"طالبان باكستان" تؤجج التوتر بين كابول وإسلام أباد

22 يوليو 2023
من الهجوم في بيشاور، الثلاثاء الماضي (عبدول مجيد/فرانس برس)
+ الخط -

في خضم موجة من أعمال العنف غير المسبوقة التي تشهدها باكستان حالياً، بدأ التوتر يسود العلاقات الأفغانية الباكستانية مع تحول طالبان الباكستانية إلى محور الخلاف. تتهم إسلام أباد كابول بأنها تؤوي طالبان الباكستانية التي تحملها مسؤولية قتل المواطنين الباكستانيين، وتهدد بالتدخل في الأراضي الأفغانية من أجل القضاء على مسلحي الحركة.

لكن أفغانستان ترفض الاتهامات، وتؤكد أن أي تدخل باكستاني ستعدّه اعتداءً وستقابله بالرد الأعنف والأقوى. وفي حين تصور باكستان طالبان الباكستانية بأنها خطر على الأمن القومي بفعل عمليات التجنيد والتخطيط على أرض أفغانستان، وحصولها على الأسلحة المتطورة التي خلفتها القوات الأميركية لدى انسحابها في أغسطس/ آب 2021، كما تقول إسلام أباد، برزت جماعة جديدة تسمى جماعة حركة الجهاد في باكستان.

هذه الجماعة تقوم بأعمال عنف شديدة، معظمها انتحارية، وتدعي أنها مظلة لجميع أبناء المدارس الدينية في باكستان، وتحثهم على الانضمام إليها من أجل تطبيق الشريعة في البلاد.

طالبان الباكستانية وحركة الجهاد

وشهدت الساحة الباكستانية في الأسبوع الحالي أعمال عنف متتالية، تصل إلى العشرات، وتبنتها كل من طالبان الباكستانية، وحركة الجهاد في باكستان، والحركات الانفصالية البلوشية، لكن كان أبرزها الهجوم على مركز رئيسي للشرطة في منطقة باره بضواحي مدينة بيشاور، أول من أمس الخميس، ما أدى إلى تدمير المركز بشكل شبه كامل.

وأفادت الشرطة، في بيان، بأن الهجوم أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين، إلا أن شهود عيان أكدوا لـ"العربي الجديد"، أن عدد القتلى والجرحى أكبر، لأن الانتحاريين دخلوا إلى المركز واشتبكوا لساعات مع قوات الأمن قبل تفجير أحزمتهم الناسفة، في هجوم تبنته طالبان الباكستانية.


سيد فيصل علي شاه: باكستان قررت العمل داخل الأراضي الأفغانية

وطاول هجوم لحركة الجهاد، الثلاثاء الماضي، دورية للقوات الخاصة في منطقة حيات أباد المحصنة أمنياً من كل الجوانب، وسط مدينة بيشاور، حيث يعيش أثرياء المدينة ومسؤولين حكوميين.

وأدى الهجوم إلى إصابة ستة أشخاص بحسب الرواية الحكومية، لكن مصادر محلية أكدت استناداً إلى شهود عيان أنه أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ثمانية آخرين، كما دمرت الدورية بشكل كامل.

وكان الهجوم الانتحاري على قاعدة عسكرية للجيش في منطقة زوب بإقليم بلوشستان لحركة الجهاد قد هز الأوساط السياسية والعسكرية في باكستان، وأثار مرة أخرى الجدل بين كابول وإسلام أباد.

وفي التفاصيل، فقد دخل خمسة انتحاريين من حركة الجهاد إلى القاعدة في 12 يوليو/ تموز الحالي، واشتبكوا مع قوات الجيش لعدة ساعات، ما أسفر عن مقتل تسعة جنود بحسب بيان الجيش، لكن الحركة ادعت مقتل وإصابة 40 جندياً، متوعدة باستمرار الهجمات حتى تنفيذ الشريعة في البلاد.

أثار الهجوم استياء المؤسسة العسكرية، وصب قائد الجيش الجنرال عاصم منير غضبه على كابول. وقال أثناء زيارته للقاعدة في 14 يوليو الحالي إن طالبان الباكستانية لها مراكز تخطيط وإيواء في أفغانستان، وهو ما يشكل خطراً على أمن واستقرار بلاده، مطالباً كابول باتخاذ خطوات لازمة حيال القضية.

