عام على حراك السويداء: نجاح بالاستمرار وفشل بتحقيق تغيير

16 اغسطس 2024
تظاهرة ضد النظام السوري في السويداء، 1 سبتمبر 2023 (ليث الشبل/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **انطلاق حراك السويداء وتطوره:** بدأت احتجاجات في السويداء في 16 أغسطس/آب 2023 بسبب سوء الأوضاع المعيشية، وتحولت إلى انتفاضة شعبية بمطالب سياسية ضد نظام بشار الأسد.
- **دعم الوجاهات الدينية والاجتماعية:** دعمت وجاهات دينية واجتماعية بارزة الحراك، مما زاد من زخم الاحتجاجات وأربك النظام الذي فشل في قمعها عسكرياً.
- **إنجازات وخيبات الحراك:** حقق الحراك إنجازات معنوية وأبقى مطالب التغيير السياسي حاضرة، لكنه فشل في تحقيق تغيير سياسي حقيقي أو استقطاب دعم واسع.

في 16 أغسطس/آب 2023، انطلقت الشرارة الأولى لحراك محافظة السويداء جنوبي سورية بدعوات من أبناء المحافظة لإضراب عام، بدأ صباح ذلك اليوم بقطع الطرقات وإغلاق مقار حزب البعث الحاكم، والدوائر الحكومية والبلديات. حراك السويداء الذي بدأ احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية والخدمية، مع افتقاد الشريحة الأكبر من أفراد المجتمع لأبسط مقومات العيش الكريم، سرعان ما تحوّل إلى انتفاضة شعبية بمطالب سياسية ذات سقف مرتفع، دعت لتطبيق القرارات الأممية الخاصة بالتغيير السياسي والانتقال السلمي للسلطة في البلاد. شكّلت الجموع التي خرجت في حراك السويداء نقلة نوعية في الحسابات السياسية السورية، لأنها رفعت شعارات وأهدافاً صريحة رفضت استمرار نظام بشار الأسد. وكانت تلك الجموع مباغتة للنظام، الساعي باستمرار لإضفاء الشرعية على حكمه من خلال ادعائه حماية الأقليات، ومنهم الدروز الذين يشكلون أغلبية السكان في المحافظة.

انحياز إلى حراك السويداء

منذ اللحظة الأولى لانطلاقة الحراك، أعلنت وجاهات اجتماعية ودينية بارزة في المحافظة، وفي مقدمتها الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، انحيازها إلى حراك السويداء ومطالبه كافة. والتحق بالركب شيخ العقل حمود الحناوي وغالبية مشايخ الدين معلنين تأييدهم للاحتجاجات، الأمر الذي شكّل صفعة مدوية للنظام الذي اعتمد لسنوات على الوجاهات الدينية والاجتماعية لضبط المواطنين، وكبح أي خطوة في مثل هذا الاتجاه. وقدّم انحياز الشيخ الهجري للحراك خدمة كبيرة له لجهة استقطاب شرائح شعبية واسعة لصالحه، الأمر الذي زاد قلق النظام وأصابه بالعجز عن الحركة، عدا عن إطلاق يد بعض الإعلاميين والمؤثرين المحسوبين عليه لتشويه صورة حراك السويداء ونشطائه. وعجر النظام في بداية الحراك عن تنفيذ أي تحرك عسكري لقمع التظاهرات.

الحراك الذي غابت عنه أي رعاية دولية حقيقية، شكّل حالة نوعية حضارية على مستوى العالم، إذ اتخذ الطابع السلمي البحت، وكان ولّاداً للكثير من النشاطات المدنية، خصوصاً مع تنوع الشرائح العمرية والفكرية المشاركة فيه، وقيادة النساء لنشاطاته، عدا عن تضمنه حركة فنية لافتة، وانبثاق أحزاب وحركات وتيارات سياسية واجتماعية ونقابية شكلت الوجه المدني للحراك. ولأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011، شهدت قرى وبلدات محافظة السويداء تظاهرات احتجاجية، إذ قليلة هي القرى التي لم تعلُ فيها الأصوات المطالبة برحيل الأسد. كما استطاع حراك السويداء في يوليو/تموز الماضي، تشكيل هيئة سياسية جامعة، لها أهدافها ورؤاها التي أعلنتها قبل أسبوعين على منبر ساحة الكرامة، وسط مدينة السويداء. وأصبحت تلك الهيئة أول مكون سياسي سوري منتخب من قبل جموع المحتجين خلافاً للتجارب السابقة.

وقال الناشط الإعلامي حمزة المعروفي، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من مضي عام على الاحتجاجات من دون تحقيق أي مطلب، إلا أن شريحة كبيرة من الناس لا تزال مشحونة بأمل التغيير، "هذا ما أقرأه في أحاديث العامة". وأضاف أنه "حتى بعض المحسوبين على المؤيدين للنظام باتوا يتذمرون من سياساته ويشتمونه سراً وأحياناً على الملأ، أما الأقلية التي بقيت على ولائها الأعمى للنظام فذلك لمنافع شخصية بدأوا يخشون فقدانها كلما تصور لهم زوال الحاكم ونظامه".

