بمشاركة 565 عضواً، ليناقش مختلف قضايا البلاد المصيرية، بما فيها إطلاق دستور جديد في البلاد. اختتم المؤتمر أعماله في يناير/كانون الثاني 2014 بأكثر من ألفي بند توزعت ما بين مقررات وتوصيات يفترض استيعابها في الدستور الجديد.
ومن أبرز المخرجات إقرار تحويل البلاد من نظام الدولة البسيطة إلى النظام الاتحادي (الفيدرالي)، لتصبح دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم، والتمديد لهادي إلى حين إنجاز مسودة الدستور الجديد وإجراء انتخابات، بعد أن كان من المقرر أن تنتهي فترته الرئاسية خلال عامين.
عندما توسع الحوثيون، الذين كانوا يسيطرون على صعدة اليمنية (أقصى الشمال)، نحو العاصمة صنعاء في 2014، وقيامهم في يناير/كانون الثاني 2015 بالإجهاز على ما تبقى لهادي باقتحام مقر الرئاسة ومحاصرة منزله، وجد الأخير نفسه مضطراً لإعلان استقالته في الـ22 من يناير 2015؛ إلا أنّ اليمنيين فوجئوا، في الذكرى الثالثة لانتخابه في 21 فبراير/شباط من العام نفسه، بأنه تمكّن من الإفلات من الإقامة الجبرية، وغادر صنعاء إلى عدن، ليعلن التراجع عن الاستقالة، ويصف صنعاء بالعاصمة "المحتلة" من الحوثيين، قبل أن يتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقراً مؤقتاً منذ الاجتياح الحوثي لمدينة عدن التي أعلنها عاصمة مؤقتة للبلاد أواخر فبراير 2015.
وطيلة السنوات السبع التي قضاها في المنفى، لم ينفذ الرئيس هادي سوى زيارات محدودة وقصيرة إلى عدن. وعلى الرغم من التقارير التي كانت تتهم التحالف الذي تقوده السعودية بالحيلولة دون استقرار الرئيس داخل الأراضي اليمنية لمدة طويلة، إلا أنّ سلطة الحكومة المعترف بها دولياً جنوباً كانت تتلاشى بشكل تدريجي لصالح الانفصاليين، كما هو الحال في صنعاء وغالبية مدن الشمال التي باتت في قبضة الانقلابيين الحوثيين المدعومين إيرانياً.
جملة من التحديات كبّلت هادي "الرئيس" منذ تسلّمه مقاليد حكم اليمن أواخر فبراير 2012، بعد 18 عاماً قضاها في منصب نائب الرئيس الظل، على الرغم من الدعم اللافت الذي تلقاه من المجتمع الدولي والأمم المتحدة مع بداية المرحلة الانتقالية المحكومة بالمبادرة الخليجية التي حلت كنظام حكم محل الدستور اليمني.
تعرضت المرحلة الانتقالية لضربات متتالية من النظام السابق، الذي بدأت نزعاته الانتقامية تتعاظم لإفشالها من خلال إشاعة أجواء الاضطرابات الأمنية والتفجيرات في العاصمة صنعاء، وخصوصاً بعد شروع الرئيس هادي في إجراء إصلاحات حقيقية، على رأسها هيكلة الجيش.
وخلافاً للمؤامرات الخفية التي قادها النظام السابق ضد المرحلة الانتقالية قبل الانتقال إلى تحالف علني مع المليشيا الحوثية، فإنّ سوء إدارة حكم الرئيس هادي ساهم هو الآخر في تردي الأوضاع، وشكّلت خيبة أمل لأنصار الثورة الشعبية التي طالبت بطي صفحة الاستبداد والدولة العميقة.
طيلة السنوات الماضية، بدا الرئيس هادي كما لو أنه حريص على البقاء على كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة، حتى وإن كان معزولاً بشكل كلي عن الواقع الذي يعيشه اليمن؛ عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. أسند هادي مقاليد الحكم لأبنائه ودوائر مقربة.
وخلافاً لنظام "الحكم عن بُعد" من دون الحرص على تنفيذ ولو زيارات معنوية إلى المحافظات التي تشهد تطورات عسكرية، مثل مأرب أو شبوة أخيراً، لم يظهر الرئيس كقائد أعلى لقوات مسلحة تخوض حرباً مصيرية، حتى وإن كان عبر وسائل الإعلام.
في مناسبات نادرة، كانت وسائل الإعلام الرسمية تنشر تفاصيل مكررة لمكالمات هاتفية لهادي مع محافظي المحافظات المشتعلة مثل مأرب أو شبوة، أو المضطربة مثل حضرموت وعدن، في وقت كان الشارع اليمني يتوقع أن يترأس هادي اجتماعات دائمة لمجلس الدفاع الوطني، أو يوجه خطابات دورية يدعو فيها للتعبئة العامة وحشد الإمكانيات لمواجهة الانقلاب الحوثي.
عزا البعض قلة ظهور هادي العلني إلى وضعه الصحي المتدهور، فالرئيس الذي اقترب من طي عامه الـ76 يعاني من اعتلال في وظائف القلب منذ العام 2011، ويحرص على إجراء فحوصات طبية سنوية في الولايات المتحدة. ودائماً ما أثار غياب الرئيس الطويل عن الظهور العلني في وسائل الإعلام الكثير من التكهنات حول وضعه الصحي الحرج.