استمع إلى الملخص
- انهارت محاولات التفاوض لاحقاً بسبب مواقف نتنياهو المتشددة وضغوط شركائه في الائتلاف، ورفض عروضاً للتفاوض، بما في ذلك مبادرة مصرية.
- استمرت محاولات التفاوض بالفشل مع تعنت نتنياهو ورفضه عروض التهدئة، مما زاد من الإحباط الشعبي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأميركية.
مرة تلو الأخرى، أحبط رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على مدار عام كامل من حرب الإبادة على قطاع غزة أي صفقة محتملة لإجراء تبادل الأسرى مع حركة حماس، ووقف الحرب واستعادة 251 إسرائيلياً محتجزاً في القطاع منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لا يزال 101 منهم في الأسر، باستثناء الصفقة الوحيدة التي قادها الوسطاء، قطر ومصر والولايات المتحدة، وتخللتها هدنة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. حينها أطلقت إسرائيل سراح 240 أسيراً فلسطينياً من نساء وأطفال، فيما أطلقت "حماس" سراح 81 إسرائيلياً و25 أجنبياً. تعتقد إسرائيل أن نحو نصف المحتجزين ما زالوا على قيد الحياة، وهي التي سبق أن قتلت العديد منهم في عملياتها العسكرية، وفوّتت أيضاً عدة فرص لاستعادتهم، بسبب حسابات منها سياسية لدى نتنياهو، الذي فضّل مراعاة مواقف ومطالب بعض شركائه في الائتلاف الحكومي الذين رفضوا جميع مقترحات صفقة تبادل الأسرى. نتنياهو الذي وافق على إطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي جلعاد شاليط عام 2011، هو ذاته الذي يردد أن الضغط العسكري هو السبيل لاستعادة المحتجزين، لكن حكومته استعادت جزءاً منهم جثثاً.
بعد السابع من أكتوبر 2023، ظهر مسؤولون إسرائيليون، حاليون وسابقون، سياسيون وعسكريون، ليحثّوا على صفقة تبادل الأسرى بمنطق "الكل مقابل الكل"، ما يعني تبييض السجون من جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل استعادة المحتجزين الإسرائيليين، لكن نتنياهو فضّل مقتل المحتجزين الواحد تلو الآخر على القيام بذلك ووقف الحرب، وصمد في وجه التظاهرات الإسرائيلية حتى أحبط معظمها. وكانت الطلقة الأخيرة في إعلان العدوان على لبنان جبهة الحرب الرئيسية، ما فسّره أهالي المحتجزين تخلياً عنهم. ولكن كيف أحبط نتنياهو الصفقة مرة تلو الأخرى منذ الصفقة السابقة؟ هذه أبرز المحطات والقرارات وفق ما كشفته الأحداث أو أوردته وسائل إعلام عبرية.
انهيار تفاهمات تبادل الأسرى في ديسمبر
في الليلة الواقعة بين 30 نوفمبر/ تشرين الثاني والأول من ديسمبر/ كانون الأول 2023، انهارت التفاهمات بين إسرائيل و"حماس". أُطلِق سراح 81 إسرائيلياً في صفقة نوفمبر، وهي الوحيدة حتى الآن لصفقة تبادل الأسرى منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى 25 رهينة آخرين من جنسيات أجنبية. وفي النهار التالي، استأنف الاحتلال القتال في قطاع غزة، بحجة رفض "حماس" تسليم قائمة جديدة بأسماء من سيُطلَق سراحهم. وفي الوقت الذي واجهت فيه المفاوضات صعوبات، بدأت التهديدات لأول مرة من قبل الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، أبرز حليفين لنتنياهو في ائتلافه الحاكم، على خلفية تقارير تفيد بأن إسرائيل تدرس على ما يبدو إبرام صفقة شاملة تشمل إنهاء الحرب. تهديدات عادت مراراً وتكراراً، طوال الأشهر الماضية، لكن نتنياهو نفسه أراد أيضاً إطالة أمد الحرب، واستخدم الوزيرين ذريعة أمام الوسطاء، خصوصاً الولايات المتحدة، زاعماً أن حكومته قد تكون في خطر، وربما مراهناً على الوقت لاستعادة الردع الذي فقدته إسرائيل، وترميم مكانته بتوجيه ضربات للمقاومة واغتيال قادتها، بحثاً عن "النصر المطلق" الذي رفع شعاره، لكنه لم يحققه حتى اليوم. ضيّع الاحتلال فرصاً لصفقة أفشلها نتنياهو، حتى أنه اتُّهم إسرائيلياً بذلك، سواء بتسريبات من قبل مسؤولين ضالعين في المفاوضات تناولها الإعلام، أو باتهامات صريحة له من قبل عائلات المحتجزين وجهات أخرى.
