شهر على اتفاق حمدوك والبرهان: تعهدات بلا تنفيذ

22 ديسمبر 2021
وجد اتفاق حمدوك والبرهان معارضة قوية منذ يومه الأول (فرانس برس)
+ الخط -

أكمل رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك شهراً منذ عودته إلى منصبه رئيساً للوزراء، بعد إطاحته مع حكومته، في انقلاب قاده قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسط خيبات أمل وفشل كبير يراه كثير من السودانيين. 

وكان حمدوك قد وقّع اتفاقاً سياسياً مع البرهان، في 21 نوفمبر/تشرين الأول الماضي، احتوى 14 بنداً، أهمها عودته، من دون حكومته، إلى منصب رئاسة الوزراء، واستئناف العمل بالوثيقة الدستورية بعد تجميد عدد من بنودها بواسطة البرهان. 

كما اتفقا على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، والتأكيد على الشراكة بين العسكر والمدنيين بموجب إعلان سياسي جديد، والتحقيق في قتل المتظاهرين بعد الانقلاب، واستكمال مؤسسات الحكم الانتقالي. ونص الاتفاق أيضاً على إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/حزيران، والعمل على بناء جيش قومي موحد.

معارضة سودانية للاتفاق منذ اليوم الأول

وجد الاتفاق معارضة قوية منذ يومه الأول، سواء من القوى السياسية الرئيسية في البلاد الداعمة للتحوّل الديمقراطي، أو من الشارع السوداني الرافض للانقلاب العسكري. فيما وجد في المقابل تأييداً نسبياً من تيارات سياسية، لكنه تأييد مشروط بتطبيق الاتفاق على أرض الواقع، بأمل تخفيف حدة الاحتقان السياسي في البلاد.

معز حضرة: لم يعد أمام حمدوك غير مغادرة المشهد السياسي

أما حمدوك، فقد برر خلال مقابلات صحافية، خطوته الاتفاق مع البرهان، بالرغبة في حقن دماء السودانيين، ووقف عمليات الاعتقال السياسي، وحماية حق الثوار في التعبير السلمي، والعودة للمسار الديمقراطي. 

كما بررها بالحيلولة دون عودة الثورة المضادة إلى مفاصل الدولة، والمحافظة على مكتسبات الثورة في العامين الماضيين، وعدم عودة السودان للعزلة الدولية من جديد، خصوصاً عقب وقف عدد من الدول والمؤسسات الدولية دعمها السياسي والمالي للبلاد.

تنفيذ 3 بنود من الاتفاق السياسي

ومن جملة 14 بنداً في الاتفاق السياسي بين حمدوك والبرهان، لم تنفذ خلال الشهر الذي مر من عمر الاتفاق، سوى 3 بنود فقط، الأول عودة رئيس الوزراء إلى منصبه، والثاني إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من الوزراء والمسؤولين في الدولة، والثالث تشكيل لجنة للتحقيق والتحري في ملابسات أحداث ما بعد الانقلاب، والتي أدت إلى مقتل 47 متظاهراً.

أما بقية البنود العشرة الأخرى، فلم تنفذ حتى الآن، إذ فشل حمدوك تماماً في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، ولا يزال العمل قائماً بحالة الطوارئ في البلاد التي أعلنها قائد الجيش في اليوم الأول من الانقلاب، على الرغم من إعادة العمل بالوثيقة الدستورية.

 ولم تكلل بالنجاح مساعي رئيس الوزراء في دفع القوى السياسية إلى التوافق على إعلان سياسي جديد يحكم الفترة الانتقالية، وكذلك لم يتم توافق على تعديل الوثيقة. ولم تستكمل مؤسسات الحكم الانتقالي من برلمان ومفوضيات مستقلة وغيرها، وسُد أفق الحوار بين العسكر والمدنيين، كما لم تتم هيكلة لجنة إزالة تمكين الثلاثين من يونيو، المجمدة بقرار من البرهان. وقبل ذلك لم تُعلن خطوة واحدة لبناء جيش قومي موحد.

