عام على غزو أوكرانيا: ملامح جديدة لسوق الأسلحة العالمية

24 فبراير 2023
آثار مسيّرة إيرانية على مبنى بكييف، أكتوبر الماضي (أوليكسي شوماشينكو/Getty)
+ الخط -

أحدثت الحرب في أوكرانيا، التي تدخل اليوم عامها الثاني، والتي تعد النزاع العسكري الأوسع نطاقاً في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، صدمة كبيرة في سوق الأسلحة العالمية، وسط تدفق كميات غير مسبوقة من الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وبروز لاعبين جدد، وفي مقدمتهم إيران بعد اعتماد قوات الجيش الروسي على استخدام المسيّرات الإيرانية في وقت استعانت أوكرانيا بالمسيّرات التركية.

في المقابل، ألحق تعثر التقدم الروسي في أوكرانيا ضربة بصورة روسيا كقوة عالمية قادرة على الدفاع عن مصالحها بقوة السلاح بصورة فعالة، ما ينذر بتراجع حصتها في سوق الأسلحة العالمية، لا سيما في ظروف العقوبات الغربية غير المسبوقة المفروضة عليها، وفق خبراء عسكريين.

وعلى الرغم من أن البلدان التي انضمت إلى العقوبات ضد روسيا، لم تكن من بين المشترين الكبار للسلاح الروسي حتى قبل بدء الحرب في 24 فبراير/شباط 2022، إلا أن الدول المستخدمة لنظم الأسلحة السوفييتية والروسية مثل اليونان وفنلندا وقبرص وبلدان أوروبا الشرقية، ظلت حتى 24 فبراير 2022، سوقاً للمكونات الروسية وخدمات الصيانة والتحديث، وخسرتها موسكو بلا رجعة، وسط بدء الدول الغربية بتسليم المعدات سوفييتية المنشأ لأوكرانيا.


رسلان بوخوف: واشنطن الأولى في مبيعات الأسلحة وبرلين تزاحم موسكو

مبيعات الأسلحة الروسية والعالمية

ويقول مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، رسلان بوخوف، في حديث مع "العربي الجديد" إن "السوق العالمية للأسلحة توسعت كثيراً بمقدار قد يبلغ الضعف تقريباً عند صدور الأرقام النهائية عن العام الماضي، ويصل إلى نحو 250 مليار دولار في مقابل نحو 120 ملياراً في عام 2021.

وتبقى الولايات المتحدة في الصدارة، بينما حققت ألمانيا قفزة كبيرة، وحتى قد تزاحم روسيا في المرتبة الثانية بين أكبر مصدري الأسلحة". وحول رؤيته للعوامل التي تؤدي إلى تراجع حصة روسيا، يشير بوخوف إلى أنه "عندما تجري أعمال القتال، تحتاج الدولة إلى مزيد من الأسلحة لنفسها، بدلاً من توجيهها إلى التصدير في ظروف أخرى. أضف إلى ذلك الضغوط الأميركية على دول ثالثة حتى لا تشتري الأسلحة الروسية".

ويضيف: "صحيح أن هناك دولاً مثل الهند لا تخشى من العقوبات الأميركية، ولكن واشنطن تمنعها من شراء الأسلحة الروسية بواسطة تعطيل التحويلات عبر المنظومة المالية العالمية الخاضعة لهيمنة الدولار. ولما كانت عقود الأسلحة طويلة الأجل في أغلب الأحيان، فمن الصعب الانتقال فيها إلى الحسابات بالعملات الوطنية، نظراً لتقلبات أسعار صرف عملات الدول الناشئة". 

وفي تعليقه على تأثير إمدادات الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا على مشهد سوق السلاح العالمية، يرى بوخوف: "تنقسم الأسلحة الغربية الموردة إلى أوكرانيا إلى بضع فئات، بعضها أسلحة قديمة أوشكت فترات صلاحيتها على الانتهاء فيجب إتلافها، وهذه الفئة لا تساهم في نمو السوق العالمية. لكن هناك فئتين أخريين، إحداهما هي الأسلحة الممول توريدها بواسطة قروض، والثانية بواسطة أموال تخصصها حكومات الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مما ينمي طلبياتها لمجمع الصناعات العسكرية الأميركي".