استخدم نتنياهو تهديدات بن غفير وسموتريتش ذريعة أمام الوسطاء، زاعماً أن حكومته قد تكون في خطر
في 13 ديسمبر رفض نتنياهو عرض رئيس "الموساد" ديفيد بارنيع للسفر إلى قطر في محاولة للتقدّم بصفقة أخرى. وفي الـ 21 من الشهر نفسه، أوعز إلى فريق المفاوضات بالاستماع فقط إلى ما يعرضه الوسطاء. وفي 24 ديسمبر، طُرحت مبادرة مصرية لصفقة على ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار، يجري في نهايتها إنهاء الحرب، فيما منع نتنياهو في اليوم التالي، وزير الأمن يوآف غالانت من إجراء مناقشة خاصة مع رئيس "الموساد" حول صفقة تعيد المحتجزين الإسرائيليين.
تعليق المفاوضات في يناير
بعد نحو أسبوع أعلنت حركة حماس من جهتها تعليق المحادثات مع الوسطاء بعد اغتيال الاحتلال نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري في بيروت في 2 يناير/ كانون الثاني 2024. وفي الفترة نفسها تبنّى مجلس إدارة الحرب الإسرائيلي (كابينت الحرب) نهج عدم التحدّث مع الوسطاء عن الآلية التي تحدد عدد الأسرى الذين يُطلق سراحهم في الصفقة، إذ افترضت إسرائيل أن التركيز على هذه القضية سيُفشل المفاوضات، وليس بالضرورة من جانب "حماس"، بل من جانبها هي، وهو ما عكسته أقوال سموتريتش، الذي عمد نتنياهو في أكثر من مناسبة إلى تسريب معلومات له ليكشفها بدوره على الملأ ويفشل الصفقة. وقال سموتريتش: "أعارض صفقة، تكون فيها الآليات أكبر (آليات إطلاق أسرى فلسطينيين)، والهدنة أطول". ولم تكن التفاصيل التي نُشرت في تقارير إعلامية بشأن موافقة إسرائيل على إطلاق سراح ما بين 18 إلى 33 محتجزاً ضمن الصفقة الإنسانية غريبة عنه على الإطلاق. داخل غرفة "كابينت الحرب"، الذي هو ليس جزءاً منها، كان الحديث يدور عن صفقة من ثلاث مراحل، تشمل كل واحدة منها هدنة لمدة 42 يوماً، يوم واحد لكل محتجز.
في نهاية شهر يناير، وفي أثناء مناقشة "كابينت الحرب" صفقة المراحل، قال وزير الأمن يوآف غالانت: "لماذا إطلاق سراح مختطف واحد يومياً؟ لماذا ليس 10 مختطفين في اليوم كما في المقترح السابق؟". وردّ نتنياهو: "هذا سيسمح لنا بإدارة الأمور والسيطرة بشكل أفضل يوماً بعد يوم".
هدد بن غفير في 30 يناير بأن إبرام صفقة يعني أنه لن يكون لهذه الحكومة حق في البقاء
في 28 يناير، توجّه بارنيع إلى ما سيُعرف فيما بعد بقمة باريس الأولى. وأعلن مكتب نتنياهو أن اللقاء كان بناءً، لكن بعد يومين في 30 يناير، هدد بن غفير من على منبر الكنيست، بأن إبرام صفقة يعني أنه "لن يكون لهذه الحكومة حق في البقاء". توالت التهديدات من قبل شركاء نتنياهو في الائتلاف، ليكثّف حديثه في الأيام التالية، من خلال بيانات مكتوبة ومصوّرة، عن صعوبات تواجه اتصالات الصفقة، ما يعني إفشاله ما وصفه قبل ذلك باللقاء البنّاء. وقال نتنياهو في أحد مقاطع الفيديو وقتئذ: "نعمل من أجل التوصّل إلى مقترح إضافي لتحرير مختطفينا، لكنني أؤكد، ليس بأي ثمن. لدي خطوط حمر". وأضاف في مقطع فيديو آخر: "لن نوافق على كل صفقة، وليس بأي ثمن".