وفي اليوم التالي قال وزير الدفاع الباكستاني خواجه أصف إن جميع الخيارات مفتوحة أمام القوات المسلحة من أجل القضاء على كل من يعبث بأمن باكستان أينما كان، في إشارة إلى الداخل الأفغاني.

كما اعتبر في اجتماع ضم قادة الفيالق في الجيش الباكستاني، الثلاثاء الماضي، أن وجود طالبان الباكستانية في أفغانستان وحصولها على أسلحة متطورة يشكل خطراً على أمن باكستان، وأن القوات المسلحة تستخدم كل الوسائل والسبل من أجل القضاء على كل من يستهدف أمن باكستان أينما كان.


برزت جماعة جديدة تسمى جماعة حركة الجهاد في باكستان

اتهامات وتوتر بين كابول وإسلام أباد

لكن في المقابل، أكد المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن بلاده لا تتدخل في شؤون أي دولة ولن تسمح لأحد بالتدخل والاعتداء على أرضها. وشدّد على أن تصريحات المسؤولين الباكستانيين الأخيرة لا أساس لها من الصحة، وهي مجرد اتهامات نرفضها بشدة.

ولفت إلى أن الجيش الباكستاني وأجهزة أمن باكستان فشلت في التصدي للجماعات المسلحة، لذا تلقي اللوم على أفغانستان، وأن تلك التصريحات الأخيرة لا محالة تلقي بظلالها على العلاقات بين الدولتين. ولوّح إلى أن بلاده ستقوم بالرد الأقوى إذا ما قامت القوات الباكستانية بالاعتداء على أرضها بأي ذريعة كانت.

وحول ما قاله وزير الدفاع الباكستاني خواجه أصف بأن ما تفعله طالبان أفغانستان من إيواء طالبان الباكستانية والجماعات المسلحة الأخرى هو انتهاك لاتفاق الدوحة (وُقّع في فبراير/ شباط 2020)، قال مجاهد إن الاتفاق كان مع الولايات المتحدة ولم يكن مع باكستان، لكننا نطمئن باكستان بأن بلادنا لن تتدخل في شأنها الداخلي، وأننا نحب الاستقرار في باكستان كما نحبه في بلادنا.

بدوره، أكد وزير الخارجية الأفغاني الملا أمير خان متقي خلال اجتماعه بالمندوب الباكستاني الخاص لأفغانستان أصف دراني في كابول، أول من أمس الخميس، أن بلاده لن تسمح لأي جماعة أن تستخدم الأراضي الأفغانية من أجل إرباك الأمن في باكستان، وأنها تتخذ كافة الخطوات اللازمة في هذا الصدد.

وفي السياق، كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية عبد القهار بلخي، في بيان، أن الجانبين تحدثا حول الوضع الأمني على الحدود، وأن وزير الخارجية الأفغاني طمأن المسؤول الباكستاني بأن أرض بلاده لن تستخدم ضد باكستان، كما أن الجانب الباكستاني طمأن الجانب الأفغاني على التعاون في مجال الأمن.

في السياق، اعتبر المحلل الأمني الباكستاني سيد فيصل علي شاه في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن طالبان باكستان تشكل حالياً خطراً كبيراً على الأمن القومي، والسبب هو وصول طالبان الأفغانية إلى سدة الحكم في أفغانستان في أغسطس 2021.

وأضاف: "نعرف جميعاً أن من يسيطر حالياً على كابول ليست حكومة بل عصابة أو خلية مسلحة، لا نظام لها ولا دستور. ومن الطبيعي أن هذا التطور بجوارنا سيكون له تأثير كبير وخطير على بلادنا، ويهدد الأمن القومي، لأن سيطرة طالبان على كابول تشجع وتقوي طالبان الباكستانية".


عبد الله خان: لا أتوقع نجاح إسلام أباد في إقناع كابول بالعمل ضد طالبان الباكستانية

وأضاف علي شاه: "لقد ساعدت إسلام أباد بشكل مباشر أو غير مباشر طالبان الأفغانية على مدى العقدين الماضيين من أجل القضاء على الحكومة الديمقراطية، لأنها كانت مقرّبة من الهند، وكان هدف باكستان القضاء على نفوذ الهند من خلال القضاء على الحكومة الديمقراطية، وكذلك القضاء على طالبان الباكستانية بيد طالبان الأفغانية، لكن بعد وصول طالبان إلى الحكم في كابول حدث بخلاف ما كانت تتوقعه إسلام أباد التي أرسلت وفوداً مختلفة من القبائل والمسؤولين السياسيين والعسكريين إلى كابول، غير أن طالبان الأفغانية رفضت الضغوط والعمل ضد طالبان الباكستانية خشية انضمامها إلى داعش ضدها في أفغانستان".