من جهته، يشير الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، إلى أن أوكرانيا تحولت على مدى عام مضى إلى ميدان تجارب لأحدث الأسلحة الروسية والغربية، جازماً بأن النصر بسوق الأسلحة سيكون للطرف المنتصر في أرض المعركة.

ويقول بلوخين في حديث مع "العربي الجديد": "يمكن الجزم بأن العملية العسكرية الخاصة (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا) تؤثر على صورة وجاذبية الأسلحة من إنتاج أطراف بعينها، لأن أراضي أوكرانيا أصبحت نوعاً من ميدان تجارب يستعرض كل طرف فيه فاعلية أسلحته".

ويلفت بلوخين إلى أن هذا الاستعراض "يجري أمام أعين المجتمع الدولي والدول الأخرى التي تسعى للتقييم ما إذا كانت الأسلحة الروسية أكثر فاعلية أم الغربية"، متوقعاً أن "الطرف المنتصر في أرض المعركة هو الذي ستبدو أسلحته أكثر فاعلية وذات قدرة تنافسية أكبر".


قسطنطين بلوخين: الطرف المنتصر هو الذي ستبدو أسلحته أكثر فاعلية

وفرضت أنواع عدة من الأسلحة نفسها بقوة أثناء الحرب في أوكرانيا، ولعل أبرزها صواريخ "هيمارس" الأميركية التي قلبت، نظراً لدقتها العالية، موازين القوى لصالح الجيش الأوكراني على بعض محاور شرقي البلاد أواخر الصيف الماضي.

ولكن النزاع الروسي الأوكراني دفع إلى الواجهة ببعض اللاعبين الجدد إلى سوق الأسلحة، وفي مقدمتها إيران، بعد انتشار أنباء ومقاطع فيديو لشن روسيا ضربات بواسطتها على المناطق الواقعة على خط التماس، مثل مقاطعتي ميكولايف وأوديسا في الجنوب الغربي، وحتى على العاصمة الأوكرانية كييف. ومن أشهر المسيرات الإيرانية التي برز استخدامها في أوكرانيا، مسيّرات "شاهد 136" الانتحارية المخصصة للاستخدام مرة واحدة، ومسيّرات الاستطلاع الضاربة "مهاجر 6".

إيران في سوق الأسلحة العالمية

إلا أن الخبير العسكري الروسي، يوري ليامين، يقلل من واقعية دخول إيران إلى سوق الأسلحة العالمية بقوة عبر البوابة الأوكرانية، في ظل عزوف أغلبية دول العالم عن التعاون مع طهران خشية من العقوبات الأميركية.

ويوضح ليامين في حديث مع "العربي الجديد" أنه "عند الحديث عن آفاق المسيّرات الإيرانية في السوق العالمية، يجب وضع عوامل مختلفة في الحسبان. تنتج إيران طيفاً واسعاً من المسيّرات بدءاً من طائرات استطلاع صغيرة وانتحارية وصولاً إلى مسيرات ضاربة كبيرة. وعلاوة على ذلك، فإن المسيرات الإيرانية اختبرت في القتال".

ومع ذلك، يشير ليامين إلى أن العديد من مصانع المسيّرات الإيرانية تخضع لأشد عقوبات واشنطن وحلفائها، مضيفاً: "يخشى قسم من المشترين المحتملين من التعرض لعقوبات أميركية. إلا أن هذا العامل له جانب إيجابي أيضاً، إذ إن مصانع المسيرات الإيرانية مستعدة للتعاون مع دول أخرى خاضعة للضغوط الغربية، لكن لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها فرض عقوبات عليها أشد من تلك السارية بالفعل".

ويبدو أن خضوع إيران للعقوبات لا يمنع روسيا من تعزيز التعاون العسكري - التقني معها، لأنها في الأساس تعرّضت للعقوبات الغربية، وسط انتشار تسريبات إعلامية غربية تفيد بأن موسكو وطهران اتفقتا على إنشاء مصنع للمسيّرات الإيرانية في جمهورية تتارستان (جمهورية ذات حكم ذاتي في روسيا، عاصمتها كازان) بطاقة إنتاجية 6 آلاف مسيرة سنوياً.