نتنياهو يواصل التشدد في فبراير
واصل نتنياهو التشدد في مواقفه إزاء أي صفقة محتملة، طوال شهر فبراير/ شباط 2024، فيما حاول المستوى المهني الإسرائيلي التوصّل إلى صفقة إنسانية قبل بدء شهر رمضان، تعيد جزءاً من المحتجزين الإسرائيليين، بانياً على حاجة سكان قطاع غزة للمساعدات الإنسانية. وسمح نتنياهو لفريق المفاوضات الإسرائيلي، بالتحدّث مع الوسطاء بشأن ذلك، لكنه منعه من إبداء مرونة، ولم يسمح له إلا بالاستماع. في 13 فبراير، صرّح الرئيس الأميركي جو بايدن، أن "الولايات المتحدة تعمل على صفقة رهائن بين إسرائيل وحماس، من شأنها أن تجلب هدوءاً فورياً ودائماً في غزة"، لكن هذا لم يُفضِ إلى شيء، وواصل الاحتلال التصعيد سياسياً وعسكرياً.
إفشال صفقة في مارس
في 8 مارس/ آذار 2024، طلبت قيادات سياسية وأمنية إسرائيلية توسيع التفويض الممنوح للفريق المفاوض، لكي يتمكّن من إبداء مرونة خلال المحادثات مع الوسطاء، لكن نتنياهو استمر في الرفض. وفي 16 مارس، امتنع نتنياهو عن عقد "الكابينت" وتوسيع التفويض، على الرغم من المناشدات. وبعد يوم واحد، في 17 مارس، قال الجنرال احتياط نيتسان ألون، ممثل الجيش الإسرائيلي في فريق التفاوض، في محادثة مغلقة أشارت إليها وسائل إعلام عبرية: "لقد أضعنا الفرصة، لقد أُفشِلَت الصفقة".
تعديلات جديدة وتهديدات في إبريل
في 25 إبريل/ نيسان 2024، اتفق نتنياهو والوزراء في "كابينت الحرب" على الحد الأدنى من عدد المحتجزين الذي يمكن لإسرائيل أن توافق مقابله على صفقة جزئية. صُنّف العدد على أنه سري جداً، ووافق نتنياهو تحت ضغط أعضاء في "الكابينت"، لطاقم المفاوضات البدء بالتقدّم. وخلال جلسة جمعت فريق التفاوض مع البعثة المصرية في فندق في تل أبيب من أجل محاولة المضي قدماً، سُرّب إلى سموتريتش، من ديوان نتنياهو، المقترح الذي يجري العمل عليه. وبعد لقاء شخصي جمع نتنياهو وسموتريتش، قال الأخير خلال جلسة لـ"الكابينت": "هذه صفقة سيئة... سأحلّ الحكومة". وفي 28 إبريل، أدلى سموتريش بتصريحات على الملأ حذر فيها نتنياهو: "إذا قررت رفع العلم الأبيض، فلن يكون للحكومة التي ترأسها أي حق في الوجود". وفي مساء اليوم نفسه، أجرى نتنياهو مشاورات هاتفية، مستثنياً الوزير وعضو حكومة الحرب آنذاك بيني غانتس، وأدخل مرة أخرى تغييرات على تفويض الفريق الإسرائيلي.
في 25 إبريل اتفق نتنياهو والوزراء في "كابينت الحرب" على الحد الأدنى من عدد المحتجزين الذي يمكن لإسرائيل أن توافق مقابله على صفقة جزئية
مراوغات في مايو
في شهر مايو/ أيار 2024، وافقت إسرائيل من خلف الكواليس، على مناقشة تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة، لكن سرعان ما ظهر ما يُفشل الصفقة كما في كل مرة. في الأول من مايو، أشارت تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار (قبل أن يصبح لاحقاً رئيساً للمكتب السياسي للحركة خلفاً لإسماعيل هنية الذي اغتالته إسرائيل)، سيوافق على الصفقة. لكن في 2 مايو، أوعز نتنياهو باجتياح رفح، ما أثار غضب ومعارضة وزراء في "الكابينت"، معتبرين أن هذا سيؤدي بالتأكيد إلى إلغاء الصفقة المطروحة. في 4 مايو، نقلت وسائل إعلام عبرية، عن نتنياهو، تحت الاسم المستعار "مسؤول سياسي كبير" بياناً لم يرجع فيه إلى "كابينت الحرب"، جاء فيه: "إسرائيل لن توافق على إنهاء الحرب كجزء من الصفقة". وفي 5 مايو منع نتنياهو الوفد الإسرائيلي، من التوجه لجولة أخرى من المحادثات في القاهرة.