استمرار قتل المتظاهرين في السودان

كما أن ما قدمه حمدوك من مبررات للتوقيع على الاتفاق بخصوص حقن دماء السودانيين، والدفاع عن حق الثوار في التعبير السلمي، ووقف عمليات الاعتقال السياسي، والحد من العزلة الدولية، لم تصمد. إذ استمر قتل المتظاهرين، وآخرها مقتل اثنين منهم أثناء مليونية 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على يد قوات الانقلاب، طبقاً للجنة الأطباء المركزية، التي كشفت أيضاً عن أكثر من 300 إصابة نتيجة العنف المفرط في التعامل مع الاحتجاجات. 

كما واصلت سلطات الانقلاب اعتقال المتظاهرين والناشطين في الثورة. وبرزت في اليومين الماضيين أنباء، يجري التحقق منها، عن وجود حالتي اغتصاب لفتاتين أثناء فض التظاهرات، إضافة إلى نهب مشاركين فيها، واقتحام منازل، وهذه الانتهاكات لم تكن موجودة قبل الاتفاق السياسي.

ومن المعلوم أن المواكب المليونية لم تتوقف، أو يقل زخمها، بعد اتفاق حمدوك والبرهان، عكس ما توقع الكثيرون. فبعد الاتفاق خرجت 6 مليونيات في 21 و25 و30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي 6 و13 و19 ديسمبر الحالي، وتتواصل في 25 و30 ديسمبر، مع تصميم لجان المقاومة وبقية التيارات والأحزاب على المواصلة حتى سقوط الانقلاب وهزيمته، ومعه اتفاق البرهان وحمدوك.

تراجع المواقف الدولية الداعمة لاتفاق البرهان وحمدوك

وبشأن كسر العزلة الدولية واستئناف المساعدات الدولية التي وعد بها حمدوك بعد اتفاقه والبرهان، ربطت كثير من الجهات، آخرها اجتماع وزراء الخارجية والتنمية لمجموعة السبع في 11 ديسمبر الحالي، دعم السودان خارج النطاق الإنساني، بالعودة إلى عملية انتقال ذات مصداقية ومستدامة بقيادة مدنية. 

كما أقر الكونغرس الأميركي مشروع عقوبات فردية على معرقلي الانتقال الديمقراطي في البلاد، وغيرها من الخطوات التي أوقفت مليارات الدولار كانت في طريقها للسودان قبل الانقلاب.

وتراجعت في الأيام الماضية المواقف الدولية الداعمة لاتفاق البرهان وحمدوك، مثل موقف الأمم المتحدة ورئيس بعثتها في السودان فولكر بيرتس، وذلك تحت ضغوط الشارع، الذي دان بشدة تلك المواقف، ونظم وقفات احتجاجية أمام مقر البعثة بالخرطوم، لحثها على دعم خيارات الشعب في إزاحة العسكر عن المشهد كلياً، وقيام نظام ديمقراطي مدني خالص.

وعقب تنفيذه للانقلاب في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر قائد الجيش، الذي آلت إليه السلطة لفترة شهر تقريباً، جملة من القرارات لتمكين الانقلاب، من بينها إقالة وكلاء الولاة ووكلاء الوزارات وسفراء وكبار الموظفين في الدولة سبق أن عينهم حمدوك، وعيّن البرهان بدلاء يُعتقد أن غالبيتهم من أنصار النظام البائد. 

الطاهر ساتي: فترة شهر غير كافية لاختبار الاتفاق

وسعى حمدوك بخجل، بعد عودته لرئاسة الحكومة، إلى مراجعة تلك القرارات، لكنه لم يقم سوى بتعيين وكلاء للوزارات وتكليف ولاة للولايات وتعيينات أخرى طفيفة. 

وعلى الرغم من احتفاء أنصار حمدوك بذلك، إلا أن قائد الجيش أكد، قبل يومين، أن كل قرارات التعيين الجديدة التي صدرت بواسطة حمدوك تمت بالتنسيق معه، ما يعني أن القرار ليس بيد رئيس الوزراء، خلافاً لما رُوج له في البداية.

خيارات حمدوك

وعن الخيارات أمام رئيس الحكومة، رأى القيادي في قوى الحرية والتغيير، معز حضرة، أنه لم يعد أمام حمدوك غير التنحي ومغادرة المشهد السياسي، لأن الاتفاق السياسي الذي أتى به، لم يفعل شيئاً أبداً، وحتى حقن دماء السودانيين كان وعداً وحسب. 

