سنجار: المليشيات و"الكردستاني" يتحسبون لعملية تركية

15 فبراير 2021
أعلنت تركيا انتهاء عملية "مخلب النسر 2" في شمال العراق أمس الأحد (الأناضول)
+ الخط -

تنذر التطورات المتسارعة في مدينة سنجار العراقية، غربي الموصل ضمن محافظة نينوى، بفرض واقع جديد في المنطقة، خلافاً لما تخطط له بغداد، التي وقّعت مع أربيل، منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اتفاقاً لتطبيع الأوضاع في سنجار وضواحيها، برعاية بعثة الأمم المتحدة في العراق. ويقضي الاتفاق بإخراج المليشيات المسلّحة، خصوصاً مسلحي حزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة، منها وإعادة سكان المدينة إليها، من دون استثناء لأي من مكوناتها. وفي ظل ترويج أنباء عن تحضير تركيا لهجوم وشيك على معاقل حزب "العمال الكردستاني" في سنجار، شهد اليومان الماضيان عملية تحشيد كبيرة لفصائل عراقية مسلحة حليفة لإيران. وتزامن ذلك مع وصول القيادي في مليشيا "كتائب حزب الله"، رئيس أركان "الحشد الشعبي"، عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك"، إلى المدينة ولقائه عدداً من زعامات الفصائل المسلحة، أول من أمس السبت، وذلك بعد أيام من إعادة انتشار واسعة لمسلحي "العمال الكردستاني"، ومليشيا "وحدات حماية سنجار"، في منطقة جبل سنجار. وترافق ذلك مع عودة ظاهرة حفر الأنفاق العميقة داخل جبل سنجار، بواسطة متعهّدي حفر تم إدخالهم من الجانب السوري المجاور للمدينة عبر منطقة خانصور العراقية الحدودية مع سورية، والتي تسيطر على الجانب الآخر منها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).

وصل لواء من الحشد الشعبي إلى المدينة وانتشر فيها

وأكدت مصادر محلية من داخل مدينة سنجار، لـ"العربي الجديد"، أن لواء من "الحشد الشعبي" وصل إلى المدينة وانتشر في مناطق عدة منها، على خلاف الاتفاق الذي ينص على إخراج الفصائل المسلحة من المدينة وحصر مهام الأمن فيها بقوات الجيش والشرطة المحلية. ووفقاً للمصادر، فإن العناصر تلك تابعة لمليشيات "كتائب حزب الله" و"بدر"، أبرز المليشيات الحليفة لطهران في العراق.

وقال أحد المسؤولين في المجلس التنسيقي في مدينة سنجار لـ"العربي الجديد"، إن "الانتشار الجديد للفصائل العراقية تزامن مع تحرك واسع وإعادة انتشار لحزب العمال في قرى ومناطق جبلية قرب سنجار، وتحديداً في الجزء الغربي والجنوبي من جبل سنجار، وتم حفر خنادق بواسطة عمال عرب تم استقدامهم من سورية لهذا الغرض، وهو ما يعني توقّع ضربات تركية وشيكة على سنجار". ولفت إلى أن عدد المليشيات زاد في المدينة بنحو الضعف وتحت ذريعة "التصدي لهجوم تركي وشيك على معاقل حزب العمال في سنجار".

وأصدر زعيم تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، هادي العامري، بياناً أمس الأحد، جاء فيه أن "هناك معلومات استخبارية مؤكدة تفيد بأن الجيش التركي لديه نيّة الهجوم على جبل سنجار". وطالب حكومة مصطفى الكاظمي "باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لردع أي عدوان على الأراضي العراقية"، مشدّداً على أن "القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي قادرة على الدفاع والذود عن تراب الوطن المقدس".

كما أصدرت مليشيا "النجباء"، و"عصائب أهل الحق"، بيانات مشابهة، أمس، تحذّر من هجوم تركي على سنجار. وقالت "النجباء" إنها "تنتظر موقفاً حازماً من حكومة الكاظمي على ما اعتبرته انتهاكات" تركيا داخل الأراضي العراقية، ملوحة بما وصفته القدرة على "ردع المحتلين". فيما تحدثت مليشيا "عصائب أهل الحق" عن استعدادها "للتصدي لأي عدوان على سنجار".

المتحدث باسم "الحشد الشعبي" في محور شمال العراق، علي الحسيني، علل، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، الانتشار الأخير للمليشيات بأن هناك "معلومات مؤكدة ودقيقة وصلت إلينا عن نيّة القوات التركية التدخل العسكري في قضاء سنجار، وتم التعامل مع هذه المعلومات بكل جدية، واتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية وفق هذه المعلومات". وأكد أن "القطعات الأمنية والعسكرية في قضاء سنجار في مواقعها، وهي على أهبة الاستعداد لأي طارئ وعمل عسكري، ونحن نتمنى ألا يحصل أي صدام أو نزاع بين الحشد والقوات التركية".

ولفت الحسيني إلى أن "هناك قيادات أمنية وعسكرية تدرس الوضع باستمرار، وهي وضعت خططاً لأي طارئ قد يحصل خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن القوات العسكرية المتواجدة في سنجار، ليست من الحشد الشعبي فقط، بل هناك تواجد للجيش العراقي وللشرطة الاتحادية".