في 22 مايو، قررت عائلات لمراقبات في الجيش الإسرائيلي من ناحل عوز أسيرات في غزة، نشر مقطع فيديو من اعتقالهن واقتيادهن للقطاع، ما أعاد الضغط مرة أخرى إلى مناقشات "كابينت الحرب" بشأن الحاجة إلى صفقة، بتأييد جميع الوزراء، فيما بقي نتنياهو وحيداً في هذه القضية. وأدى هذا إلى استئناف الفريق المفاوض اتصالاته، فيما وافق "كابينت الحرب" على ما سيُسمى لاحقاً "مقترح نتنياهو".
عرضت إسرائيل في "مقترح نتنياهو"، بحسب تقارير إسرائيلية وأجنبية، "تهدئة دائمة تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بأكمله، وإعادة بناء غزة، وفتح المعابر الحدودية، وتسهيل حركة الأشخاص ومرور البضائع". واقترحت إسرائيل في الوثيقة نفسها، البدء بـ"الانسحاب إلى شارع الرشيد شرق شارع صلاح الدين"، ووافقت أيضاً على "الانسحاب من وسط قطاع غزة، بما في ذلك محور نيتساريم (الذي يقسم القطاع)، من دون أن يمرّ مسلحون للشمال (إلى شمال القطاع)". وفي بند آخر، فإن إسرائيل "توافق على إعلان تهدئة دائمة ووقف جميع الأعمال العسكرية والعدائية بصورة دائمة"، لكن يبدو أن نتنياهو كان يراوغ مجدداً، بحسب ما سيتبيّن لاحقاً.
تنصل نتنياهو في يونيو
في 31 مايو 2024، أشار بايدن إلى مقترح نتنياهو، مصرّحاً: "اقترحت إسرائيل اتفاقاً جديداً وشاملاً لوقف إطلاق النار. هذا مقترح لوقف دائم لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع المختطفين". وعلى الرغم من أن نتنياهو بنفسه صاغ المقترح الذي عرضه بايدن، إلا أن ديوان نتنياهو تنصّل منه فجأة. وجاء في بيان صادر عنه حينها "شروط إسرائيل لإنهاء الحرب لم تتغير: تدمير قدرات حماس العسكرية وحكمها، وإطلاق سراح جميع الرهائن، والتأكد أن غزة لن تشكل بعد الآن تهديداً لإسرائيل". وبعد يوم واحد من ذلك في 2 يونيو، أعلن الوزير بن غفير أنه "إذا استمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قيادة هذه الصفقة، فسنفكّك الحكومة". وأضاف سموتريش في 3 يونيو: "سنقف ضدك بكل ما أوتينا من قوة... إذا اخترت الخضوع والهزيمة". ومنذ ذلك الحين اشتدت المواجهة بين نتنياهو وكبار مسؤولي المؤسسة الأمنية. ومنهم من اعتبر أنه في مرحلة حرجة من الاتصالات، كشف نتنياهو للسنوار والوسطاء عن نياته الحقيقية. كذلك حلّ نتنياهو ضيفاً على القناة 14 أكثر القنوات الإسرائيلية تطرفاً في 24 يونيو، حيث قال: "أنا مستعد لصفقة جزئية، تعيد لنا جزءاً من الأشخاص وهذا ليس سراً. لكننا ملتزمون مواصلة الحرب بعد الهدنة، من أجل استكمال هدف القضاء على حماس".
شدد نتنياهو على تدمير قدرات حماس العسكرية وحكمها، وإطلاق سراح جميع الرهائن
تعطيل جديد في يوليو
في شهر يوليو/ تموز 2024، كان واضحاً أن حركة حماس تتجه للموافقة على مقترح نتنياهو الذي عرضه بايدن، بعد مؤشرات إيجابية سبقت الموافقة الرسمية، الأمر الذي من شأنه إحراج نتنياهو، وإثارة حفيظة بعض شركائه في الائتلاف. وقال سموتريتش في 2 يوليو: "نرى المزيد والمزيد من مؤشرات الانكسار لدى حماس، والمزيد من قادة حماس يشعرون باقتراب نهايتهم. ولن أفاجأ إذا ردّ السنوار بشكل إيجابي على مقترح الصفقة الذي حصل عليه، بعد أشهر من الرفض، لأنه في حالة ارتباك، ويدرك أننا قريبون جداً من النصر، وعليه يرغب في إنقاذ نفسه وسلطة حماس في غزة. وتحديداً من أجل ذلك، ليس هذا هو وقت التوقّف (عن الحرب)، وليس هذا هو وقت تخفيف حدتها، بل هذا وقت إدخال المزيد من القوات وزيادة الضغط العسكري".
