عام على تمرد "فاغنر": مصائر متفاوتة لداعمي بريغوجين وخصومه

24 يونيو 2024
تمثال لبريغوجين في سانت بطرسبرغ، 1 يونيو 2024 (أرتيم برياخين/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 24 يونيو 2023، تمرد "فاغنر" بقيادة يفغيني بريغوجين ضد الحكومة الروسية، مما أثر على سمعة بوتين. بريغوجين لقي مصرعه في حادث طائرة في 23 أغسطس، ما أدى إلى تغييرات في قيادة "فاغنر" وسيطرة وزارة الدفاع الروسية على نشاطاتها.
- بوتين أقال وزير الدفاع سيرغي شويغو وأعاد تنظيم القيادة العسكرية لتعزيز السيطرة، مع تداعيات التمرد تظهر من خلال إعفاء سوروفيكين من مناصبه واختفائه عن الأنظار.
- التمرد أبرز تعقيدات العلاقات داخل النخبة الروسية والتغيرات المحتملة في السلطة، مع تولي أندريه تروشيف دورًا قياديًا في "فاغنر" وتغييرات في القيادة والسيطرة داخل المجموعة.

منذ اليوم الأول لإنهاء تمرد "فاغنر" بقيادة يفغيني بريغوجين، في 24 يونيو/حزيران 2023، عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ترميم صورته وتجديد شرعيته بسرعة، رغم الضرر الكبير الذي ألحقه التمرد بسمعته. وبحس رجل الاستخبارات، بدأ بوتين الاستفادة من درس التمرد، واستخلاص العبر، وتبني الإجراءات اللازمة وأخذ الاحتياطات المطلوبة لمنع تكرار الحادث الذي شبهه بأحداث 1917 حين انهارت روسيا القيصرية تمهيداً لتأسيس الاتحاد السوفييتي.

وفي حين شكّل مقتل مدبر التمرد وقائده يفغيني بريغوجين في 23 أغسطس/ آب 2023، في حادث تحطم طائرته، نهاية للرجل، فقد تفاوت مصير الشخصيات المركزية التي اصطفت مع طرف المتمردين أو ضدهم سراً أو علناً، أو تلك التي قررت النأي بنفسها عن الصراع. وفي مرحلة لاحقة، لبّى بوتين جزءاً من مطالب بريغوجين وأقال وزير الدفاع سيرغي شويغو في مايو/ أيار الماضي، قبل الذكرى السنوية للتمرد الذي ساهم في رفع منصب بعض الشخصيات وزيادة قوتها، وإبعاد شخصيات أخرى، وزيادة اعتماد بوتين على "أهل الثقة" في المناصب الحساسة، سواء في إدارة "فاغنر" أو قيادة وزارة الدفاع. فمن هي الشخصيات التي برزت خلال هذا التمرد وبعده؟


بمقتل بريغوجين، وضعت وزارة الدفاع الروسية يدها على نشاطات "فاغنر" الخارجية

قائد تمرد "فاغنر" يفغيني بريغوجين

قضى يفغيني بريغوجين وعدد من كبار مساعديه في حادث تحطم طائرته الخاصة أثناء توجهها من موسكو إلى سانت بطرسبرغ في 23 أغسطس 2023. ووضع الموت حداً لقصة صعود لافتة لصبي انتقل من بيع النقانق في عاصمة الشمال الروسي إلى السجن الذي تركت أبوابه علامة أبدية بقطع أحد أصابعه، قبل تحوله إلى "طباخ الكرملين". وبتأسيس "فاغنر"، استطاع بريغوجين جمع مبالغ طائلة من نشاطه من أجل مصالح الأوليغارشيين والحكومة الروسية في أفريقيا وسورية وليبيا. وبعد سنوات من تجنب الظهور الإعلامي، تصدر بريغوجين عناوين الأخبار لدور مجموعة "فاغنر" في الحرب على أوكرانيا، مع اضطرار الجيش للاستعانة به في المعارك. ومنذ خريف 2022، بدأ في توجيه انتقادات لأداء الجيش الروسي، ولاحقاً شن هجوماً لاذعاً على وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف لعدم توفير الأسلحة والمعدات اللازمة لقواته. وكانت آخر مشاركاته في الحرب السيطرة على مدينة باخموت، شرقي أوكرانيا، وبعدها تصاعد التوتر مع وزارة الدفاع بعد قرارها إجبار مقاتلي "فاغنر" على توقيع عقود مع الوزارة مباشرة. ومع استشعاره الخطر، قاد بريغوجين "مسيرة العدالة" لإقصاء شويغو وغيراسيموف في 23 يونيو 2023. وبمقتله، وضعت وزارة الدفاع يدها مباشرة على نشاطات "فاغنر" الأفريقية والسورية، مع استثناءات قليلة تُركت لبافيل، نجل بريغوجين، في جمهوريتي أفريقيا الوسطى ومالي.