واعتبر أن الاتفاق تسبب، في مجمله، بتراجع مخيف في حالة حقوق الإنسان والحريات العامة، وازدادت معه الأمور تعقيداً، وبرز الكبت والطغيان والعنف والاعتقال والإخفاء القسري، كما تدهور الاقتصاد بصورة مريعة.

وأوضح حضرة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المخرج بخلاف تنحي حمدوك، يكمن في اقتناع البرهان والوطنيين في القوات المسلحة بتسليم السلطة من جديد للمدنيين، أصحاب الحق الشرعي، والاقتناع كذلك أن الشعب السوداني لا يمكن أن يساق بالقوة والقهر والاغتصاب. وأكد أن المدنيين قادرون على قيادة الدولة، والوصول بها إلى بر الأمان.

من جهته، رأى القيادي في حزب المؤتمر السوداني، شريف محمد عثمان، أنه بعد شهر كامل من الخطوة المعزولة، تأكد للجميع أن الاتفاق السياسي بين حمدوك والبرهان، ولد عارياً من دون أي سند سياسي، أو شعبي، وثبت عجزه في تقديم أي رؤية للمستقبل السياسي للسودان، وأنه يسبح عكس التيار الثوري الراغب في إنهاء عسكرة الحياة السياسية والمضي في مدنية الدولة.

وأشار عثمان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه كان أمام حمدوك، خلال الثلاثين يوماً الماضية، فرصة لتصحيح ما أقدم عليه، بالاعتراف بخطأ ذهابه منفرداً للتوقيع على الاتفاق من دون تفويض من قوى الحرية والتغيير التي أتت به للمنصب. كما فات عليه خلال تلك المدة فرصة اتخاذ قرار بنفض يده عن الانقلابيين، وبالتالي لم يعد أمامه سوى الرحيل مع الانقلابيين.

ونفى عثمان وجود أي تواصل حالياً بين رئيس الوزراء وقوى الحرية والتغيير، باستثناء مجموعة محدودة من الأشخاص داخل "الحرية والتغيير" داعمة للانقلاب العسكري وللاتفاق السياسي، هي وحدها التي تتواصل مع حمدوك.

وأكد أن تحالف الحرية والتغيير يعمل على إعداد رؤية مع كل مكونات الثورة وقواها الحية تهدف لتلبية طموحات ملايين السودانيين، من خلال جبهة عريضة ضد الانقلاب العسكري والتسوية معه.

رهان العسكر على الاتفاق

وعلى الضفة الأخرى، يراهن المكون العسكري على اتفاقه مع رئيس الوزراء، كما جاء في تصريح أخير للعميد الطاهر أبو هاجة، مستشار قائد القوات المسلحة. 

وقال أبو هاجة إن اتفاق 21 نوفمبر هو الأساس الذي يجب أن تبنى عليه الرؤى السياسية الانتقالية، ومن الأفضل والأفيد للقوى المختلفة أن توحد برامجها واستراتيجيتها لإنجاح الفترة الانتقالية، وتحقيق التحول الديمقراطي. 

وجاءت تصريحات أبو هاجة بعد ساعات من تفريق مليونية 19 ديسمبر، الأحد الماضي، مشيراً إلى أن الجيش السوداني منحاز لخيار الشعب وتطلعاته نحو الديمقراطية عبر انتخابات حرة ونزيهة، وسيحمي ذلك الخيار.

أما الطاهر ساتي، رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي"، فرأى أن فترة شهر غير كافية للحكم واختبار اتفاق البرهان وحمدوك. ولفت إلى أن الاتفاق حقق بعض النجاحات، متمثلة في استكمال بعض المؤسسات الانتقالية، وأن عملية تشكيل حكومة الكفاءات تمضي بصورة جيدة، وهي الآن في مرحلة الترشيحات والفحص الأمني، وخلال شهر سيشكل المجلس التشريعي. 

وأضاف ساتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه لا مخرج الآن من الأزمة السياسية سوى التوافق الوطني على برنامج انتقالي، يستند إلى اتفاق البرهان وحمدوك. واعتبر أن لا بديل سواه في الوقت الراهن، غير الانقلاب العسكري الكامل، أو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، على حد تقديره. 

وطالب الأحزاب المعارضة بالاتفاق والتوافق وبالاقتناع بما جرى كأساس لأي حكم انتقالي، يجب أن تُبعد فيه الأحزاب عن الحكم وتعود إلى قواعدها، وترتب وتجهز نفسها للانتخابات.

المساهمون