في المقابل، قال مسؤول في رئاسة الوزراء العراقية، لـ"العربي الجديد" بشكل مقتضب، إن "الحديث عن اجتياح تركي لسنجار غير منطقي ولا يمكن القبول به، فالمدينة تقع على بُعد 136 كيلومتراً من الحدود التركية وقبلها هناك مدن وبلدات تتواجد فيها القوات العراقية وقوات البشمركة، ولا يمكن منطقياً ولا حتى من ناحية الخطط العسكرية القبول بهذه الفرضية، لكن هناك جهات معروفة تحاول إفشال اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار". وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "القوات التركية سبق أن استهدفت بغارات جوية جبل سنجار وأعلنت عنها على أنها ضمن حق الدفاع عن النفس، فحزب العمال يتخذ من مناطق عراقية منطلقاً لضرب تركيا في الداخل وتنفيذ عمليات إرهابية لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال"، لافتاً إلى أن "مشكلة حزب العمال لا يتحملها رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، بل تعود إلى النوافذ التي فتحها لهم نوري المالكي قبل عام 2010 ضمن تأثير أجندة إقليمية معروفة"، في إشارة منه إلى إيران.

من جهته، قال القيادي في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" ماجد شنكالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "حدوث نزاع مسلح بين الفصائل العراقية والقوات التركية لن تكون فيه أي فائدة لأي طرف، ويكون المتضرر الأكبر هي مدينة سنجار وأهلها والنازحون، الذين لا يستطيعون العودة إلى القضاء بسبب الظروف الأمنية".

وأكد شنكالي أن "هناك تعزيزات عسكرية لفصائل الحشد الشعبي في قضاء سنجار بسبب التهديدات التركية بالدخول إلى القضاء، خصوصاً بعد زيارة وزير الدفاع التركي ورئيس أركان الجيش التركي إلى العاصمة بغداد وإلى أربيل". واعتبر أن "على الحكومة العراقية أن تعمل بكل جهودها من أجل إخراج قوات حزب العمال الكردستاني من سنجار، لعدم منح الجانب التركي ذريعة للقيام بأي عمل عسكري جوي أو بري، وحتى منع حدوث أي نزاع مسلح بين فصائل عراقية والقوات التركية". وأضاف أن "انتشار الفصائل العراقية في قضاء سنجار، له هدف سياسي، خصوصاً في هذه الفترة مع قرب الانتخابات البرلمانية، والأمر لا يتعلق فقط بالتهديدات التركية، لكن هذه التهديدات أيضاً استغلت من أجل السيطرة على إرادة سنجار وأهلها واختيار مسؤوليها المحليين".

في المقابل، قال مسؤول علاقات حزب "العمال الكردستاني" في العراق، كاوه شيخ موس، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "القوات التركية لديها نيّة لشن عملية عسكرية كبرى على قضاء سنجار، وهذه المعلومات مؤكدة وليست تحليلاً". وحول انتشار المليشيات الحليفة لإيران في سنجار، قال موس إن "حزب العمال الكردستاني له علاقات طيبة وجيدة مع الفصائل العراقية المسلحة، خصوصاً أننا قاتلنا تنظيم داعش سوية وقدمنا التضحيات معاً من أجل تحرير الأراضي".

الحكومة العراقية: لا اجتياح تركياً لسنجار

في سياق غير بعيد، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، فجر أمس الأحد، انتهاء عملية "مخلب النسر 2" التي استهدفت سلسلة جبال كارة في قضاء العمادية/آميدي في محافظة دهوك في إقليم كردستان، بعد خمسة أيام من انطلاقها بهدف "رد الهجمات الإرهابية وضمان أمن حدودنا"، وفقاً لبيان مقتضب لوزارة الدفاع التركية.

وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت، في منتصف يونيو/حزيران 2020، انطلاق عملية "مخلب النسر" شمال العراق ضد "العمال الكردستاني"، فيما قامت الحكومة العراقية باستدعاء السفير التركي في بغداد فاتح يلدز، لأكثر من مرة، احتجاجاً على العمليات العسكرية. كما هددت بتسجيل شكوى لدى مجلس الأمن الدولي، وقامت بنشر قوات حرس الحدود العراقية، غير أنّ نشر هذه القوات لم يمنع تركيا من مواصلة القصف المدفعي. وتتواصل العمليات التركية لتحييد مسلحي حزب "العمال الكردستاني" في مناطق حدودية شمالي العراق، ضمن إقليم كردستان، بين حين وآخر، عبر عمليات جوية وبرية مختلفة، موقعة خسائر كبيرة في صفوف الحزب، فضلاً عن تدمير البنى التحتية له من مخازن عتاد وذخيرة وأسلحة وسيارات، عبر ضرب أهداف داخل زاخو ومخمور وقنديل وحفتانين شرقي دهوك وشمالي أربيل.

وعن هذه التطورات، قال الخبير في الشأن العراقي الكردي، آوات الجاف، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن عملية برية تركية في سنجار مستبعدة حالياً، خصوصاً أننا في الشتاء والمنطقة المقصودة لا تجامل أحداً في الشتاء". وأضاف: "إذا كان المقصود اجتياحاً برياً باتجاه سنجار، فهذا يعني أن نقطة دخول القوات التركية ستكون المثلث التركي العراقي السوري في فيشخابور، وهذه المنطقة مروراً ببلدة زاخو وصولاً إلى سنجار تبلغ نحو 140 كيلومتراً، ولا يمكن أن يتحقق الوصول إلا بالتنسيق مع الحكومة العراقية وأربيل لوجود وحدات من الجيش العراقي والبشمركة فيها".

ورجح إمكان حصول "عملية جوية مكثفة على جبل سنجار، لوجود معلومات عن أن قيادات حزب العمال تتحصن داخل تلك المنطقة وتدير أنشطة مسلحة ضد تركيا منها، بعد أن كانت موجودة في جبال قنديل العراقية الحدودية بين إيران وتركيا لسنوات طويلة". واعتبر أن اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار الموقّعة بين بغداد وأربيل "أُجهضت فعلياً بعد الانتشار المليشياوي الواسع في سنجار من مختلف الأطراف".

المساهمون