دميتري أوتكين

قضى دميتري أوتكين في حادثة الطائرة مع بريغوجين، وكان يُعدّ من أقرب الأشخاص إليه في السنوات العشر الأخيرة. والاسم الحركي لأوتكين هو "فاغنر" (تأثراً بالموسيقار الألماني الشهير ريتشارد فاغنر) وهو اسم المجموعة التي أسسها بالتعاون مع بريغوجين. ولد أوتكين في أوكرانيا في عام 1970، وغادرها لاحقاً للعيش في لينينغراد (الاسم السوفييتي لسانت بطرسبرغ)، والتحق بالمدرسة العسكرية. أصبح لاحقاً ضابطاً في جهاز المخابرات العسكرية، وفقاً لتحقيقات مركز "دوسييه" الروسي (مركز استقصائي مقره في لندن، ومموّل من المعارض الروسي ميخائيل خودوركوفسكي). شارك أوتكين في حربي الشيشان الأولى (1994 ـ 1996) والثانية (1999 ـ 2009)، وكان قائداً لفرقة العمليات الخاصة في اللواء الثاني التابع للمخابرات الروسية العسكرية، وترك الخدمة عام 2013 وعمل في شركات أمنية للحماية، قبل تأسيسه مع بريغوجين شركة "فاغنر" في عام 2014. وتبنى أوتكين علناً آراء النازيين الجدد، من دون أن يمنعه ذلك من الحصول على لقب بطل روسيا في 2016. وفي عامي 2014 و2015، قاتل أوتكين في جنوب شرق أوكرانيا. ثم قاد مرتزقة "فاغنر" في سورية وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. على عكس بريغوجين، فضّل أوتكين، حتى في العام الأخير من حياته، البقاء في الظل، ولا توجد له إلا صور نادرة، ومقطع فيديو وحيد في بيلاروسيا بعد تمرد "فاغنر" الفاشل.


بوتين أزاح صديقه شويغو بتعيينه في منصب فخري

أندريه تروشيف (ذو الشعر الرمادي)

على عكس بريغوجين وأوتكين، تبيّن بعد الانقلاب أن أندريه تروشيف من الشخصيات المقبولة للكرملين في مجموعة "فاغنر". شغل تروشيف منصب رئيس الأركان في مجموعة المرتزقة. وأشرف على معسكر تدريب "فاغنر" في مولكينو، وقضايا الإمداد وخدمة الموظفين في الشركات العسكرية الخاصة. وكان "ذو الشعر الرمادي" قائداً مهماً في "فاغنر"، وحصل على لقب بطل روسيا في 2016 لمشاركته في السيطرة على مدينة تدمر السورية. ولم يظهر تروشيف علناً أثناء تمرد "فاغنر" لكنه شارك في اجتماع لقياداتها مع بوتين في الكرملين في 29 يونيو 2023، وحينها عرض بوتين مواصلة الشركة عملها بقيادة تروشيف، لكن بريغوجين رفض.

وبعد مقتل بريغوجين وأوتكين، أوكل الكرملين لتروشيف مهمة الإشراف على عمل المتطوعين مع وزارة الدفاع أثناء اجتماع مع بوتين في نهاية سبتمبر/ أيلول 2023. وذكرت قنوات المراسلين العسكريين الروس أن تروشيف هو القائد الفعلي لمجموعة "ريدوت"، التي ضمت مرتزقة ومتطوعين جندتهم شركات روسية. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بعد لقاء تروشيف مع بوتين، إن تروشيف لديه منصب رسمي في وزارة الدفاع من دون تحديده. واللافت أن اسم تروشيف لم يظهر في أنباء الحرب بعد لقاء بوتين. و"ذو الشعر الرمادي" عقيد شرطة ومظلي متقاعد، وشارك في الحروب في أفغانستان (1979 ـ 1989، أيام الغزو السوفييتي) والشيشان، وخدم في وحدات النخبة. وفي "فاغنر"، كان المدير التنفيذي ورئيس الأركان أثناء القتال في سورية.