عمر عبيد: الخيار العنفي في السويداء غير وارد ضمن التوازنات الموجودة حالياً

من جهته، رأى الناشط السياسي عمر عبيد، حفيد علي عبيد، أحد أركان الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925، أن حراك السويداء "الحضاري السلمي" يؤسّس لحالة جديدة في وعي الناس لماهية السياسة والمواطَنة وقضية الحقوق والقانون. وأضاف أن "النظام الأمني يراهن على القضاء على هذه الحالة لمنع تكرارها أو تكريسها"، مشيراً إلى أن "الخيار العنفي غير وارد ضمن التوازنات الموجودة حالياً، فهو خيار بدائي حتى الآن". ولفت عبيد إلى أن "منطق النظام يتلخص بالاعتماد على إدارة فتنة أهلية للوصول إلى مبتغاه"، مستدلاً على ذلك بحديث تركي الحسن أحد ضباط النظام البارزين والذي قال: "نحن نستطيع قتلهم ولكننا لن نفعل، بل سندعهم يقتلون بعضهم البعض". وأشار إلى أنه منذ مجيء المحافظ الجديد ذي العقلية الأمنية (الضابط السابق في المخابرات العامة أكرم علي محمد، والذي عينه النظام في مايو/ أيار الماضي)، "ازدادت حوادث النهب والخطف والقتل وبطرق شديدة البشاعة لم تعهدها محافظة السويداء من قبل ولم يُلقَ القبض على أحد".

كما ازدادت، وفق عبيد "الحرائق التي تلتهم محاصيل الناس في كل مكان، وأُرسلت تعزيزات عسكرية واستنفرت الفصائل التابعة لأجهزة الأمن ونصبت الحواجز، في محاولة لرفع منسوب التوتر الاجتماعي لحدوده القصوى ونفخ الجمر استعداداً لإشعال الحريق عند أي منعطف وتحت أي ذريعة". وحذّر عبيد مما يُحاك للمحافظة، مشدداً على "ضرورة الانتباه جيداً لحرمة التعدي والاعتداء، وعلى التمسك بالسلمية قولاً وفعلاً". وأشار إلى أن "كل من يسمح للنظام بتمرير أهدافه، عبر صدام أهلي أو جر حراك السويداء للتصعيد، إنما يلعب لعبة النظام ويخدمه بقصد أو من دون قصد".

إنجازات وخيبات

وفي ميزان الإنجازات والخيبات، قال الناشط المدني كمال الحلبي، لـ"العربي الجديد"، إن حراك السويداء خلال عام، كان له "إنجازات على المستويين الوطني والمحلي جلها معنوية ولكن مؤثرة، فاستمرار الاحتجاجات وحفاظها على زخمها على الرغم من التحديات الكبيرة يعدان إنجازاً لا يستهان به". وأضاف أن الحراك "أثبت على الصعيد الوطني صبغته السورية التي لم يستطع النظام تشويهها على الرغم من كل المحاولات والضخ الإعلامي، إذ أكد الحراك مراراً وتكراراً هوية السويداء الوطنية الداعمة لمطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة الاجتماعية، مع التمسك بالاستقلالية ورفض التدخلات الخارجية".

وأوضح أن الحراك ساهم أيضاً "بإبقاء مطالب التغيير السياسي حاضرة على الساحة السورية، متمسكاً بالدعوة إلى إنهاء الحكم الحالي وتحقيق الانتقال الديمقراطي، فيما سلط الضوء على الواقع المعيشي والاقتصادي المأزوم، ما أربك النظام ووضعه أمام تحديات كبيرة في محاولة لاحتواء الأزمة". ولفت الحلبي إلى أنه "على الرغم من كل هذه الإنجازات، إلا أن خيبات وانكسارات عديدة واجهت الحراك، وفرصاً كثيرة وهامة ضاعت منه، كانت كفيلة بتحقيق إنجازات أكبر، أولها عدم الوصول إلى تغيير سياسي حقيقي في سورية". وأوضح أن "الاحتجاجات لم تتمكن من دفع النظام إلى تقديم تنازلات أو حتى الدعوة لحوار جاد، إضافة لعجز حراك السويداء عن استقطاب دعم وطني واسع من قبل أي من الأطراف السورية على الرغم من الطابع السلمي الذي تحلى به".

كمال الحلبي: لم يتمكن الحراك بناء تحالفات مع قوى معارضة ولا التواصل مع المجتمع الدولي

كما لم يتمكن الحراك، وفق الحلبي "من استغلال اللحظة لبناء تحالفات مع قوى معارضة أخرى في سورية، سواء داخل البلاد أو خارجها، ما حدّ من تأثيره في الشارع السوري، ولم يحظَ بدعم دولي حقيقي، ولم يستغل أي فرصة للتواصل مع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لتسليط الضوء على قضيته وطلب الدعم، ما يجعله محصوراً في حدوده المحلية". وأشار إلى "افتقار حراك السويداء لتنظيم سياسي قوي يستطيع قيادته نحو أهداف استراتيجية واضحة منذ البداية، وهو ما أدى إلى تشتت الجهود وإضاعة فرص توسيع نطاق الحراك وتأثيره"، معتبراً أنه "كان من الممكن للحراك أن يطرح مبادرات سياسية أو حلولاً اقتصادية تقدم رؤية واضحة للخروج من الأزمة، بالتزامن مع التظاهر لجذب الدعم الداخلي والخارجي".

وأضاف أنه "على الرغم من أن الحراك سلط الضوء على المشاكل الاقتصادية، إلا أن تدهور الوضع المعيشي في البلاد عموماً جعل من الصعب على الناس الاستمرار في الاحتجاج بشكل يومي، ما أدى إلى تضاؤل الحماس والقدرة على الاستمرار في الاحتجاجات". وقال إن "المخاوف الأمنية وتقييد الحراك لنفسه، كانا من أبرز التحديات، إذ أجبر الحراك نفسه على الحفاظ على نهج سلمي محدود النطاق، ما حال دون تصعيد الفعل الاحتجاجي لمستويات كان من الممكن أن تفرض على النظام تغيير سلوكه".

المساهمون