مرّ عام كامل على الهدنة الأممية التي أعلنت بين أطراف الحرب في اليمن (دخلت حيّز التنفيذ في الأول من شهر رمضان الماضي، والذي صادف 2 إبريل/نيسان 2022). ومنذ ذلك الحين يشهد اليمن أطول مدة لوقف إطلاق النار في اليمن منذ اندلاع الحرب في هذا البلد، والتي تدخل عامها التاسع على التوالي في ظلّ جملة من المتغيرات الدولية والإقليمية.
ويعيش اليمن حالة اللاحرب واللاسلم، بعد نصف عام من هدنة مستمرة بلا اتفاق بعد أن انتهت في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ظلّ رفض الحوثيين تمديدها حيث وضعوا عدداً من الشروط للموافقة، أبرزها دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم. وفي مجمل الاتفاق، استفاد الحوثيون من بنود الهدنة، فيما فشلت الحكومة في الضغط من أجل تنفيذ بند فتح الطرقات في محافظة تعز.
وكانت الهدنة ناجحة كلياً في ما يخص توقف الهجمات العابرة للحدود سواء من قبل السعودية التي أوقفت الهجمات الجوية، أو الحوثيين الذين توقفوا عن شنّ أي هجمات بالطائرات المسيّرة على الأراضي السعودية. لكن على مستوى الجبهات الداخلية تتصاعد الاشتباكات بين أطراف القتال المحلية ما بين الحين والآخر، وتمكنت جماعة الحوثيين من إيقاف تصدير النفط بهجمات استهدفت ميناءي شبوة وحضرموت (شرقي اليمن).
يحاول غروندبرغ استغلال التقارب السعودي الإيراني
وخلال الأشهر الماضية، دارت محادثات ثنائية سرّية بين الحوثيين والسعودية بوساطة عُمانية للاتفاق على وقف إطلاق النار وتمديد الهدنة، لكنها تعثرت ولم ينتج عنها أي اتفاق عملي بعد. في غضون ذلك، أعلن بشكل مفاجئ في شهر مارس/آذار الماضي عن مصالحة إيرانية - سعودية برعاية صينية، وهو تحول ينتظر أن ينعكس على الأزمة اليمنية.
حراك دبلوماسي بمتغير إقليمي
ويحاول المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، استغلال التقارب السعودي الإيراني، للمضي قدماً نحو تسوية سياسية، بعدما نجح برعاية اتفاق بين الأطراف اليمنية حول صفقة تبادل للأسرى والمختطفين، من المقرر أن يتم تنفيذها الأسبوع المقبل.
وزار المبعوث الأممي غروندبرغ الخميس الماضي العاصمة السعودية الرياض، والتقى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، والسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. وقال مكتب غروندبرغ في بيان إن "النقاشات ركّزت على التطورات الأخيرة في اليمن وضرورة دعم الحوار البنّاء بين الأطراف لخفض حدة التوتر وإحراز تقدم نحو عملية سياسية جامعة".
وفي منتصف مارس/آذار الماضي، قال المبعوث الأممي في إحاطته أمام مجلس الأمن: "نشهد في الوقت الراهن زخماً دبلوماسياً متجدداً على المستوى الإقليمي، إضافة إلى تغيير في نطاق وعمق المناقشات، وعلى الأطراف انتهاز الفرصة التي يقدمها هذا الزخم من أجل اتخاذ خطوات حاسمة نحو مستقبل أكثر سلاماً".
إلى ذلك، لمّحت إيران الخميس الماضي، إلى اتفاق قادم بشأن اليمن، ورحبت بالانفتاح النسبي الناجم عن وقف إطلاق النار في 2 نيسان 2022 والسلام المحدود الذي شهده اليمن، معتبرة أن الأرضية الآن أصبحت مناسبة للتوصل إلى اتفاقٍ نهائي. وكشف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أنه "خلال الأيام التي أعقبت الذكرى الثامنة للحرب على اليمن (26 مارس) تحقق الانفتاح عبر عملية مفاوضات السلام تحت إشراف الأمم المتحدة والتي نأمل أن تشهد إقامة سلام مستقر وعادل في اليمن". وأشار كنعاني في تصريحات صحافية إلى أن "إيران توظف كل إمكانياتها لتعزيز السلام العادل على أساس واقع اليمن"، معرباً عن أمله في أن تشهد "الأيام المقبلة عودة الاستقرار والأمن إلى اليمن وترسيخ السلام فيه".