تقارير دولية
التحديثات الحية

سيرغي شويغو

رغم نجاته من العزل أو الإقالة بعد تمرد "فاغنر" الفاشل، فقد بدا أن مصير شويغو محسوم بانتظار التوقيت الذي يحدده بوتين. وفي مايو الماضي، قرر بوتين إقالة شويغو بعد 12 عاماً قضاها في وزارة الدفاع، و24 عاماً في الدائرة المقربة من بوتين، حتى أصبح شريك الخلوات والإجازات في الطبيعة. وانتقل شويغو إلى منصب أقرب إلى الفخري، وهو سكرتير مجلس الأمن الروسي، المنصب الذي حرمه من نفوذ وامتيازات كبيرة في أهم وأغنى وزارة (وزارة الدفاع) في زمن الحرب. ومن الواضح أن بوتين اختار التوقيت المناسب بعد إعادة تنصيبه رئيساً لولاية جديدة لمحاسبة شويغو على الفساد المتفشي في وزارة الدفاع، والفشل في تحقيق أهداف الحرب في أوكرانيا بسرعة كما كان يأمل بوتين. واهتزت مواقع شويغو منذ خريف 2022، ولم يرد الكرملين مباشرة على اتهامات بريغوجين لشويغو وكبار المسؤولين في الجيش بالفساد. وعملياً، صدر القرار المؤجل بإقالة شويغو منذ تمرد "فاغنر" الذي أظهر ضعف الجيش الروسي بقيادة شويغو، في إضافة إلى الإخفاق في تنفيذ العملية العسكرية (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا) واحتلال كييف بسرعة. ربح شويغو في البداية وتعززت مواقعه بعد رحيل بريغوجين، ولكنه خسر في النهاية، ونظراً لعدم رغبة بوتين في إذلال أو محاكمة وزير دفاعه وصديقه، فقد قرر تعيينه في منصب بارز معنوياً مع تجريده من السلطة والتأثير.

فلاديمير أليكسييف

على عكس شويغو، حافظ نائب رئيس الأركان الجنرال فلاديمير أليكسييف على موقعه، وعززه بمهام إضافية مؤثرة في العام الماضي. وتصدرت مقاطع الفيديو وصور أليكسييف مع بريغوجين في مقر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف على الدون، جنوبي روسيا، عناوين الصحف ومحطات التلفزة في يوم تمرد "فاغنر" الفاشل. وفي يوم التمرد، سجل أليكسييف رسالة فيديو إلى بريغوجين وطلب منه إيقاف زحف قواته وعدم "طعن البلاد والرئيس في الظهر". وبعد ساعات قليلة فقط، ظهر بريغوجين مع أليكسييف ونائب وزير الدفاع يونس بيك يفكوروف، وفي المقطع الذي نشره بريغوجين، رد أليكسييف على طلب تسليم شويغو وغيراسيموف بالقول ضاحكاً: "اذهب وخذهما". ولاحقاً بات أليكسييف القائد الفعلي لمجموعة "ريدوت" التي غدت بديلاً لـ"فاغنر"، ومشروع التجنيد الرئيسي لوزارة الدفاع بالنسبة للمتطوعين. ومعلوم أن مشاركة أليكسييف النشطة في 2022 في إنشاء مجموعة "ريدوت" لتكون بديلاً عن فاغنر أثارت غضب بريغوجين.


تبنى دميتري أوتكين علناً آراء النازيين الجدد

سيرغي سوروفيكين

لم يشفع للجنرال سيرغي سوروفيكين تسجيل فيديو حض فيه بريغوجين على وقف تمرده. وبعد تمرد "فاغنر" اختفى سوروفيكين عن الأنظار، وترددت أنباء عن توقيفه واعتقاله. وفي أغسطس 2023، أعفي سوروفيكين من منصبه قائداً للقوات الجوية الروسية، ونائباً لقيادة العملية العسكرية في أوكرانيا. وقيل إنه بات تحت تصرف وزارة الدفاع لتعيينه في منصب آخر. سوروفيكين (57 عاماً) عيّن قائداً للقوات الجوية الفضائية الروسية في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وبين عامي 2017 و2018، أوكلت إليه قيادة العملية العسكرية الروسية في سورية، لفترات متقطعة ولعدة أشهر. في يونيو 2022، قاد "قوات الجنوب" في الغزو الروسي لأوكرانيا. وشارك في السيطرة على مدينة سيفيرودونيتسك، وقاتل قرب ليسيتشانسك. في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عيّن سوروفيكين قائداً لمجموعة القوات المشتركة في منطقة العمليات الخاصة في أوكرانيا. وفي أثناء هذه الفترة، قرر الانسحاب من مدينة خيرسون، جنوبي أوكرانيا، والضفة اليمنى لنهر دنيبرو، معيداً نشر القوات على الضفة اليسرى للنهر. كما بدأت روسيا استهداف البنى التحتية للطاقة في أوكرانيا بالصواريخ والمسيّرات بعد استهداف أوكرانيا جسر القرم (كيرتش) في أكتوبر 2022. وشبه جزيرة القرم استولت عليها روسيا بالقوة من أوكرانيا في عام 2014.