وتابع: "لقد تغيرت طالبان الأفغانية تماماً، هي لا تأخذ في عين الاعتبار أًصلاً المؤسسة العسكرية الباكستانية، ولا باكستان أصلاً، ولا شك أن باكستان فشلت في سياساتها، وقررت العمل داخل الأراضي الأفغانية وسنرى ما ستؤول إليه الأحداث".

خطر طالبان الباكستانية

من جهته، قال الإعلامي الباكستاني عبد الله خان، لـ"العربي الجديد"، إنه منذ نشأتها في عام 2007 باتت طالبان الباكستانية خطراً كبيراً على مستقبل باكستان، لكن قبل انهيار الحكومة الأفغانية كان أشرف غني وحكومته يعملون بجد ضد طالبان الباكستانية، إذ كان المئات من عناصرها وقياداتها في السجون، وكانت قياداتها تستهدف في المناطق الأفغانية المختلفة، لكن مع الأسف المؤسسة العسكرية والاستخبارات الباكستانية أخطأت في التقديرات. لقد انهارت حكومة أشرف غني ووصلت طالبان إلى الحكم، ما جعل باكستان، حكومة وشعباً وجماعات دينية وسياسية، في أزمة كبيرة.

وتابع خان: "كنا نظن أن أفغانستان أًصبحت لنا، ولكن طالبان أفغانستان تغيرت تماماً، مؤكدة استقلاليتها، وبالتالي بات الخطر كبير جداً على الأمن القومي الباكستاني، لأن من يسيطر على كابول لا يتعاون مع إسلام أباد، ولا توجد لدى المجتمع الدولي ولا مع باكستان أي وسيلة للضغط عليها، وفي يد طالبان الآن كل أفغانستان والأسلحة المتطورة التي خلفتها القوات الأميركية".

وأضاف: "المشكلة كبيرة، ولا أتوقع نجاح إسلام أباد في إقناع كابول بالعمل ضد طالبان الباكستانية، كما لا يمكن العمل داخل الأراضي الأفغانية لأنها أخطر مما نتصور، وسيجعل ذلك كلاً من طالبان الأفغانية والباكستانية والقبائل في عداء مع المؤسسة العسكرية الباكستانية، التي لم تعد تملك القوة في المناطق القبلية ولا أفغانستان بعد سيطرة طالبان على كابول".

وما يجعل السلطات الباكستانية والمهتمين بقضية الجماعات المسلحة في حيرة، هو ظهور جماعة جديدة في الساحة تدعى جماعة حركة الجهاد في باكستان، لا أحد يعرف من هي تلك الجماعة، إلا أنها تعتبر نفسها، عبر بيانات يصدرها المتحدث باسمها المولوي محمد قاسم، أنها مظلة لأبناء المدارس الدينية في باكستان، وأنها تسعى إلى تنفيذ الشريعة في البلاد.

غير أن بعض المراقبين يرون أن الحركة اسم جديد لطالبان الباكستانية، فتارة تتبنى مسؤولية العمليات المسلحة باسم طالبان الباكستانية وتارة باسم حركة الجهاد في باكستان، والهدف هو خلط الأوراق. وهناك من يرى أن الحركة هي جماعة شكلها عناصر طالبان الأفغانية، التي تؤمن بمواصلة الجهاد والقتال في باكستان.

ولم تعلق السلطات الباكستانية على أمر تلك الجماعة غير أن إيحاءات المسؤولين تشير إلى أن إسلام أباد تعتبرها جزءاً من طالبان الباكستانية، إذ إنه بعد كل هجوم تتبناه الجماعة الجديدة، يتم إلقاء اللوم من قبل المسؤولين على طالبان الباكستانية، كما حدث بعد الهجوم على قاعدة عسكرية في زوب بإقليم بلوشستان في 12 يوليو الحالي.