من جهته، قال وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك إن جماعة الحوثيين "بعيدة جداً عن القبول بالسلام، وعلى العكس فهي مستمرة بالتصعيد عسكرياً في محافظات مأرب وشبوة وتعز، واستهدفت القيادات العسكرية أخيراً، وتشن حرباً اقتصادية ضد الحكومة وأبناء الشعب اليمني".
وبشأن تأثير التقارب السعودي الإيراني على اليمن، قال بن مبارك في تصريحات صحافية: "يجب أن يكون واضحاً أن الحرب في اليمن مشكلة داخلية بجذور سياسية تتمثل في انقلاب جماعة الحوثيين على السلطة الشرعية وليست مشكلة إقليمية لتحل بالاتفاق بين طرفين إقليميين". لكنه لفت إلى أن الاتفاق (المصالحة) "إذا أدّت إلى تنفيذ فعلي من النظام الإيراني بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن والتوقف عن دعم مليشيات الحوثيين بالسلاح، فبالتأكيد سيكون ذلك عاملاً مساعداً على إنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية".
تصعيد الحوثيين
وخلال الأسابيع الماضية، صعّد الحوثيون هجماتهم العسكرية، حيث نفذوا هجوماً على مواقع للقوات الحكومية في جبهات بمحافظتي مأرب وشبوة (شرق اليمن) وحققوا اختراقاً ميدانياً نسبياً، بالإضافة إلى قصف استهدف بطائرة مسيّرة موكباً كان يقل وزير الدفاع اليمني محسن الداعري ومحافظ تعز نبيل شمسان، في مدينة تعز جنوب غربي البلاد، في 25 مارس الماضي، وقد نجيا منه. وأيضاً نفذت قوات تتبع للحوثيين مناورة عسكرية لجميع وحداتها.
وفي مأرب، رصدت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (تابعة للحكومة) نزوح أكثر من ألفي مدني غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، يمثلون نحو 300 أسرة، من مناطق المواجهات في حريب جنوبي مأرب، بعدما تعرضت قراهم ومنازلهم ومزارعهم للقصف الحوثي. وحذرت الحكومة اليمنية من مأساة إنسانية جديدة جراء موجة النزوح بسبب تصعيد الحوثيين.
واعتبر وزير الاعلام اليمني معمر الإرياني أن "إحصائيات حجم النزوح تكشف النقاب عن مأساة جديدة تسبب بها الحوثيون، غير آبهين بدعوات التهدئة"، مطالباً المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأميركي (تيم ليندركينغ) بـ"اتخاذ موقف واضح من هذا التصعيد باعتباره استهتاراً صارخاً بدعوات وجهود التهدئة واستعادة الهدنة الإنسانية"، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" الرسمية بنسختها التي تديرها الحكومة اليمنية.
في المقابل، أطلق وزير الدفاع في حكومة الحوثيين (غير معترف بها) محمد العاطفي، الأربعاء الماضي، تهديدات جديدة للتحالف الذي تقوده السعودية. وقال العاطفي: "إذا لم ينصاعوا لتحذيرات قائد الثورة (زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي) ونصائحه في وقف عدوانهم ورفع حصارهم والرحيل من الأراضي اليمنية المحتلة، فسيندمون كثيراً"، لافتاً إلى "أن المعركة المقبلة ستكون معركة التمكين والحسم والفتح المبين"، وفق ما نقلت وسائل إعلام الحوثيين.