في 11 يناير/كانون الثاني 2023، أعفي سوروفيكين من قيادة القوات الروسية المشاركة في الحرب في أوكرانيا، وأصبح قائد العملية رئيس الأركان فاليري غيراسيموف، وبات سوروفيكين نائباً له إلى جانب القائد العام للقوات البرية أوليغ ساليوكوف ونائب رئيس هيئة الأركان العامة أليكسي كيم. وفي ربيع عام 2023، أوكل الكرملين لسوروفيكين مهمة الاتصال بـ"فاغنر" وتأمين احتياجاتها. ورغم أن سوروفيكين كان إحدى الشخصيات الرئيسية في قيادة هيئة الأركان العامة، فإنه لم يكن يوماً ضمن الدائرة المقربة من شويغو وغيراسيموف. وكشف تحقيق لمركز "دوسييه" الروسي عن علاقات تجارية بين بريغوجين وسوروفيكين، بدأت خلال فترة تولي الأخير قيادة العمليات الروسية في سورية. وظهرت منشورات في وسائل الإعلام الروسية والغربية زعمت أن سوروفيكين كان على علم بتحضيرات تمرد "فاغنر" وهو ما أدى إلى قضائه بعض الوقت إما في مركز الاحتجاز السابق للمحاكمة أو تحت الإقامة الجبرية. وفي سبتمبر 2023، كشفت صحيفة كوميرسانت الروسية عن مشاركة سوروفيكين في زيارة وفد عسكري إلى الجزائر ونشرت صورة له. ولم يُبلغ عن أي تعيين جديد للجنرال منذ ذلك الحين، على الرغم من ظهور صور جديدة لسوروفيكين في أفريقيا، وهو أنحف بشكل ملحوظ مع نموّ لحيته، بشكل دوري على قنوات منصات تليغرام في زمن الحرب.

أليكسي ديومين

وصل موكب مقاتلي "فاغنر" بعد ساعات من التمرد إلى مقاطعة تولا، على بعد 200 كيلومتر جنوب شرق العاصمة موسكو. وكان حاكم تولا أليكسي ديومين، وهو الحارس الشخصي السابق لبوتين وتولى لفترة قصيرة منصب نائب وزير الدفاع. وظهرت أنباء عن أن ديومين شارك في المفاوضات مع بريغوجين لوقف تحركه نحو موسكو، وعزز هذه الأنباء ظهوره في اجتماعات في الكرملين وعدم تسجيله رسالة لدعم بوتين ونبذ التمرد، كما فعل باقي حكام المقاطعات الروسية حينها. وكشف موقع إنسايدر الأميركي في عام 2019 أن علاقات دافئة جمعت ديومين وبريغوجين، سمحت للأخير بالحصول على حصة في الحجوزات الحكومية. وبعد مقتل بريغوجين، قال ديومين: "عرفت يفغيني بريغوجين وطنياً حقيقياً، ورجلاً حازماً وشجاعاً. لقد قدّم الكثير من أجل الوطن، ووطنه لن ينساه". وكثيراً ما تردد أن بريغوجين وقائد الحرس الوطني الروسي فيكتور زولوتوف دفعا باتجاه تعيين ديومين وزيراً للدفاع. ورغم مديح ديومين النادر والجريء لبريغوجين مقارنة بموقف بوتين المنطلق من أن بريغوجين وجّه طعنة في الظهر ووصفه بالخائن، فقد عاد ديومين إلى موسكو بالقرب من بوتين، وعُيّن مساعداً للرئيس وتولى منصب أمين مجلس الدولة، في خطوة تزيد حظوظه في خلافة بوتين.