عام آخر لستولتنبرغ على رأس حلف الأطلسي... الاختلاف على الخليفة وقوة التحديات تهيمن

04 يوليو 2023
لم يحصل توافق على خليفة ستولتنبرغ (فيرجينيا مايو/ أسوشييتد برس)
+ الخط -

كما كان متوقعاً منذ أسابيع عدة، أعلن النرويجي ينس ستولتنبرغ الذي يتولى منصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ 2014، اليوم الثلاثاء، أنه جرى تمديد ولايته سنة إضافية، بعد الفشل في الاتفاق على خليفته، حيث كان مقرراً أن يغادر المنصب في 30 سبتمبر/ أيلول القادم.

وكان ستولتنبرغ، البالغ 64 عاماً، يشغل في السابق منصب رئيس وزراء النرويج، ثم تولى منصب الأمين العام في 2014، وجددت ولايته ثلاث مرات في السابق.

بعد 4 سنوات في المنصب أعيد انتخابه في 2018، وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي مُددت ولايته عاماً واحداً. وحظي ستولتنبرغ بتأييد أوروبي وأميركي، باعتباره رجلاً قوياً وجديراً بالثقة، يجيد إيجاد حلول وسط بين الأعضاء وعقد التحالفات.

التمديد لم يكن مفاجئاً، وجاء ثمرة لضغوط غربية، وعلى رأسها أميركية، لأجل الاستقرار والاستمرارية في الحلف، مع اندلاع الحرب الأوكرانية، وتزايد مخاطر المواجهة مع روسيا. فقد أفادت تقارير مختلفة، ومنها في بلده الأصلي النرويج، بممارسة الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطاً، منذ قمة الحلف في وارسو يوم 22 فبراير/ شباط الماضي، حيث قالت صحيفة "في غي" النرويجية أواخر الشهر الماضي إن ساكن البيت الأبيض مارس "ضغوطاً كبيرة لثنيه عن ترك منصبه".

تناغم التكتلات الداخلية

وبرغم ذلك، يبدو أن التحديات التي يواجهها حلف شمال الأطلسي، على مستوى تناغم تكتلاته الداخلية، تفرض نفسها بشأن التعاطي مع التحدي الروسي والصيني. فحتى اختيار الأمين العام الجديد يخضع لتسويات بين الدول الـ31 الأعضاء في الحلف.

الدول الأوروبية الشرقية، ودول البلطيق الصغيرة (سوفييتية سابقة) تريد خلفاً بدرجة حزم ستولتنبرغ نفسه، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في المقابل ترى أطراف أخرى أنه لا يجب اختيار أمين عام متشدد، أو لديه تصريحات ومواقف عدائية من موسكو.

وشكّلت تسمية وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، مرشحاً محتملاً إلى المنصب، نقطة اختلاف في حلف شمال الأطلسي. إذ بوجود رغبة أوروبية ببقاء المنصب في قارتهم، برزت أسماء أخرى مرشحة. فرنسا مثلاً عارضت والاس، ما أخرجه من حلبة المنافسة. وأيدت باريس إلى جانب برلين ودول أخرى، وصول رئيسة الحكومة الدنماركية، ميتا فريدركسن، إلى الأمانة العامة للحلف. بينما أيدت بعض الأطراف، مثل بولندا والبلطيق، رئيسة الحكومة الإستونية كاجا كالاس.

لكن، وفقاً لما سربته مصادر دبلوماسية دنماركية في بداية الشهر الماضي للصحافة، فإن زيارة فريدركسن إلى البيت الأبيض "لم تحسم موقف جو بايدن لتأييد تام لترؤسها الحلف"، وهو أيضاً ما أكدته صحيفة "فايننشال تايمز".

الواضح أن استمرار ستولتنبرغ في منصبه جاء برغبة أميركية قوية، مسنودة ببريطانية، المنزعجة من خروج والاس من السباق.

الدافع الآخر أيضاً للإبقاء على ستولتنبرغ مصدره الانخراط التدريجي المتزايد لحلف شمال الأطلسي في تسليح وتدريب القوات الأوكرانية، منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. وتنظر الأطراف المؤثرة، والمتأثرة، قلقاً من مشاريع موسكو، أن مسألة الاستقرار واستمرار النهج ذاته أمران ضروريان، للإبقاء على حالة التحالف بين ضفتي الأطلسي، أوروبا وأميركا.

فالرجل حقق خلال السنة الماضية، من وجهة نظر غربية، من خلال تحركات مكوكية مع فريقه المتخصص، قفزات كبيرة في تعزيز مواقع الحلف الغربي. وهو الحلف الذي وصفه قبل سنوات قليلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه في حالة "موت دماغي".

وبات حلف شمال الأطلسي اليوم أكثر توسعاً، بل ويناقش في قمته القادمة في العاصمة الليتوانية فيلنيوس بين 11 و12 يوليو/ تموز الحالي مسائل توسعه وعقد تحالفات مع جواره، ومنح أوكرانيا شبه ضمانات لأمنها المستقبلي، على أمل تخطي الحرب مناقشة حصولها على عضوية كاملة.

فرصة لتقليص التباينات

وتشهد فنلندا في السياق يوم 13 الشهر الحالي قمة أميركية و"مجموعة دول الشمال" (فنلندا والنرويج والسويد والدنمارك وأيسلندا)، طارحة تعزيز الدفاعات فيها وفي السويد، التي لا يبدو أنها ستنضم إلى الحلف قبل القمة.

ويريد الحلف ضمّ السويد إليه بحلول الوقت الذي يجتمع فيه بايدن مع زعماء "الناتو" الآخرين في ليتوانيا، لكن تركيا والمجر لم تصادقا على هذه الخطوة حتى الآن.

في كل الأحوال، إذا كانت خلافات حلف شمال الأطلسي بلغت حداً جعل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، يبشر بإمكانية خروج بلده منه، وظهور تباينات دفعت برلين إلى التفكير ملياً بشأن عدم الاعتماد على الحليف الأميركي للدفاع عن نفسها، فإن غزو أوكرانيا قدم فرصة ثمينة للحلف لإعادة رص صفوفه.

فاليوم تعيش منطقة بحر البلطيق حالة مختلفة جذرياً عما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا. وجهود "الأطلسي" فيه وفي بحر الشمال حولته إلى ما يشبه "بحر الناتو"، كما تذهب إلى ذلك صحف غربية.

يُضاف إلى ذلك تعزيز الوجود العسكري للحلف في أوروبا الشرقية، وعلى تخوم روسيا، في فترة ترؤس ستولتنبرغ، وخصوصاً في العامين الماضيين، حيث باتت المنطقة القطبية الشمالية منطقة نشاط ثابت وغير مسبوق لـ"ناتو"، مقابل تراجع روسي واضح بسبب الانشغال في أوكرانيا.

وبمعنى آخر، يتخذ تمديد فترة ولاية ستولتنبرغ، رغم أنه في حد ذاته تأجيل لخلافات تكتلاته حول الخليفة، أهمية للجناح الأكثر تشدداً في مواجهة روسيا، والراغبين بتعزيز التحالف مع واشنطن، لإيجاد أرضية مشتركة خلال ما تبقى من وقت نحو استراتيجية تعاط مشترك مع التحدي الصيني أيضاً، بدل الانقسامات التي تظهر على مستوى الاتحاد الأوروبي في تلك المسألة تحديداً.

ومع بقائه حتى 2024 يكون ستولتنبرغ ثاني أمين عام بقاءً في المنصب، بعد الهولندي جوزيف لونز الذي ظل في منصبه 13 سنة، قبل أن يستقيل صيف 1984.

المساهمون