المقرمي: الحوثيون يريدون اتفاقاً ثنائياً مع السعودية
لكن الصحافي سلمان المقرمي رأى في حديث مع "العربي الجديد" أن "تصعيد الحوثيين محدود، وتريد من خلاله الجماعة إيصال رسالة مفادها أنها ليست لها علاقة بالاتفاق الإيراني السعودي، بينما هي أهم أدوات إيران في هذا التقارب بل أهم من حزب الله بالنسبة لها". وأضاف المقرمي أن الحوثيين "يريدون اتفاقاً مع السعودية بشكل ثنائي، منفصل عن هدنة حقيقية في اليمن أو على الأقل تثبت الوضع الحالي في التحرك بحرية والتصعيد لتحقيق أهداف محلية". وأوضح أن "الحوثي يواجه غضباً شعبياً بصور متعددة مع توقف الحرب منذ عام، ويسعى إلى مواجهة ذلك بالتصعيد العسكري أو التهديدات التي يطلقونها ما بين الحين والآخر، لإيهام الناس بأنهم لا يزالون في الحرب وبذلك التخلي عن مسؤوليتهم".
مستقبل التسوية اليمنية
ومع دخول العام التاسع للحرب في اليمن، وبالتزامن مع المتغيرات الإقليمية في تقارب الرياض وطهران، تترقب الأوساط السياسية أن يدفع ذلك نحو اتفاق سلام دائم في اليمن خلال الفترة المقبلة.
لكن الباحثة اليمنية ميساء شجاع الدين رأت أن التسوية في اليمن "ستكون وقف إطلاق نار فقط". وقالت شجاع الدين في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "غالباً فإن أقصى ما يمكن أن نصل إليه هو تثبيت مساحات النفوذ والتقسيم الحالية في اليمن، والأهم تأمين حدود السعودية، لكن لا إمكانية لتسوية سياسية لأن الأطراف الحاكمة باتت لها مصلحة في استمرار الوضع الراهن".
وأوضحت الباحثة اليمنية أن جماعة الحوثيين "تؤسس دولتها ولن تتنازل عن ذلك من أجل المشاركة في السلطة، أما المجلس الجنوبي الانتقالي (الانفصالي) فيعتبر أن أي اتفاق سياسي في إطار الوحدة غير ممكن". وشدّدت على أن "الهدف من الحرب باختصار بعد 8 أعوام كان إعادة الشرعية وتضاءل نحو تأمين حدود السعودية فقط".
من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون العسكرية علي الذهب أن "الحوثيين يستغلون الاتفاقيات والهدن لحشد مقاتلين والحصول على أسلحة، وخلال عام من الهدنة لم تواجه خروقاتهم بأي رد عسكري رادع واستغلوا ذلك في محاولة تحقيق مكاسب على الأرض حتى ولو كانت منطقة صغيرة كما حدث جنوبي مأرب وشبوة".
وأضاف الذهب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تصعيد الحوثيين واستعراضهم العسكري وتهديداتهم، ربما محاولة للفت الأنظار بأنهم لا يزالون في مركز قوة وقادرين على خوض مواجهة إذا اندلعت الحرب مرة أخرى، في حال تخلت عنهم إيران نتيجة اتفاقها من السعودية".
وبرأي الذهب، فإن "هناك سيناريوهين قد تتجه إليهما الأزمة اليمنية: إما أن يحصل اقتراب تكتيكي نحو السلام ومن ثم معاودة الانقضاض على الحكومة، أو أن تستعر الحرب مرة أخرى داخلياً بشكل متقطع، من دون تدخل التحالف الذي تقوده السعودية، بعدما ضمن عدم مهاجمة الحوثيين". واستبعد أن تكون هناك "عملية سلام شاملة وكاملة بل تدريجية، وقد تكون بالنسبة للحوثي تكتيكية لتحقيق مكاسب أكبر، على الأقل تثبيت وجوده السياسي والعسكري في المحافظات الشمالية ما قبل الوحدة اليمنية عام 1990".