ومرة أخرى بدا واضحاً أن سموتريتش تلقّى معلومات من مصدر "مجهول"، هو عملياً نتنياهو، بعدما فُهم إسرائيلياً في مشاورات مغلقة، أن "حماس" تميل إلى قبول الصفقة وإبداء تنازلات. وعندما وصل جواب "حماس"، اعتبره فريق التفاوض الإسرائيلي، أنه أفضل رد تلقّوه حتى الآن. إلا أن مكتب نتنياهو نشر لأول مرة بياناً باسمه أعلن فيه أن "إسرائيل لن توافق على عودة آلاف المسلحين إلى شمال قطاع غزة، ولن تسمح بتهريب الأسلحة إلى حماس من مصر". بهذا وضع نتنياهو محور صلاح الدين (فيلادلفي) الحدودي بين قطاع غزة ومصر شرطاً واضحاً وصريحاً لأول مرة. واستغرب الفريق المفاوض إعلان نتنياهو الذي خرج بعد دقائق من دخولهم اجتماعاً صغيراً معه، ولم يكن بناءً على رأيهم أو توصيتهم. وقال رئيس "الموساد" ديفيد بارنيع لنتنياهو في "الكابينت" إنه لا يوجد وقت لدى النساء في الأسر. كذلك أخبره رئيس "الشاباك" رونين بار، بحسب ما ذُكر في وسائل إعلام عبرية في حينه، أن سلوكه (أي نتنياهو) يعطي شعوراً بأنه غير معنيّ بالمقترح المطروح، المقترح الذي وضعه بنفسه. وقبيل مغادرة نتنياهو واشنطن، في الزيارة التي ألقى خلالها خطاباً في الكونغرس في 24 يوليو، ضغط عليه الأميركيون لإرسال اقتراح مكتوب آخر، الذي سُمي فيما بعد "وثيقة التوضيح".
طلب نتنياهو من هناك ضمان وجود آلية لمنع عودة المسلحين إلى شمال قطاع غزة
وطلب نتنياهو من هناك ضمان وجود آلية لمنع عودة المسلحين إلى شمال قطاع غزة. وفي الخريطة المرفقة مع الوثيقة المقدّمة لاحقاً، اقترحت إسرائيل أن يقوم جيش الاحتلال فقط بتقليص قواته في محور صلاح الدين مع البقاء في المحور. قبل ذلك، شهدت جلسة "الكابينت" أجواءً صاخبة وصراخاً، حيث قرر نتنياهو أن يتخذ الوزراء قراراً رسمياً بالبقاء في محور صلاح الدين. وحصل ذلك على الرغم من مناشدات كبار المسؤولين الأمنيين بأن وقت المحتجزين الإسرائيليين في غزة ينفد. تبيّن لاحقاً مقتل ستة محتجزين في نفق استعادهم الاحتلال جثامين، فيما قالت المؤسسة الأمنية إنه كان يمكن إنقاذهم من خلال صفقة واستعادتهم أحياءً. هنا، بالإضافة إلى مرات سابقة قتل فيها جيش الاحتلال محتجزين إسرائيليين بقصف جوي أو خلال محاولة تحريرهم، ثبت مرة أخرى فشل النظرية التي حاول نتنياهو وعدد من شركائه في الائتلاف تسويقها، بأن المزيد من الضغط العسكري يزيد من احتمالات استعادة المحتجزين.
عام على السابع من أكتوبر
على مدار شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين، وصولاً إلى اليوم، الذي يتوّج عاماً كاملاً من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يحدث أي تقدّم يُذكر بشأن الصفقة، حتى أن الولايات المتحدة وصلت إلى حد الإحباط من سلوكيات نتنياهو، وأعرب مسؤولون أميركيون غير مرة، أنه يصعب إبرام صفقة قبل الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
راهن نتنياهو على الوقت في تخدير الشارع الإسرائيلي وإحباطه، وصمد في وجه تظاهرات صاخبة مطالبة بصفقة فورية على مراحل من العام، حتى تراجعت، بل أصبح هناك من يلوم أهالي المحتجزين، الذين اتهموا نتنياهو بالتضحية بأبنائهم. وتعزز ذلك لديهم مع إعلان الحكومة الجبهة الشمالية (مع لبنان) جبهة الحرب الرئيسية. حاول مسؤولون، ومنهم وزير الأمن يوآف غالانت، الترويج بعد نقل الثقل إلى جبهة لبنان، أن أحد أهداف الحرب لا يزال استعادة المحتجزين، كذلك هناك من اعتبر، ومنهم نتنياهو، أن الضغط العسكري على حزب الله سيولّد ضغطاً على "حماس" لإبرام صفقة.